إن آخر من يحق له الكلام وتوجيه الاتهامات للأمم المتحدة، هي إسرائيل، لعدم تطبيقها ولا حتى لقرار واحد صادر عن الشرعية الدولية، فـ "نتنياهو" الغاضب، أو الذي يصطنع الغضب على الأمين العام للأمم المتحدة، لنشره التقرير حول قتل إسرائيل لأطفال غزة، والذي يعتبره نفاقاً ويوم أسود للأمم المتحدة، فإسرائيل تواجه حالياً ثلاث ضربات، الأولى: المبادرة الفرنسية للسلام ولإقامة الدولة الفلسطينية، الثانية: تقرير الأمم المتحدة المتعلق بارتكاب إسرائيل جرائم حرب، وفي حربها الأخيرة على غزة، أما الثالث: تسليم الفلسطينيين وثائق الجرائم الإسرائيلية، للجنائية الدولية ضد إسرائيل والتي تتضمن ثلاثة ملفات: 1-العدوان الإسرائيلي على غزة، 2-الاستيطان غير القانوني وغير الشرعي، 3-قضية الأسرى الأمنيين.
الجنون الإسرائيلي يتصاعد، والأبواق الإسرائيلية تحاول الاستخفاف بهذه الاتهامات، إلا أنهم في حقيقة الأمر يخشونها، وخلال زيارة وزير الخارجية الفرنسية "يوران فابيوس" لإسرائيل والسلطة الفلسطينية مؤخراً، وقبل اجتماعه بـ "نتنياهو" وإطلاعه على المشروع الفرنسي للسلام استبقه، "نتنياهو" بإعلان معارضة إسرائيل لأية جهود لفرض تسوية للقضية الفلسطينية عليها، مؤكداً أن فرضها على إسرائيل، سيكون جائزة للفلسطينيين، على "رفضهم" للسلام، فـ"نتنياهو" الرافض للسلام، يسير على خطى أسلافه، وهمه الضم والاستيطان والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، ويواصل سلسلة الكذب والخداع لشراء الوقت، وهو يبرر رفضه للمبادرة الفرنسية بأنه يعتبرها إملاء سيضر بإسرائيل، والوزير الفرنسي قال حسب "هآرتس 22-6-2015"، بأن الولايات المتحدة، على استعداد لطرح المبادرة في الأمم المتحدة، وحسب الوزير الفرنسي، فإن الولايات المتحدة، لن تلجأ إلى استخدام "الفيتو" ضدها، لكن "نتنياهو" وقبل اجتماعه مع الوزير الفرنسي بساعات قليلة، وقبل إطلاعه على المبادرة الفرنسية، أعلن رفضه لها، وأنه لن يقبل بإملاءات على إسرائيل.
إن موقف "نتنياهو"، وما قاله للوزير الفرنسي، أن السلام لن ينجز إلا عبر المفاوضات المباشرة بين الطرفين، وليس عبر الإملاءات وقرارات الأمم المتحدة، وحسب إستراتيجية "نتنياهو"، فإن هذه المفاوضات لا نهاية لها، وأن إسرائيل ستعارض أية محاولة لفرض السلام عليها، متهماً الفلسطينيين الراغبين لتحقيق السلام، بالهروب من المفاوضات المرة تلو الأخرى، فالمبادرة الفرنسية التي ستقدم لمجلس الأمن الدولي، تتضمن إجراء مفاوضات بين الجانبين، محددة بمدة سنة ونصف، يتم الإعلان في نهايتها عن إقامة دولة فلسطينية، وهذا ما لا يريده "نتنياهو" وحكومته اليمينية، فالمبادرة الفرنسية تقوم على ثلاث نقاط: 1-إعادة الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني إلى طاولة المفاوضات المباشرة، 2-تشكل لجنة دولية من الدول الأعضاء الخمس في مجلس الأمن، وربما أيضاً دول أوروبية وعربية لمتابعة المفاوضات، 3-أن تدفع المفاوضات لاتخاذ قرار في مجلس الأمن يحدد جدولاً زمنياً للتوصل لاتفاق دائم، وهذا أكثر ما يعارضه "نتنياهو".
في جلسة مجلس الوزراء الإسرائيلي "21-6-2015"، هاجم "نتنياهو" المبادرة الفرنسية، لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، مدعياً بفرض المبادرة الفرنسية على إسرائيل، فهي لا تتطرق إلى الاحتياجات الأمنية لإسرائيل، وإلى مصالحها الوطنية الأخرى، "أي التوسع والاستيطان"، وأنها ستدفع إسرائيل إلى حدود غير قابلة للدفاع عنها، وأن إسرائيل سترفض أية محاولات للتسوية والإملاءات الدولية، عليها، فالعالم أصبح يعي بطلان الذرائع الإسرائيلية هذه، و"نتنياهو" يتجاهل أن إسرائيل أقيمت بقرار من الأمم المتحدة، الذي يدير ظهره حالياً له، ويرفض الإصغاء إلى قراراتها.
إن السياسة الإسرائيلية الرافضة لجميع مبادرات السلام، وإلى قرارات الشرعية الدولية، لا تريد التوصل لحل للقضية الفلسطينية، ولا تريد دولة فلسطينية إلى جانبها، بل أنها تريد كل الأراضي الفلسطينية من البحر إلى النهر، فالرفض الإسرائيلي الأحمق متواصل و"نتنياهو" يحرك عش الدبابير من بين وزرائه، وقادة إسرائيل، ومعظم وسائل إعلامها، ومن اللوبي الصهيوني الأميركي، متمسكاً بأيديولوجية اليمين المتطرف، ممزوجة بالعجرفة الصهيونية، ويضع العقبات والذرائع حتى الآتية من قبل المجموعة الأوروبية كفرنسا، فتقرير مجلس حقوق الإنسان للعدوان الإسرائيلي على غزة، اعتبر أن الجيش الإسرائيلي، استخدم القوة المفرطة، وارتكب جرائم حرب، ورئيس لجنة التحقيق القاضية ماري ديفيس تؤيد إحالة التقرير للمحكمة الجنائية الدولية، وكانت ردود الفعل الإسرائيلية غاضبة على التقرير، و"نتنياهو" يزعم بأن التقرير متحيز، وأن لجنة التحقيق تفعل كل شيء سوى حقوق الإنسان، حسب "نتنياهو"، الذي يتذرع بأن إسرائيل لا ترتكب جرائم حرب، واصفاً التقرير بالنفاق، والمتساهل مع الفلسطينيين.
المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس عاموس هرئيل 23-6-2015"، انتقد أقوال "نتنياهو"، بأن التقرير متحيز، وبأن إسرائيل ستجد نفسها أسرع مما تتوقع، في قفص الاتهام في المحكمة الجنائية الدولية، والكاتب الصحفي "بن كسبيت" "معاريف 23-6-2015"، قال أنه للمرة الأولى، يصدر تقرير متوازن عن الأمم المتحدة، وأن الهجوم على التقرير قبل نشره، مغالطة وتنكر للتقرير مسبقاً، أما وزير الجيش "موشيه يعالون"، فإنه يتهم مجلس حقوق الإنسان بأنه جسم منافق، وأن التقرير غير أخلاقي، فإسرائيل التي قتلت (1462) مواطناً في غزة، وأصابت بجروح مختلفة أكثر من (10) آلاف مواطن، وأن (142) عائلة على الأقل فقدت ثلاثة أفراد أو أكثر في الهجوم على المباني السكنية، وأن ثلث القتلى من الأطفال، وهناك الآلاف من فاقدي المأوى، والدمار الممنهج للبنى التحتية، ويصور الدمار، وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية، ليأتي "نتنياهو" ويتبجح بأن إسرائيل لا تنفذ جرائم حرب، رافضاً الاتهامات الواردة في تقرير اللجنة، فلماذا رفضت إسرائيل التعاون مع لجنة التحقيق الأممية، إذا كانت لم تنفذ جرائم حرب؟
في تصريح مكتوب لـ "نتنياهو""23-6-2015"، اتهم رئيس لجنة التحقيق البروفيسور الكندي "وليام شابس"، الذي استقال من رئاسة اللجنة بأنه منحاز وتلقى الأموال من الفلسطينيين، فهذا البروفيسور الذي تسلم مناصب قضائية دولية عديدة، ينتمي لعائلة يهودية، ودعا لتقديم "نتنياهو" إلى محكمة لاهاي الجنائية، استقال من منصبه كرئيس للجنة في شباط 2015، بعد حملة التحريض عليه واتهم أنه عمل مستشاراً لدى منظمة التحرير مقابل أجر، فكانت استقالته حرصاً منه على سير التحقيق حول العدوان الإسرائيلي على غزة.
التقرير الذي جاء في (183) صفحة، انتقدت فيه رئيسة اللجنة القاضية ماري ديفيس استخدام القوة التي تنتهجها إسرائيل، قائلة لا يمكن استخدام قنابل زنتها طناً في مناطق سكنية مكتظة بالسكان، فحملة إسرائيل لمنع تبني مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة،وحتى الدول الأوروبية للتصويت ضد التقرير غير مجدية، فقد صدرت التعليمات لسفارات إسرائيل في أوروبا، لبذل كل الجهود، والاتصال بأعلى المستويات، وصانعي القرار، من أجل إقناعهم بالامتناع عن تأييد التقرير الذي وصفوه بالمشوه، مع أن الدوائر السياسية الإسرائيلية، على قناعة من إقرار التقرير.
وخلاصة القول، فإن وثائق الحرب الإسرائيلية على غزة، بملفاتها الثلاثة قدمت بتاريخ "25-6-2015" لمحكمة جرائم الحرب من قبل الفلسطينيين، وحسب وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة "تسيفي ليفني"، فإن وضع إسرائيل في العالم سيئ جداً، بسبب السياسات التي تنتهجها، حتى أن مجموعة من يهود أوروبا المؤيدين لإسرائيل، وجهوا انتقادات شديدة تجاه السياسة الإسرائيلية، لكن وللأسف، فإن الموقف الأميركي المنحاز لإسرائيل، لم يتغير فهم ما زالوا يعارضون توجه الفلسطينيين لمحكمة جرائم الحرب الدولية، ويقولون بأن النتائج ستكون عكسية على الفلسطينيين، ونحن نسأل: ما هي الطريق التي على الفلسطينيين انتهاجها، بعد فشل المفاوضات مع إسرائيل، وأن جميع الوساطات والوسطاء الأميركيين، والذي كان آخرها "جون كيري"، فشلت في تحقيق اختراق لإنهاء الاحتلال، حتى أن الولايات المتحدة، فشلت بوقف البناء الاستيطاني، الذي تعتبره غير شرعي وغير قانوني، الأمر الذي لم يبق أمام الفلسطينيين، سوى التوجه لمحكمة جرائم الحرب، و"نتنياهو" يتهم النواب العرب في الكنيست بالنفاق، لاتهامهم الجنود الإسرائيليين بجرائم حرب، وهذا استمرار للتحريض على عرب الداخل، ومع أن إسرائيل تعتبر التقرير، سابقة خطيرة، فإن "نتنياهو" الذي قاطع التعاون مع لجنة التحقيق، قال أن مجرد قراءته للتقرير هو إضاعة وقت، وأنه أصدر قراره ضد التقرير، قبل نشره، كما عارض المبادرة الفرنسية للسلام، قبل أن يستمع إلى وزير الخارجية الفرنسي، وأدان الأمم المتحدة، واتهم موظفيها بأنهم كارهون لإسرائيل، وخطيئة الأمم المتحدة، أنها تندد بإسرائيل، وأنه يعتبر التقرير مثل تقارير كثيرة سابقة أدانتها إسرائيل ورفضتها، فإسرائيل مصابة بجنون العظمة والقوة وهناك كراهية من العالم ضدها، وعلى هذا الأساس، المطلوب من العرب والعالم والمجتمع الدولي، للتعامل معها، وفقاً لعقليتها المتحجرة المتطرفة، وإذا كان هناك حقاً كراهية من قبل العالم لإسرائيل، فإن ذلك يعود لسياستها وغطرستها، ورفضها لجميع مبادرات السلام الدولية.
بقلم: غازي السعدي
التاريخ : 30/06/2015
مقال تحليلي