من المعلوم أن اتساع نفوذ البلدية في شوارع المخيم هو انحسار لوجود الاونروا، وبداية لطمس معالم قضية اللاجئين السياسية، تلك الحقيقة كانت وراء تحرك الحاكم العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة لتنفيذ خطوتين على طريق تصفية المخيمات، تمثلت الخطوة الأولى في إضافة عدد من شخصيات المخيم إلى المجالس البلدية لبعض المدن سنة 1973، وتمثلت الخطوة الثانية في إقامة مشاريع إسكانية فوق الأراضي الحكومية، وعلى نفقة الحكم العسكري، لتكون تلك المشاريع التي ستستوعب اللاجئين جزءاً من نظام البلدية، وبعيدة عن الأونروا، التي أوقفت خدمة النظافة والمياه عن سكان تلك المشاريع، لتحل محلها البلديات، التي ألزمت اللاجئين بدفع ثمن المياه والنظافة لأول مرة منذ نكبة 1948.
لقد ظل الأمر على حاله مع قدوم السلطة الفلسطينية سنة 1994، ولم يطرأ أي تغيير إلا في اتساع نفوذ البلدية، التي راحت تزود المخيمات بالمياه، لتوفر فرصة ذهبية للأونروا كي تغلق الآبار التي كانت تتزود منها المخيمات بالمياه مجاناً، وتستعيض الأونروا عن ذلك بتوريد كمية من الوقود إلى البلديات مقابل تزويد البلدية لمقرات الأونروا بحاجتها إلى الماء.
لقد ازداد تدخل البلدية في حياة اللاجئين حين ضمت البلديات الى نفوذها المشاريع الإسكانية الجديدة؛ التي تم تنفيذها بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع عام 2005، وكان الأجدر أن تلحق تلك المشاريع الإسكانية بالأونروا، لتصير جزءاً ممتداً للمخيم، وتتلقى الخدمات ذاتها التي يتلقاها المخيم، ولكن الأونروا تخلصت من واجباتها مقابل بعض المعدات والآليات التي قدمتها للبلديات، التي فرحت لذلك، وفرحت لجباية بعض الأموال من اللاجئين.
لقد تمادت الأونروا في نفض يدها من المخيم حين مولت حفر عدد من آبار المياه القريبة من تلك المشاريع الإسكانية، وبدل أن تقوم الأونروا بتشغيلها على نفقتها الخاصة، لتزود المياه للاجئين مجاناً، كما جرت العادة منذ النكبة، قامت بتسليمها إلى البلديات، التي فرحت بمهمتها الجديدة التي ستمكنها من جباية ثمن المياه والصرف الصحي من اللاجئين.
لقد واصلت البلديات تمددها في المخيم على حساب الأونروا حين وافقت على تسلم مشروع الصرف الصحي الذي نفذته الأونروا في المخيم، ومن المعلوم أن الصحة العامة في مخيمات اللاجئين تقع على عاتق الأونروا، لذلك عملت الأونروا على توفير الدعم المالي اللازم للمشروع، وتعمدت ألا تقوم بتشغيله، كي لا توفر خدمة الصرف الصحي للاجئين مجاناً، لقد تسلمت البلدية المشروع، وفرضت مصاريف رسوم صرف صحي على بيوت المخيم.
كل ما سبق مهد لما تقوم فيه بلدية خان يونس من تدخل في شئون مخيم اللاجئين، ففي الوقت الذي كان يجدر بالأونروا أن تقوم هي بشق شوارع داخل المخيم، وأن تقوم هي بتسليم البيوت للمتضررين، وأن تواصل هي رعايتهم في أماكن سكنهم الجديدة في المشروع الإماراتي، الذي أشرفت على إنشائه، تنازلت الأونروا عن دورها، لتعطي كل ما سبق للبلدية، التي فرحت بهذا الدور، فراحت تمد يدها ثانية إلى داخل المخيم، وراحت تمد نفوذها إلى المشروع الإماراتي، الذي كان يجب أن يكون امتدادا طبيعياً للمخيم، بل اتسع نفوذ البلدية داخل المخيمات المقامة منذ سنة 1954، فراحت تبسط نفوذها على المساحات التي تم تفريغها داخل المخيم، والأصل ألا تقترب يد البلدية من هذه الأماكن، وأن تظل الأونروا صاحبة الولاية والسيادة.
قضية مخيمات اللاجئين ليست قضية إنسانية فقط، المخيم قضية سياسية، وتقليص خدمات الأونروا في المخيم سياسة هادفة إلى تصفية المخيمات، والذي يتساوق معها يدفع باتجاه التوطين حيث يقيم اللاجئون، شئنا ذلك أم أبينا، لذلك فإن المطلوب من لجنة اللاجئين في المجلس التشريعي أن تدعو إلى اجتماع عاجل لكل الجهات المعنية بالأمر، وأن تتخذ موقفاً سياسياً مسئولاً من قضية تدخل البلديات في حياة سكان المخيمات، وألا تترك اللاجئين حائرين بين مصالح أنية تقدم لهم، وبين مستقبل قضيتهم.
د. فايز أبو شمالة