للمرة الثانية خلال العام 2015 يتمرد القضاء الفلسطيني على رغبات الرئيس محمود عباس، إنصافاً للقانون وحرصاً على هيبة القضاء التي حاول عباس السطو عليها كما فعل مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، قضاة فلسطينيون سجّلوا موقفاً جريئاً ناصعاً يتمنى الشعب بأكمله أن تنتقل عدواه إلى باقي مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير المختطفتان بالكامل في قبضة ديكتاتور صغير لا يثق بأحد، يعيش هاجس المؤامرة الدائم على سلطانه لدرجة خشيته من ظلّه، ويدير معارك متواصلة وغير أخلاقية مع كل قائد فلسطيني يختلف معه وينتقد سياساته، معارك تزيد من عزلته وتخيف العبيد بإمرته، وتجعل عدد كبير منهم ينتظر لحظة حرية ستأتي ولو بعد حين.
في نهاية يناير 2006 كان الإعلان الأول للرئيس عباس بعدم نيته للترشح لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية، بعد أيام قليلة من نتائج إنتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي أسفرت عن الهزيمة الأولى لحركة فتح بقيادته، ثم ردد هذا الإعلان في أكثر من مناسبة معتقداً أن الجماهير الفلسطينية ستخرج باكية راجية للرئيس من أجل التراجع عن موقفه، وتنصّبه زعيماً أبدياً وحيداً لشعب وثورة وسلطة، فسقط الرهان بفعل وعي الشعب وخبرته.
بعد تجربة أكثر من عشرة أعوام إتضح جلياً ما كان يعنيه موقفه بعدم الترشح، وأن الإنتخابات لن تجر في عهده، وهو يصنع كل الظروف التي تعيق إجراؤها، مهما كان الضرر الناتج عن فعل ذلك، وليأت من بعده الطوفان، ضمر وخطط ونفّذ وأشهر سيفه في وجه كل المعارضين له ولسياساته وإخفاقاته، هذا ما فسّر كل الإقصاءات التي بدأها مع النائب محمد دحلان منافسه الأقوى لزعامة النظام السياسي الفلسطيني، المؤهل الوحيد موضوعياً لقيادة حركة فتح ، واستمر بحرب الإقصاءات لتطال عدد لا بأس به من الحلفاء المحتملين للنائب محمد دحلان في داخل فتح وخارجها، ليحكم قبضته على مؤسسات صناعة القرار الفلسطيني وفي المقدمة منها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويحوّلها من هيئة تقود نضال الشعب الفلسطيني إلى مسخ مطيع لتنفيذ رغبات عباس الشخصية من أجل السلطة والمال.
لا يراهن أحد أن قرار القضاء سيعيده إلى رشده، بعد أن أدار ظهره لما هو أهم من قرارات المحاكم الفلسطينية، فلم يستمع إلى نداءات كل المناضلين الفلسطينيين بالتوقف عمّا يفعله من تدمير منظم لكل الحالة الوطنية، ولم يستجب لعدة مبادرات عربية حريصة على وحدة الحركة الوطنية، ولم تخجله عذابات أبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان عن مواصلة مشوار الخصومة والقطيعة الذي قرر السير فيه عشقاً للسلطة والمال، على حساب كل شيء وأيّ شيء، فصفعتان على وجه عباس لا تكفي.
القضاء الفلسطيني لم يصدر حكماً قانونياً وحسب، بل مهّد طريقاً جديدة صالحة لإعادة تصويب الحالة الفلسطينية الشّاذة، وسيدفع بالكثير من أبناء الحركة الوطنية لمواصلة نهج الإصلاح دون خوف أو خجل، بعد كل هذا البؤس والضياع الذي وصل إليه المجتمع الفلسطيني بفعل سياسات عباس القائمة على التفرد والإدارة المستبدة للخلافات السياسية والتنظيمية، سيتحدث الصامتون ويعلوا صوت الهامسون، ويتفاكر المتضررون والمخلصون في سبل الخروج من وحل الهيمنة والإستبداد الذي أضرّ بالحقوق وبالقضية الوطنية وبالكرامة الشخصية لكل مواطن فلسطيني، وسيعجّل بولادة جديدة قادة على حماية الحلم وتعيد الثقة والأمل بين أبناء الشعب الفلسطيني.
بقلم/ محمد أبو مهادي