لم يشأ المتطرفون أن تمر أعظم ذكرى في تاريخ مصر الحديث، بعد ذكرى ثورتي 23 يوليو و25 يناير دون أن يوجهوا طعنة غادرة لمصر وشعبها وجيشها الباسل، ولم يراعوا في ذلك حرمة الشهر الفضيل، الذي كان واحدا من الأشهر الحرم، التي يمتنع فيها الجاهليون من العرب قبل الإسلام عن الاقتتال والغزو، فقاموا بجملة تفجيرات، من الواضح أنه كان مخططا لها جيدا، كما أن حجمها وتنوعها واستهدافاتها، كلها تدل على أن جهات، قد تكون دولا، تساند هؤلاء القتلة، كذلك بأن يد الإرهاب في سيناء تحديدا وفي مصر عموما، لا يبدو أنها تقتصر على جماعات أو مجموعات مسلحة، أيا تكن أسماؤها، بل إن لم تكن هناك أحزاب وقوى من وزن الإخوان أنفسهم منخرطة ضمن هذه الجماعات وداعمة ومخططة لها، فإن عناصر ومجموعات إخوانية وربما غير إخوانية، يبدو أنها تحالفت أو أنها قد شكلت معها، جبهة موحدة للقتال ضد الدولة المصرية.
ولم تكد تمر ثمانٍ وأربعون ساعة على اغتيال النائب المصري العام في القاهرة، حتى كانت جماعات الإرهاب تنصب عدة كمائن للجنود المصريين في الشيخ زويد والطريق الدولي العام بين رفح والعريش، ومن ثم تقوم بسلسلة من العمليات المتزامنة، وتدفع بمعظم عناصرها المتواجدة في شبه الجزيرة المصرية، في مواجهة يبدو أنها اقرب إلى الحرب، منها إلى العملية العسكرية، وهذا يعني شيئا واحدا، وهو محاولة تحقيق هدف سياسي مباشر، غير رفع المعنويات التي أظهر المؤشر العام ترديها وانحدارها، بعد أن تم تحقيق مكاسب مختلفة ضد التطرف والإرهاب في أكثر من مكان، خاصة على الجبهتين اللتين تخوضهما أهم وأقوى دولتين عربيتين سنيتين - الآن - وهما السعودية ضد الحوثيين وفلول علي عبد الله صالح في اليمن، ومصر في سيناء وأحيانا في القاهرة وبعض المدن المصرية.
إن طبيعة الأسلحة المستخدمة والتي أشار إليها اللواء سمير فرج، تشير إلى أن الجماعات التي تخوض الحرب ضد الدولة المصرية في سيناء، ورغم أنها تعلن ولاءها لداعش، إلا أن ذلك قد يكون للتمويه، بل وحتى لا يمكن لأحد أن يقطع بأن الولايات المتحدة وإسرائيل بالتحديد، تحارب ضد هذه الجماعات، وحتى ضد داعش، فضلا عن الحوثيين والعديد من الجماعات، أليس من الغريب أن يقود حلف الناتو حربا عسكرية مباشرة ضد معمر القذافي، ولا يفعل شيئا الآن ضد جماعات التطرف والإرهاب التي قسمت ليبيا وعاثت فيها فسادا وتخريبا وقتلا، على الأقل من باب الشعور بالمسؤولية الأخلاقية لأنه هو - نقصد حلف الناتو - هو من تسبب في إسقاط النظام السابق بحجة دعم ثورة الشعب الليبي وحمايته، إلا إذا كان يعتبر الجماعات المسلحة التي تسيطر على ليبيا الآن هي الثورة وهي الشعب الليبي ؟!
ثم أليس غريبا أن لا تحرك واشنطن ساكنا في عراق يشهد انتشار جماعات التطرف والإرهاب السني والشيعي، العربي والكردي، ولا تهتم وهي التي شنت حربين على العراق وقادت حصارا دوليا عليه استمر 13 سنة، وأسقطت نظام صدام ثم قتلته شخصيا بحجة محاربة الإرهاب ؟ ! أليس واضحا أن واشنطن تقوم فقط بإدارة النار على قرصها في شمال سورية والعراق، بحيث تسمح لداعش بأن ترسم حدود التقسيم الطائفي في العراق وسورية، وهي فقط تشن على قواتها الغارات الجوية حين تقترب من مناطق دولة الأكراد، أو من حقول النفط فيها فقط !
ثم ألا يوجد الجنود الإسرائيليون على مرمى البصر من جماعات بيت المقدس أو ولاية سيناء الداعشية، ولا تصوب نحوهم رصاصة واحدة ، ثم لماذا بالتحديد شمال شرقي سيناء، وليس غربها أو جنوبها السياحي مثلا، ولماذا حملت هذه العناصر اسم أنصار بيت المقدس، وهي يفترض بها أنها جماعة مصرية، أي ليست فلسطينية ؟!
هذه المرة أعلن المراقبون العسكريون المصريون أن جماعات الإرهاب سعت لتحقيق هدف سياسي واضح، وهو الاستيلاء على الشيخ زويد وعزل رفح عن العريش، بما يؤكد المخاوف من أن الهدف السياسي البعيد لحرب هذه الجماعات والذي ينحصر في شمال شرقي سيناء، من رفح إلى العريش هو محاولة لفصل شمال شرقي سيناء من رفح حتى العريش مرورا بالشيخ زويد عن سيناء نفسها وعن مصر، وتحقيق مخطط إسرائيلي بتوسيع غزة لتشمل تلك المنطقة بالتحديد، وبالتالي إقامة الدولة الفلسطينية عليها، وتحقيق مخطط توطين الفلسطينيين في سيناء، المعلن عنه منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي.
لذا من الطبيعي أن تشعر إسرائيل بالغبطة السياسية مع الحذر الأمني، تماما كما تفعل تجاه غزة، كذلك يمكن أن تجد حماس والإخوان المصريون عموما في هذا المخطط ما يحقق أحلامهم، بإقامة تلك الدولة المقبولة على إسرائيل، وما دامت محاولات السيطرة على كل سيناء غير ممكنة، فعلى الأقل يمكن السعي للسيطرة على أجزاء منها، تمتد نحو خمسين كيلومترا طوليا، من رفح حتى العريش !
ليس غريبا بالطبع أن تحدث هذه العمليات بعد فتح معبر رفح بأيام، والمهم انه لم يعد مقبولا على احد أن يستخف بهذه الحرب المعلنة على العرب / المسلمين / السنة جميعا، حيث لا بد من توحد كل الدول العربية مع كل القطاعات الشعبية الواسعة، وفتح كل جبهات المواجهة، حتى لا تقتصر على الجانب العسكري أو الأمني فقط، وحيث يمكن للدولة المصرية أن تستعين بالقبائل والعشائر في سيناء، كذلك بالمواطنين الفلسطينيين في غزة، لمحاربة هذه الجماعات أينما وجدت، فعلا وفكرا وتنظيما، وليس انتظارها حتى تقوم بجرائمها فقط !
رجب أبو سرية
03 تموز 2015