تأخر الأعمار: الحقيقة الغائبة الحاضرة في قطاع غزة !!

بقلم: حسن عطا الرضيع

تعتبر قضية أعمار قطاع غزة المسألة الأكثر مأساوية وجدلاً وحديثاً أمام أهالي قطاع غزة وتعتبر حديث الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك؛ بسبب عدم تنفيذ خطة الأعمار والإنعاش المٌبكر بعد عام من اندلاع الحرب الإسرائيلية الأخيرة والمعروفة بالجرف الصامد والتي استمرت 51 يوماً , ومهما اختلفت الأسباب الكامنة وراء توقف الأعمار أو بالأحرى البطء الشديد في تلك العملية الناجمة عن الانقسام السياسي الفلسطيني والعراقيل الإسرائيلية الممنهجة، إضافة لعدم التزام المانحين بتعهداتهم التي أعلنوا عنها في مؤتمر المانحين الذي عقد في القاهرة، في 12 أكتوبر 2014 والتي بلغت 5,4 مليار دولار نصفه لتمويل عجز الموازنة الفلسطينية والنصف الأخر للأعمار, جاءت العدوان الإسرائيلي في يوليو 2014 وقطاع غزة يعاني من تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية واستمرار حالة الانقسام السياسي وتراجع الأفق السياسي للفلسطينيين وبالتالي تراجع تأثير القضية الفلسطينية على مجريات الأحداث في العالم العربي, حيث شهدت الأراضي الفلسطينية نمواً اقتصادياً ملحوظاً في السنوات الأولى من قدوم وولادة السلطة الفلسطينية، ومنذ العام 2000 واندلاع الانتفاضة الفلسطينية تراجعت الأوضاع الاقتصادية ويظهر ذلك في المؤشرات الاقتصادية الكلية وتحديداً معدل النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة،أضحت الأوضاع في قطاع غزة أكثر شدة ووطأة في الفترة ما بعد العام 2006في أعقاب انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في دورتها الثانية، والتي تمخض عنها فوز حركة حماس ( فرع جماعة الإخوان المسلمين في الأراضي الفلسطينية )؛ وتشكيلها للحكومة الفلسطينية التي واجهت مقاطعة دولية واسعة بسبب رفضها لشروط الرباعية الداعية لوقف العنف والاعتراف بإسرائيل ونزع السلاح, ورغم التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية بين حماس وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في ربيع 2007، إلا أن حركة حماس فرضت سيطرتها بالقوة على قطاع غزة في 14 يونيو لنفس العام, مما أدى الى الانقسام السياسي الذي ما زال يسود الحلبة السياسية الفلسطينية لغاية الآن؛ حيث تعثرت جهود تحقيق المصالحة بين القوى السياسية الفلسطينية المختلفة رغم توقيع العديد من الاتفاقيات, وقد وفر الانقسام بيئة خصبة لاستمرار إسرائيل في فرض الحصار على قطاع غزة، ولشن الاعتداءات الدامية عليه, وخلال الست سنوات الأخيرة شنت إسرائيل ثلاثة من العمليات العسكرية الكبيرة , وكان أشدها قسوة وضراوة من حيث حجم الخسائر البشرية والمادية والاقتصادية, عدوان الجرف الصامد والذي أودي بحياة قرابة 2200 شهيد 11100 جريح , في حين بلغت المنشآت المدمرة كلياً وجزئياً حوالي 18000 وحدة،و بعد الحرب فإن الاحتياج اليومي لقطاع غزة من المواد الإنشائية الأساسية يبلغ 1000 شاحنة تشمل 5000 طن اسمنت و 1000 طن حديد و19000 طن من الحصمة، و15000 طن من البيسكورس، وأن احتياجات غزة من الوحدات السكنية عدا المدمرة سنويا حوالي 7000 وحدة نتيجة النمو الطبيعي عدا العجز السابق 130,000 وحدة سكنية , وخلال عام فإن ما دخل من المعابر الإسرائيلية من مواد البناء يعتبر محدوداً ولم يلبي 20% من الطلب الطبيعي , مما عزز ذلك مشكلة الإسكان من جهة , والمشكلة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة من جهة أخرى, وارتفاع أسعار الإيجارات والشقق السكنية رغم حالة الركود الشديد, وما قامت به المنظمات الدولية من تسليم المتضررين للكرفانات لم يساهم بالحد من المشكلة بسبب التوزيع المحدود لها , وعدم مواءمتها للأسر الفقيرة , حيث تبلغ تكلفة الكرفان 7000 دولار, وتبلغ تكلفة الوحدة السكنية الواحدة 60,000 دولار ، وأن ما يدخل من معبر كرم أبو سالم من احتياجات قطاع غزة بلغ 20% من مواد البناء والتشييد ولوازم الإنشاءات, وعلى الرغم من أن تفاهمات وقف إطلاق النار بين الجانبين قد تمحور حول تخفيف الحصار وفتح المعابر والبدء بأعمار غزة بوجود رقابة إسرائيلية وأممية إلا أن تلك التفاهمات وهي رفع الحصار وإعادة الأعمار وتحسين جودة حياة المواطنين الغزيين لم ترى عملياً نور الحياة, وبعد عاماً من بدء العدوان الإسرائيلي فإن نتائج ذلك والحقيقة الغائبة الحاضرة في قطاع غزة أنه لا أعمار , فشل آلية الأمم المتحدة للأعمار المعروفة بآلية سيري, انتشار واسع لعمليات السوق السوداء وتحديدا في مجالات البناء والإنشاءات حيث شهدت أسواق غزة بيع الأسمنت بأسعار السوق السوداء, كذلك ارتفاع معدلات البطالة والفقر في قطاع غزة, انكماش اقتصادي بنسبة 15% , بطالة فاقت أل 43 % وهي الأعلى عالمياً , أكثر من 70% يعتمدون على المساعدات الإغاثية, كساد عميق في القطاعات الاقتصادية, وفقر يبلغ 65% , رافقه انعداماً للأمن الغذائي بلغ 67% من مجمل سكانه , حالة من اليأس على وجوه جيل الشباب وخصوصا الخريجين الذين أرهقتهم البطالة وأرمت بهم في أحضان الطرقات ولم يرحمهم أحداً, ارتفاع معدلات الإعالة وعمالة الأطفال والذين أضحوا فريسة للمشغلين , ومن أخطر القضايا التي نجمت عن عدوان الجرف الصامد وبعد عام كامل هو أن
الشئ الثابت وغير القابل للتغيير في تلك المرحلة أنه لا أعمار والأسباب متداخلة منها الانقسام السياسي , الفساد ومحاولة البعض مأسسة القضية ليستمروا في الخروج مبتسمين أمام الكاميرا, حيث أن المعاناة تشكل لهم لبنة أساسية للثراء والجاه والسلطان , يُقال أن رجلاً مقابل مليون دولار قدم زوجته هدية, وهذه مسألة فردية , ولكن هنا الوضع أكثر مأساوية وهو أن البعض مقابل ملايين الدولار يضحي لا بزوجة ولا بابن وإنما بشعب كامل, مقابل حفنة من الملايين يضحوا ويعبثوا بحياة ومصير 1,8 مليون شخص, فقرهم وتدني وضعهم الاقتصادي ومأساتهم المتعلقة بعدم وجود كرامة ودخل وأعمار لا زالت مصدراً مهما ووسيلة سهلة للثراء والسلطة !!
بعد عام من العدوان الإسرائيلي لا تحدثني عن أي مبرر لعدم البدء بأعمار قطاع غزة, وفي ظل هذه الحقيقة الغائبة الحاضرة والمتمثلة بتأخر إعمار قطاع غزة؛ فإن الحل الواقعي في ظل تقاعس الأحزاب السياسية وعدم قدرتها على إنقاذ المجتمع الفلسطيني وحل مشاكله المتنامية , فإن الحلو ل تكمن في تشكيل لجان للحشد الشعبي للإنقاذ .

بقلم / حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي- غزة