الاسبوع الماضي في اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية اتخذ رئيس المنظمة قرارا هاما بتنحية امين سر اللجنة التنفيذية عن منصبة وترك اللجنة اسبوعا لتفكر في البديل , بالطبع امين سر اللجنة التنفيذية المنتهية صلاحياته لم يعجبه ولم يتقبل القرار برضا حقيقي , وهذا الاسبوع اصدر قرارا بتكليف الدكتور صائب عريقات الاكثر حنكة سياسية وخاصة في ملف المفاوضات مع اسرائيل وهو بالعفل سياسي مخضرم يستطيع اصلاح اللجنة التنفيذية من خلال توليه امانة سر اللجنة التنفيذية للمنظمة واعتقد ان الرئيس ابو مازن اليوم بدا يرتب اوراق المؤسسة التي تمثل الكل الفلسطيني وهي الممثل الشرعي والوحيد استعدادا لمرحلة مستقبلية , والكل يتوقع اليوم ان تكون هناك مرحلة مفاوضات قادمة لكن ليس المقصود ان يقوي المفاوض الفلسطيني فحسب بل المقصود تقويه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ودفعها لتحديد وتنفيذ برامج رعاية شؤون الشعب الفلسطيني السياسية واتخاذ القرار السياسي فيها بالإجماع وعن وعي سياسي حقيقي لا مواربة لهذا و ذاك .
ترتيب اوراق اللجنة التنفيذية جزء من المهمة التي بدا ينفذها الرئيس ابو مازن استعداد للمرحلة القادمة واعتقد ان الرئيس قد اكتشف مؤخرا مخططات مخيفة داخل اللجنة التنفيذية مما دفعه لان يفكر في خليفته ويجهز كافة المسوغات لذلك , واعتقد ان تكليف الدكتور صائب عريقات بتولي امانة سر اللجنة التنفيذية تهيئة لرئاسة اللجنة التنفيذية وهو اعلى منصب تنظيمي فلسطيني سياسي في منظمة التحرير الفلسطينية والذي يؤهله بالفعل لرئاسة السلطة الفلسطينية , ولم يكلف السيد عريقات لملء مكانة خالية او اشغال وظيفة سياسية ما بل كان له ما يبرره وهي استراتيجية مناسبة وموفقة من الرئيس ابو مازن , فالرجل له تقديره واحترامه في الوسط السياسي الفلسطيني والدولي هذا بالإضافة الى انه يعتبر الخبير الفلسطيني الوحيد في دهاليز التفاوض مع اسرائيل. ولعل المهمة التي يتولاها اليوم السيد صائب هي ترتيب وضع اللجنة التنفيذية وتفعيلها بعد فترة استرخاء طويلة بسبب حالة البرود التي كانت تمر فيها تجاه كافة القضايا السياسية الفلسطينية بدأَ من الوضع الداخلي الفلسطيني واسناد الحكومة الفلسطينية ومروراً بإصلاح كافة مؤسسات المنظمة واطرها السياسية والاعلامية والثقافية وانتهاءً باعتماد استراتيجية العمل السياسي المستقبلي للمنظمة في ظل استحداثات المواجهة مع اسرائيل , وهذا سيحدد لنا ما اذا كان عريقات هو بالفعل خليفة الرئيس ابو مازن و قد تصدر في الايام القادمة توصية من اللجنة التنفيذية للمجلس المركزي بتعيين الدكتور عريقات نائبا للرئيس .
نعم قد يكون للرجل خصوم داخل اللجنة التنفيذية لكن اعتقد ان طبيعة عمل الرجل هي التي ستقنع خصومه بالعدول عن اساليبهم لان ما يسعي اليه سيكشفهم , وخاصة اذا ما عمل الرجل على اعتماد استراتيجية فلسطينية موحدة ذات ثلاث مسارات للتعامل مع القضايا الدولية والداخلية وقضايا الصراع مع اسرائيل , على ان تكون استراتيجية متكاملة ترسم الطريق الواضح امام الكل الفلسطيني في المسارات الثلاثة حتى لا يأتي او يخرج علينا احد بنوع من المبادرات الغير مقبولة او المبادرات السرية او حتى السعي لإبرام اتفاقات منفردة , ولعل مثل هذه الاستراتيجية من شانها ان تجمع الكل الفلسطيني وتقنع المجتمع الدولي ان القرار الفلسطيني مستقيل ومبني على اسس استراتيجية واجماع وطني لا يمكن الخروج عنها , وبناء استراتيجية يجب ان تكون الخطوة الاولى للتنفيذية في اجتماعها الاول على ان تستعين هذه اللجنة بالخبراء في المسارات المختلفة وخاصة في العلاقات الدولية وادارة المعركة الدبلوماسية التي سيحقق فيها الفلسطينيين ما لا يمكن ان يحققوه باي استراتيجيات اخري, بالإضافة على الابقاء على مبدأ اشراك الاخوة العرب وجامعة الدول العربية في ذلك , كما وان التنفيذية يمكنها اعتماد مرجعية عربية قانونية ذات ابعاد سياسية في اي عملية تفاوض قادمة لتقدم النصح والمشورة المطلوبة خلال مراحل العمليات التفاوضية وصولا للاتفاق التاريخي واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
لعل العلاقة مع إسرائيل من الاهمية التي على اساسها تم اختيار الرجل لقيادة اللجنة التنفيذية للإبقاء على الشروط الفلسطينية للتفاوض مع اسرائيل والثبات على الشروط التي حددتها القيادة الفلسطينية وعدم العمل خارجها باي شكل كان ولا تحت اي ظرف من الظروف فلابد وان يقتنع الجميع بانه لا مفاوضات مع اسرائيل دون وقف الاستيطان ,ولا مفاوضات مع اسرائيل دون الاقرار بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي عبر جدول زمنى , ولا مفاوضات مع الاحتلال الا بإقرار الاحتلال بقبول بقرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة وقبوله بإقامة الدولة الفلسطينية و عاصمتها القدس وبالتالي من شان اي قرارات دولية تحققها القيادة الفلسطينية في هذا الاطار ان تكون قرارات نافذة ومبنية على اساس تنفيذي بمساهمات دولية ,وهذا المسار الثاني الذي يحتم على اللجنة التنفيذية وضع الخطوط العريضة للتحرك فيه وانتزاع هذا القرار الدولي بدعم عربي ودولي لإنهاء الاحتلال القذر ومنح الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير ,ولا بد وان تعمل اللجنة التنفيذية على المسار الثالث وهو المصالحة الوطنية الفلسطينية واستعادة الوحدة التي صادرها الانقسام منذ 9 سنوات وبالتالي جلب المنظمات الفلسطينية التي لازالت خارج المنظمة الى البيت الفلسطيني الكبير وهو منظمة التحرير والالتزام باستراتيجية النضال الموحد ذات المسارات الثلاثة.
بقلم/ د. هاني العقاد