ازمات حكومية .. فهل نرى حكومة وحدة وطنية فلسطينية

بقلم: عباس الجمعة

امام إنتظار تشكيل الحكومة الفلسطينية القادمة لا بد ان نتوقف ، لأقول ان معظم المؤسسات الحكومية اليوم تؤدي مهمات عديدة ومتنوعة آخذة في التعقيد على نحو متزايد , وفي بيئات تنافسية آخذة في التغيير بشكل متسارع , نتج عن ذلك أزمات وتحديات آخذة في التطور بطرق متجددة , إذا وباختصار شديد فان تشكيل الحكومة المقبلة بعد استقالة حكومة التوافق الوطني يجب ان تتمكن بطريقة أو بأخرى من خلال أدوات محددة من مواكبة المتغيرات والتحولات التي ستطرأ على البيئة الحكومية وفي المهمات والواجبات الموكلة إليها , إلى ارتفاع سقف المنافسة والتحدي على مختلف الجوانب الحياتية والأصعدة المحلية منها والإقليمية والدولية وبشكل سريع جدا ولا يقبل التوقف ولو لثانية من الزمن , وفي مقدرتها وإمكانياتها واستراتيجياتها على احتواء الأزمات والمشاكل التي ستواجهها في ذلك الطريق الشاق، ونحن للأسف ما زلنا تحت الاحتلال ، وما زال شعبنا في مرحلة تحرر وطني .
من هنا نحن نتطلع الى اهمية التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية وبالمشروع الوطني ، لأن فلسطين أكبر من كل الأيديولوجيات، ولهذا نرى اهمية ان تكون اي حكومة مقبلة هي حكومة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة والقدس ، وهي حكومة تتسع للجميع وتنتج مفاعيل توحيدية لأنها توحد أفراد الشعب بغض النظر عن أيديولوجيتهم ودينهم وأصولهم الطبقية، حتى تتحمل مسؤولية فعلية في قيادة المرحلة، تعمل على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بانهاء الانقسام وتطبيق اتفاقات المصالحة والعمل بشكل سريع من اجل اعادة اعمار قطاع غزة ووضع خطة تنموية شاملة لمعالجة مشكلات الفقر والبطالة وخاصة بطالة الخريجين والشباب، وتخفيض كلفة التعليم ووقف التدهور في البنية التحتية والتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية ومعالجة جادة لمشكلة انقطاع التيار الكهربائي وسوى ذلك،والاشراف على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية ،وإن كنت اعتقد صعوبة تحقيق هذه الأمنية.
وفي ظل هذه الظروف نؤكد بأن المشروع الوطني ليس مشروع فصيل او حزب بعينه ، بل هو مشروع النضال الوطني وهو مشروع الثوابت الفلسطينية وهو مشروع استحقاقات نضالية للشعب الفلسطيني ، لانه لا يمكن لشعب تحت الاحتلال أن يواجه الاحتلال ومناوراته واعتداءاته إلا في إطار مشروع وطني يستند لكافة السبل لتحقيق أهدافه ، واهمها استنهاض الشعب الفلسطيني والتمسك بخيار المقاومة بكافة اشكالها من اجل الوصول لتحقيق الاهداف الوطنية في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، وكذلك تحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية والتقدم للشعب الفلسطيني .
لقد بات واضحا للجميع بان المرحلة القادمة تحمل في طياتها مخاطر كبرى ، وخاصة من قبل الحلف الامبريالي الصهيوني الرجعي الذي يستهدف المنطقة من خلال الوصول لتصفية القضية الفلسطينية من خلال طرح مشاريع وتوزيع ادوار مع الاحتلال ، لذلك نرى اهمية الحذر مما يحمله المشروع الفرنسي وعدم التصفيق له الا اذا اقترن بتحقيق الأهداف الوطنية في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وهذ يفرض على القوى والفصائل ، التركيز في المرحلة الراهنة على التمسك بثوابت برنامج الإجماع الوطني للنظام السياسي الفلسطيني كهدف استراتيجي يحتل الأولوية في الفعل السياسي الديمقراطي الفلسطيني الراهن، باعتبار ان تحقيق هذا الهدف السياسي هو الشرط الأساسي لاستكمال عملية التحرر ببعديها الوطني والديمقراطي معا.
إن الحاجة ملحة اليوم للتصدي للأزمة المستفحلة، وخاصة مشروع فصل قطاع غزة عن الضفة الفلسطينية والقدس، لأنه يستهدف كامل الحقوق الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني ، ويسعى للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، ومما يتطلب إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني، وإجراء إصلاحات جذرية وعميقة في بنية النظام السياسي، وآليات صنع القرار وما يتطلبه من إعادة تأهيل المؤسسات القيادية التنفيذية والتشريعية والقضائية، وفرض إحترام سيادة القانون، وترسيخ أسس العدالة والمساواة ووضع حد فوري لكل أشكال الفساد والفوضى ،وكل ذلك هو بحاجة الى حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينيه، حتى تسعى بكافة امكانياتها لانهاء الانقسام وتطبيق شامل لاتفاق القاهرة، ويكون هناك طرف واحد يتحدث باسم الفلسطينيين، على كل المستويات والأصعدة، وفي حالتي المجابهة أو المفاوضات، مع التأكيد على التمسك بالحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على كامل الأراضي المحتلة منذ عام 1967 وعاصمتها القدس، و التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا لشعبنا.
ان قدر الشعب الفلسطيني ان يواجه اعتى احتلال عنصري استيطاني على وجه الارض ، حيث استطاع بصموده وتضحياته من افشال مشاريع الاحتلال القائمة على القمع والاستيطان والاغيتال والاعتقال وتدمير البنى التحتية والسياسية ومحاولة الغاء كيانه السياسي, وكل ذلك هو نتيجة تمسكه بالمقاومة الشعبيه بكافة اشكالها وارادته السياسية الصلبة والتي فرضت قضيته كطرف أصيل في معادلة صراع الشرق الاوسط وخاصة بعد الاعتراف الاممي من الجمعية العامة للامم المتحدة بدولة فلسطين كعضو مراقب واعتراف العديد من دول العالم بدولة فلسطين , وجعلت أهدافه في الحرية والاستقلال ممكنة التحقيق, لذلك كانت محاولتهم الاخيرة لضرب وتفتيت دول المنطقة من خلال ما سمي الربيع العربي حيث تواجه الشعوب صراعات دامية ليست معزولة عن فلسطين، و عن المؤامرات الخبيثة التي تحاك من أجل تصفيتها بهدف تكريس الكيان الصهيوني على الأرض العربية وعرقلة تقدمها ووحدتها واستقلالها من خلال تفتيت البلدان العربية وتقسيمها عبر سايكس بيكو جديد وتحويله من صراع مع المشروع الصهيوني إلى صراعات مذهبية وطائفية وعرقية ،مما يتطلب من الاحزاب والقوى العربيه استنهاض طاقاتها في مواجهة الخطر الصهيوني ومواجهة المؤامرات الخارجية ومواجهة القوى التكفيرية والظلاميةالتي تستهدف الشعوب العربيه والشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء والشتات . وهذا يتطلب بلورة رؤية لحركة التحرر العربيه والفلسطينية تستخلص دروس وتجارب المرحلة الماضية.
من هنا نرى أننا نتطلع الى تقريب المسافات من خلال الوعي الوطني والمصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني وأهدافه الوطنية والانتماء لقضية هذا الشعب ، هذا كله كفيل أن يغلق الفجوة في المرحلة الراهنة، والتوافق على الحد الأدنى ،وأخذ العبرة والدرس لتجاوز كل تناقضاتنا الداخلية على قاعدة الحد الأدنى من الاتفاق لمجابهة كل المخططات العدوانية الإسرائيلية في هذه اللحظة واللحظات القادمة، وخاصة حول ما يحاك من مشاريع وابرزها ما سمي بالمبادرة الفرنسية التي تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، حتى بحدها الأدنى وهي في بنودها الرئيسية أدنى بكثير من المبادرة الفرنسية السابقة التي تم تقديمها لمجلس الأمن، وفشلت، ،وللاسف هذه المبادرة رحب بها البعض ، دون ان يدرك جيدا ان اي مبادرة تنتقص من حق العودة او القدس ستكون مرفوضه من قبل الشعب الفلسطيني ،وهي بالفعل بعيدة عن قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وتتجاهل الثوابت الوطنية الفلسطينية ، والاخطر انها تتضمن اعتراف فلسطيني بيهودية الكيان، والتعويض للاجئين وليس العودة، واعطاء دولة منزوعة السلاح وبحدود مؤقتة، لهذا نحن بأمس الحاجة الى وحدة وطنيه وانهاء الانقسام وتشكيل حكومة فلسطينية وتكاتف الجميع حول المشروع الوطني الفلسطيني لمواجهة كل المشاريع الفرنسية وغيرها والتي تتم بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية ومع الكيان الصهيوني.
ختاما : لا بد من الخروج من حالة الانقسام بأي ثمن، وتعزيز الوحدة الوطنيه وتشكيل حكومة وحدة وطنيه او وفاق وطني تقوم بالإشراف على كل متطلبات الشعب الفلسطيني في هذه اللحظة، والتحضير للانتخابات، وتكون هي الوعاء الذي يستقبل أي معونات مالية لإعمار غزة أو الضفة، لأن أداء الحكومات السابقة غابت عنها الحيوية، وكان أداء بعض وزرائها متراخي، ، والروتين القاتل، وتغلب عليه الصفة الاستعراضية، والاحتفاء بالقضايا الصغيرة، فهذا ألاداء يعبر عن أصحابه بلا رتوش، لذلك نقول كفى انقسام و تشرذم في ظل الانقسامات في الوضع العربي، لأن بالطبع كل ذلك سيؤدي الى مزيد من العزلة بين الشعب الفلسطيني وقيادته سواء في غزة أو الضفة او القدس ، لهذا نرى اهمية ان تتوقف كل السياسات االانفصاليه حتى نستعيد معا دور منظمة التحرير الفلسطينية الوطني، باعتبارها الكيان الجامع والهوية الوطنية والممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وإلاطار الاساسي الذي يجمع كل القوى الفلسطينة.

بقلم / عباس الجمعه

كاتب سياسي