واقع مأساوي بحاجة الى علاج

بقلم: عباس الجمعة

ربما هذا العام هو الأسوأ على الشعب الفلسطيني، حيث الإنقسام والحصار ، واوضاع الناس تزداد سوءاً ،وحال شعبنا وأهلنا في المخيمات الفلسطينية في لبنان تعيش اوضاع غير مستقرة من الصراعات والخلافات الفردية في بعض الاحيان ، شعبنا في أغلب الحالات الضحية ويدفع الثمن، طرد وتهجير ولجوء جديد،ومطاردة في الحقوق والوجود المؤقت ولقمة العيش، وكأن كل ما يجري هدفه الوصول لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين ، حيث ان الأمم المتحدة تقف عاجزة امام تنفيذ قراراتها وفي مقدمة هذه القرارات القرار الاممي 194.

ان ما يحاك اليوم من مؤامرات ضد المنطقة هدفها الرئيسي تصفية الحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني وفي المقدمة منها حق العودة ، وخاصة ان بعض الدول تسعى إلى تمرير مشاريع التوطين من خلال اطالة امد قضية اللاجئين الفلسطينيين في ظل عجز المجتمع الدولي من تطبيق قراراته ، ولكن هذه الدول تعيش بحالة من الوهم فاللاجئ الفلسطيني لم ولن يتخلى عن حقه العادل في العودة إلى دياره التي هجر منها عام 48 ، ولن يقبل بالتوطين مهما طال امد قضيته واستمرت مأساته ، وما سياسة الانروا الاخيرة من عدم تحملها المسؤولية عن اغاثة الشعب الفلسطيني من خلال تقليص خدماتها ووقف بعض برامجها الطارئة مما يزيد من صعوبة الأوضاع المعيشية التي يعشيها اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات الفلسطينية والانعكاسات السلبية لقراراتها على اللاجئين في سوريا ، وهذا يؤكد بأن الأمم المتحدة برهنت خلال تماهيها مع سياسة الاحتلال من خلال محاولات بعض الاطراف إلى تعريبها أو انهاء دورها باعتبارها الشاهد الحي على استمرار مأساة اللاجئين الفلسطينيين وعلى حجم الجريمة التي ارتكبت بحقهم في العام 48 .

امام هذا الواقع علينا أن نعترف بأن الاداء الوطني لبعض قياداتنا ،ليس بحجم تضحيات شعبنا،بل نرى انها احيانا في واد والجماهير الشعبية في واد آخر،وحتى داخل الفصيل الواحد تجد تعارض وليس تعدد إجتهاد وحرية رأي وتعبير،فهي أبعد عن ذلك في التصريحات والمواقف والنهج،وفي قضايا مفصلية وجوهرية،وجدنا بأن الجماهير الشعبية متقدمة على قيادات في الموقف والفعل،وهذا ما نلمسه حيث غابت الإرادة السياسية في لبنان بعد مغادرة الاخ المناضل اللواء سلطان ابو العينين عضو اللجنة المركزية لحركة فتح للساحة اللبنانية حيث كان صاحب قرار يعمل على صيانة امن المخيمات ويمنع كافة المشاكل التي تحصل ، وغابت القوى والفصائل عن الفعل والتنظيم والقيادة،وكذلك غاب الهدف والمشاركة الجماهيرية الواسعة،ولذلك نرى انه ما يجري من محاولات لوقف اي خلاف يأتي في سياق العمل الفردي،والتحرك للدفاع عن الذات، لهذا تجدنا للأسف نختلف على كل الامور التي لا تليق بتضحيات ونضال شعبنا ،بدلا من ان نسعى الى تجاوز كل الخلافات والتشنجات،ونرسم رؤية موحدة نحصن فيها مخيماتنا من خلال عقد المؤتمرات الشعبيه وتعزيز العلاقات مع جماهيرنا الشعبية من خلال تشكيل مجالس شعبيه تكون مساندة للجان الشعبيه ، نتهرب من ذلك .

وفي ظل هذه الاوضاع التي نعيش فيها فصولا جديدة، من المشاريع التي تستهدف وطننا العربي، لكنها أكثر وضوحا ووحشية، وأكثر خطرا على وجودنا أمة وافراداً هي ما تقوم به القوى الارهابيه التكفيرية بدعم وتخطيط من القوى الامبرياليه والعدو الصهيوني ، وهذا تهديد وجودي شامل يستهدف الماضي والحاضر والمستقبل، يستهدف القيم والأفكار والمشروع الوطني والقومي التحرري والتقدمي، مما يستدعي من جميع القوى الحيه حشد الطاقات ودعم قوى المقاومة على امتداد المنطقة، وشحذ الهمم للتصدي لهذا المشروع التدميري الشامل، وذلك من خلال ترتيب الأولويات في هذه المرحلة المصيرية لتحديد التناقضات الرئيسية والتناقضات الثانوية، وبناء على ذلك ندعو لتشكيل جبهة شعبيه عربيه على أساس القواسم المشتركة لمواجهة هذا المشروع الإمبريالي، جبهة واسعة تضم كل القوى الحية التي تشعر بخطر الفكر التكفيري والقوى التكفيرية وتقاطعها مع المشروع الإمبريالي الصهيوني الذي يستهدف تفتيت المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية.

نعم اقول هذا الكلام في لحظات مهمة قبل فوات الآوان بعيدا عن الشعارات والخطابات،لأن ما يجري في المخيمات الفلسطينية حتى ولو احداث فردية ، تجري في ظل الهجمة الامبريالية الصهيونية الاستعمارية الرجعية الارهابيه التكفيرية على المنطقة ، وفي ظل متغيرات وتطورات محيطة بنا عربيا وإقليميا ودوليا،وما يقوم به الإحتلال من إجراءات وممارسات من قضم مستمر للأرض الفلسطينية وقتل واعتقال ،وسيطرة على القدس وتقسيم للأقصى وتهويد للضفة الفلسطينية وحصار لقطاع غزة ،ليست كافية لنا كفلسطينيين على اختلاف مشاربنا ومنابتنا الفكرية والسياسية،وعلى كل المستويات القيادية، لكي نقوم بعملية مراجعة شاملة،لكل ما حصادنا في السابق،بإخفاقاته الكثيرة قبل نجاحاته المحدودة،ولكي نجري عملية محاسبة شاملة وعميقة،نقول فيها للشعب الفلسطيني ابن اخفقنا واين نجحنا،بدل من الشعارات التي تدغدغ العواطف وتوظف التاريخ والإرث لخدمة الحزب والفصيل والقيادة،والحديث عن الإنتصارات والإنجازات الكبيرة وصحة الموقف والبرنامج والنهج والخيار.

ومن هذا الموقع اقول ان لمنظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها دور محوري في تعزيز شراكة وطنيه حقيقية ضمن الاتحادات، فلا يجوز ان تبقى الاتحادات في لبنان فقط ممثلة برئيسها ويجري تهميش ممثلين الفصائل فيها وتحويلها إلى هياكل بيروقراطية غير فاعلة وغير تمثيلية وبدون دور وطني واجتماعي مؤثر، لهذا نرى ضرورة إعتماد مبدأ المشاركة في تحديد الإحتياجات والتخطيط ومن ثم التنفيذ، وأن تكون القصائل فيها عنصرا أساسياً في صياغة خطط عملها ورؤيتها المستقبلية وتنظيم الافكار والمشاريع المرتبطة بواقعها وطموحاتها وتطلعاتها.

ونحن اليوم في شهر رمضان الكريم والذي يفترض أن يكون شهر للعبادة والتسامح والتعاضد والتكافل الاجتماعي،شهر يشعر فيه الغني مع الفقير،نرى أن البعض يجد في شهر رمضان فرصة للوجاهة الاجتماعية،أو مشروع استثماري اجتماعي- اقتصادي ـ سياسي،وبدل من أن ينفق الأموال والمساعدات على الفقراء والمحتاجين،نرى ضرورة ان يشكل هذا الشهر المبارك حافزا ومحركا لمن يستلمون المساعدات ان تكون هناك شراكة في ذلك ،من أجل تقديم مصالح الشعب الفلسطيني العليا على المصالح الفئوية والخاصة، لانه ان سادت المساواة الحقيقية ، فإن ذلك يضيف روح التنافس بين مختلف شرائح المجتمع ، العدالة الاجتماعية ليست فكرة الإحسان الذي يتكرم به المسؤولون بتوزيع المكرمات، أو يستعرض بعض الميسورين عطاياهم للفقراء، إنما هي منظومة فكرية اقتصادية اجتماعية، تشمل المساواة والعدل والتمكين وإتاحة الفرص للجميع.

ختاما :كوننا نحمل رسالة نبيلة، في خدمة مجتمعنا، نشعر بالفخر ، لاننا نعشق الكلمة الصادقة ، حيث نتابع التفاصيل الكثيرة ونكتب عنها لاننا علينا ان لا نتعب ،علينا أن نكون على قدر المسؤولية في معالجة هموم الناس وشجونهم، وأن نكون لسان حال الشعب الفلسطيني وضميره ووجدانه ، قد يأخذها البعض علينا ، ولكن من موقع حرصنا على حماية منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها واتحاداتها ولجانها الشعبيه ، نرى اهمية رسم الخارطة أمام الشعب الفلسطيني وإطلاق طاقاته في عملية كفاحية مبنية على رؤية واستراتيجيات جديدة من اجل تحصين الأمن الاجتماعي في مخيمات الشتات والذي يجب أن يكون الدافع الاكبر للتصدي لهذه الآفات التي تسعى الى تسعير الخلافات ، ومن اجل حماية المجتمع وقيمه وتقاليده ، وادانة اللجوء إلى استخدام السلاح في معالجة أية خلافات لاننا اصبحنا في واقع مأساوي بحاجة الى علاج، بما يحفظ أمن المخيمات، وتسليط ‏الضوء من خلال ابراز وعي الأجيال الشابة عبر إستحضار الذاكرة الفلسطينية التي تختزن تاريخ النضال الفلسطيني وبطولات شعبنا وتضحياته وإنجازاته إضافة الى آلامه ومعاناته ورفض الافكار الظلامية ، لأن الحفاظ على هذه الذاكرة التي تختزن طموحاته وأحلامه، وهوية نضاله المتجهة نحو فلسطين اهم من كل الاغكار العدمية والهدامة والظلامية التي تحيد شعبنا عن هدفه الرئيسي نحو إستعادة حقوقه الوطنية وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير واقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.

بقلم/ عباس الجمعه