لقد هز المشهد الدموي الذي نظمه ارهابيو "داعش" العابر للقارات ،وجدان وضمير وقيم كل من هو مؤمن بالإنسانية والحياة،حيث جرى التفجير والإنتحار في ثلاث قارات اوروبا وافريقيا واسيا،والحصيلة في الهجمات الثلاث على منشأة الغاز الفرنسية والفندقين في تونس ومسجد الامام الصادق في الكويت عشرات القتلى وأكثر بذلك بكثير من الجرحى.
ثلاثية الإرهاب الدموي، ضربت أهدافاً متنوّعة، ودولاً متعدّدة، مؤكدة حقيقة واحدة ودامغة هي أنّ الإرهاب خطر داهم على الإنسان والمجتمعات الإنسانية قاطبة،والضربات الثلاث التي حدثت،ليست في الإطار ولا في السياق العفوي،فالإرهاب في فرنسا وتونس يريد ان يسجل نقاطاً،ولكن الأخطر في الكويت يريد ان يرسم استراتيجية،فالتفجير اعلان عن بدء نشاط التنظيم في الكويت في خطة اكبر من حجم الضربة،ف"داعش" تدرك بأن خساراتها المتتالية في العراق وسوريا وخروجها من هذين البلدين،يحتاج ان يكون لها قاعدة ومقر رئيسي تقود من خلاله إرهابها وعملياتها،ورسو الخيار على الكويت ليس اعتباطاً،فالكويت دولة صغيرة وقدرات التنظيم قادرة على السيطرة عليها،وهناك النفط والإطلالة على الخليج العربي والإتصال مع السعودية والعراق وايران،وهذا يجعل الكويت ذو مكانة استراتيجية ل"داعش" من اجل قيادة التطرف المذهبي والفكر القاعدي الوهابي ضد "الشيعة" من جهة،وضد النظام الأميري من جهة اخرى.
لقد عرضت "داعش" آخر مبتكراتها في عمليات القتل والأجرام،والتي لم تضاهيها فيها لا نازية ولا فاشية من حيث ربط ضحايا مجتمعين بالمتفجرات وتفجيرهم مرة واحدة،إو إغراقهم بالمياه وهم في أقفاص،او حرقهم احياء في أقفاص كما حدث مع الطيار الأردني الكساسبة،وسبق ذلك جرائم قتل بشعة في سوريا والعراق وليبيا تراوحت بين جز الرؤوس بالسيوف وقطعها بالسواطير وبقر البطون وسلخ الجلود وشق الصدور واكل الأكباد والأحشاء،وتلك الجرائم والمشاهد الوحشية والمقززة لم تحظ بإستنكار وإدانة حقيقية ومواقف وقرارات حازمة،ضد مرتكبيها ومنفذيها والقائمين عليها من ممولين وداعمين وموفرين له الحضانة والرعاية والبيئة.
امريكا والغرب الإستعماري و"اسرائيل" وتركيا ومشيخات النفط والغاز الخليجية،استثمرت في هذا الإرهاب من اجل تحقيق اهدافها وحماية مصالحها ونفوذها ووجودها في المنطقة،في تزاوج مصالح ،جمع أصحاب مشروع الفوضى الخلاقة والفتن والحروب المذهبية والطائفية،وأصحاب فقة البداوة والبترودولار من اجل حماية عروشهم وكراسيهم،والحالمين بإستعادة امجاد امبراطوريتهم المريضة على حساب الدم والجغرافيا العربية و"اسرائيل" الراغبة في أن تبقى المتسيدة في المنطقة،بعد تدمير الدول والجيوش المركزية العربية الثلاث العراق وسوريا ومصر.
الإستثمار في الإرهاب من قبل هذه الدول وتوظيفه لخدمة مصالحها واهدافها يجعل من الصعب القضاء عليه والتخلص منه.
ولكن في ظل ما يحدث ويجري وانتقال نشاط تلك الجماعات الارهابية وتنفيذها عملياتها في قلب العواصم الغربية،وحتى في عقر دار من استولدوها واحتضنوها من مشيخات النفط والكاز،فإن هؤلاء الداعمين والمستخدمين لهذه الجماعات من القتلة والمتطرفين من "قاعدة" ومتفرعاتها من "داعش" و"نصرة" و"جند الشام " و"السلفية الجهادية" وغيرها،لم يعودوا قادرين على تبرير جرائم تلك الجماعات امام شعوبهم،بأن ما يجري هو حراك سلمي مسلح بشعارات الحرية والديمقراطية وقيم العدالة والتعددية والإنسانية وغيرها.
نحن ندرك تماماً رغم الثلاثية الدموية،ومع عودة الكثير من الارهابين الذين زج بهم في القتال في الشام والعراق وليبيا واليمن إلى دولهم،فإن خطر هؤلاء سيكون كبيراً على الدول التي جاؤوا منها،ولكن في هذه المرحلة وفي الأفق القريب لا نرى فكاكاً وتخلياً عن هذه الجماعات الإرهابية من قبل امريكا والغرب الإستعماري ومشغليها من مشيخات النفط والكاز وجماعة التتريك،فهم يدركون بأن التخلي في هذه المرحلة بالذات،والتي يقترب فيها التوقيع مع طهران حول ملفها النووي،وما يحدث في سوريا والعراق واليمن من هزيمة للمشروع المعادي،فإن هذا التخلي،يعني السماح لحلف طهران- دمشق الضاحية الجنوبية وصنعاء برسم معادلات وتحالفات المنطقة بالتعاون مع روسيا والصين،وهذا لا يمكن لأمريكا وحلفائها التسليم به حالياً.
لكن الأكيد أنّه بعد ثلاثية الإرهاب الدموي فإن خطر الإرهاب يدقّ أبواب العواصم كلها من دون استثناء،بما فيها أبواب واشنطن، ولذلك تبدو مواجهة الإرهاب والتطرف أولوية على أجندة جميع الدول،بما فيها الولايات المتحدة،وجماعة التتريك ومشيخات النفط والكاز لن تنجو من هذا الخطر الذي إحتضنته ومولته وامدته بكل المقومات للبقاء والتمدد من مال وسلاح ورجال. فالهجمات الإرهابية الثلاث التي حصلت في الكويت وتونس وفرنسا، مثيرة للقلق والخوف وهي سترغم دولاً عدة على اتخاذ خطوات جادّة وفاعلة لحماية أمنها واستقرارها، ومع هذه الخطوات ربما يبدأ العدّ العكسي، لمرحلة التماهي والدعم والاحتضان الغربي والإقليمي والعربي للمجموعات الإرهابية، عدّ عكسي تبدأ معه مرحلة وقف الاستثمار في الإرهاب.
وحتى يتبلور موقف دولي واضح بوقف الاستثمار في الإرهاب وضرورة محاربته، المطلوب رفع الصوت عالياً بإدانة الإرهاب والدعوة إلى قتاله واجتثاثه، وقد بدأت ترتفع وتيرة المواقف الدولية المندّدة بالإرهاب الدموي الذي ضرب امس الجمعة،وعلى الحكومات العربية المتورطة والداعمة لتلك الجماعات الإرهابية التوقف عن دعمها،وعليها أن تعي بان حروب التدمير الذاتي وتفكيك المشروع القومي العربي،والتفتيت والتذرير للجغرافيا العربية وإعادة تركيبها من جديد ضمن تخوم خطوط التقسيم المذهبي والطائفي،لن يجعل بلدانها بمنأى أو محصنة من هذا الخطر.
خطر جدي وداهم علينا كعرب ومسلمين مواجهته من خلال العمل على إغلاق كل قنوات ووسائل اعلام الفتنة المذهبية والتي تدعو الى الفرقة والخلاف،وكذلك المؤسسات الدينية،بما فيها الجوامع والمساجد المجندة والمسخرة للتحريض المذهبي،فنحن امام خطر جدي وحقيقي،يتهدد ليس جغرافية وهوية وثقافة شبابنا،بل الأخطر إحتلال عقولهم،وتحويلهم الى جماعات من القتلة،تمارس القتل من أجل القتل،،ولا تعترف بأي ثقافة أو حضارة أو ديانة أخرى،فالبشر عندما يحجر على عقولهم وفكرهم،يصبح سلوكهم وفعلهم خارج سياق البشرية العاقلة،ويتحولون الى مجرد وحوش بشرية.
راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلطين
28/6/2015
0524533879
[email protected]