ثلاث محددات تعيدنا لحكومة الوفاق ..؟

بقلم: هاني العقاد

حكومة وحدة وطنية حالة حكم وطنية بكل المقاييس اذا ما واذا ما اتيح لها ان تري النور لان هدفها الاول و الاخير هو المواطن وازماته ومشاكلة وحياته اليومية هي اطار حاكم يتيح للكل الاشتراك في ادارة البلاد واخراجها من حالة التردي التي تصيب كافة المفاصل الحياتية للمواطن وتصيب كافة المفاصل السياسية وتنقذ البلاد من حالة التيه السياسي التي تسببها الانقسامات السياسية , لكن قد لا تناسب الحالة الفلسطينية في الوقت الراهن لان الانقسام الخطير الذي شل الحياة الفلسطينية اصبح اعمق من ذي قبل وبات ينذر بحالة انفصال لا ينتهي باي حكومة بسبب نقص الارادة السياسية والانقسام ايضا بات يهدد المشروع الوطني كليا من خلال محاولة استنساخ مشروع اخر تقوده بعض الفصائل وترفضه البعض وكل مرحلة يدور الفلسطينيين في دائرة مقياس قطرها واحد وعدد دوراتها واحدة لكن من يقف على خطوط الدائرة يبرر موقعه على الدائرة , نعم قد تكون حكومة الوحدة الوطنية حلا حقيقيا لكن اذا كان الفلسطينيين متوحدين وغير مختلفين على اشياء هي من اختصاص الحكومة ويؤمنوا ان حكومة الوحدة الوطنية هي المخرج الحقيقي من حالة الانقسام دون ابتزازات سياسية وحصص فصائلية وبرامج خاصة لاستنزاف الحكومة لصالح هذا الطرف او ذلك , قد لا تكون الحالة الفلسطينية الداخلية متهيئة لتقبل حكومة الوحدة التي اقترحتها اللجنة التنفيذية وهذا سيجعل من أي حكومة تشكل غير حكومة التوافق الوطني عالة على الشعب و تأتي بأزمات سياسية اكبر .

اذا فهمت الفصائل ان مهام حكومة الوحدة الوطنية هي مهام سياسية بحته وما يأتي بعد ذلك فهو من الملاحق وليس الاساسيات فان هذا الفهم بحد ذاته صعوبة خطيرة تقف امام تشكيل الحكومة لان لكل فصيل برنامج سياسي خاص يهتم بأفراده اكثر من اهتمامه بالوطن والمواطن وحالة المساواة في الحقوق , والغريب ان البعض يضع شروطا بضرورة عدم تدخل اللجنة التنفيذية في تشكيل الحكومة او حتى تقديم التوصيات بهذا ويوصي بضرورة اجتماع الاطار القيادي للمنظمة على اعتبار انه المخول بذلك و كأن الاطار القيادي هو اللجنة التنفيذية البديلة , هذه من اولى الصعوبات التي هي بالفعل تحتاج لإعادة النظر في التوجهات نحو حكومة الوحدة , حركة حماس اضافت بعض الشروط الصعبة الأخرى واولها الا يرأس الحكومة السيد رامي الحمد الله ,وان تتخلي الحكومة عن شروط الرباعية وان تعترف الحكومة بكل الاتفاقيات الموقعة بين فتح وحماس وبالتالي تعترف بموظفي حكومة غزة السابقة , كل هذه الشروط تعني ان الحكومة القادمة يجب ان لا يكون لها أي مهام سياسية ولا حتى مهام اساسية تعني بالشأن الداخلي الذي هو بالأساس من العوائق التي افشلت عمل حكومة الوفاق الوطني ومازالت تشل يديها وكل هذا يجعل الحكومة الجديدة تحت وصاية الاحزاب والفصائل , المعروف ان الحكومة القادمة بكل مكوناتها الفصائلية يجب ان لا تتدخل بالشأن السياسي الخارجي مطلقا لان الملقي على كاهلها من ايجاد حلول للازمات التي صنعها الانقسام وانهائه وهذا حمل ثقيل ودون التفرغ لحمله ودون تظافر كل جهود كل القوي الوطنية والاسلامية مع الحكومة لن ينتهي الانقسام ,ودون ترك الملف السياسي الخارجي لمنظمة التحرير فان الحكومة القادمة سوف تزيد من حالة سحق المواطن الفلسطيني باسم الوحدة , بعض الفصائل تقول ان الحكومة لا يتوجب ان تعمل بحسب شروط الرباعية الدولية التي تعترف بإسرائيل وهذه صعوبة بالغة من شانها ان تعيق تشكيل أي حكومة وحدة فلسطينية وتعيق اي خطوة الى الامام وان شكلت الحكومة فإنها ستكون حكومة محاصرة لا يقبلها العالم ولن تتلقي أي اموال دعم عربي ولا اوروبي تمكنها اداء مهامها .

قبل ان نفكر في أي حكومة وحدة جديدة علينا ان نضع بالاعتبار ثلاث محددات أساسية , وهي العلاقة مع المجتمع الدولي لأننا لا نستطيع الاعتماد على ذاتنا اقتصاديا ولا نستطيع ان نوفر ما يمكن الحكومة من دفع أي التزامات مالية تُسير بها الحياة المدنية وتستمر في بناء مؤسسات الدولة القادمة , والثاني علينا ان نضع مصلحة المواطن الفلسطيني وعلاقة الحكومة بهمومه وازماته في سلم اولويات الحكومة , هل ستترك الفصائل الحكومة قادرة على ازالة تلك الهموم وحل الازمات بحيادية وشفافية ؟ , والثاني علينا ان نسأل بدقة هل الفصائل الفلسطينية نضجت سياسيا لتعترف بأن الحكومة هي حكومة شعب خارج الوصاية الفصائلية .؟, لا اعتقد ان أي من الفصائل سوف يترك حكومة الوحدة المقترحة تعمل حسب تلك المحددات و بالتالي فان الفصائل ستحاول ان تحدد محددات للحكومة تعمل من خلالها حسب رؤية تلك الاحزاب والفصائل لهذا فأن البعض من الان يعترض على برنامج الحكومة الذي هو برنامج منظمة التحرير والبعض يريد ان يكون داخل الحكومة حسب برنامج حزبه السياسي وهذا يجعل امكانية تشكيل حكومة معترف بها دوليا امرا مستحيلا , و هذا يجعل امكانية تشكيل حكومة تزيل كل مظاهر الانقسام امر مستحيل ايضا , لم تعد الفصائل الفلسطينية على قناعة ان مشاركتهم في الحكومة هو لتسهيل مهامها الوطنية ليس اكثر ولا اقل وازالة أي عقبات يفرضها الانقسام امام توليها برامج توحيد مؤسسات الوطن وادارة غزة بما يوافق البرنامج الوطني وتهيئة الاجواء الداخلية للانتخابات الرئاسية والتشريعية , ولعل كل تلك المعطيات اصبحت تضع امامنا خيار مهم وهو بقاء حكومة الوفاق الوطني مع تعديلات هامة تأخذ بالحسبان عدم الازدواج في تولى الحقائب وتضع هذه الحكومة خطتها لإدارة البلاد وتوحيد مؤسساتها والوطنية وحل مشكلات موظفيها وتهيئة الوضع الداخلي الفلسطيني للانتخابات العامة دون تدخل من أي من الفصائل الفلسطينية .

بقلم/ د.هاني العقاد