يوم القدس العالمي .. يوم استنهاض الهمم حتى تبقى فلسطين بوصلة النضال

بقلم: عباس الجمعة

نقف على عتبة يوم القدس العالمي الذي اعلنه الامام الخميني رحمه الله في اخر جمعة من شهر رمضان المبارك، والذي دعا فيه الامة الاسلامية الى اعتبار القدس قضية رئيسية في قلب الامة وفلسطين هي البوصلة، بما تمثل قضية فلسطين من قضية تحدي بمواجهة مؤامرات الاستكبار والاستعمار الذي يحاول الانقضاض على فلسطين وتفتيت الامة ونهب مقدراتها، من خلال التواجد في قلبها كمقدمة للسيطرة على الارض والثروات والمقدرات.
ان الشعب الفلسطيني الذي يحمل هم القدس يتطلع من الجميع استنهاض طاقاته وتوفير مقومات الصمود له حتى يتمكن من التصدي للاحتلال ومشاريعه في القدس والضفة الفلسطينية وغزة، حيث يقف الشعب الفلسطيني وحيدا في مواجهة الاحتلال والاستيطان وتهويد المقدسات الاسلامية والمسيحية ، بينما يصمت عرب وعجم عما يجري ، الا ان ارادة الشعب الفلسطيني الذي يقدم أغلى التضحيات يتطلع الى المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها للوقوف معه ودعمه ومساندته ، لأن القدس مهبط الأنبياء وأرض الرسالات والأديان ومركز الحضارات وفي قلب الأرض الطيبة التي باركها الله ، وهي أرض المحشر والمنشر ، وأرض الإسراء والمعراج ، وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، وقد نزلت فيها الآيات القرآنية وتم ذكرها في الأحاديث النبوية .
فى يوم القدس العالمى تستنهض الهمم باتجاه القدس ، ونحن نحذر من الأخطار المحدقة به ، ونقرع ناقوس الخطر باتجاه كل حبة رمل منها ، حيث هدم البيوت وتكثيف الاستيطان ، وسجن المدينة بالجدار ، واستهداف المقدسيين على كل المستويات " الأمنية والأخلاقية والاقتصادية والجانب السياسى " والحفريات ، والتهجير للفلسطينيين مقابل سياسة الجذب للمستوطنين ، وسحب هويات المقدسيين ومحاولات إبعاد الشخصيات الدينية والوطنية عن القدس ، والقيام بتجريف عدد من مقابر المسلمين والمتاحف والبيوت والمحلات التجارية والحدائق والعمل على تغيير معالم البلدة القديمة والمدينة المقدسة بكاملها فى مسعى لتفريغ المقدسيين الأحياء والأموات منها من أجل تنفيذ سياسة الاحتلال الرامية لتهويد القدس ، والعمل على هدم معظم الأبنية والآثار الإسلامية التى تحيط بالمسجد الأقصى وشق الطرق داخل مقابر المسلمين وتجريف المقابر الاسلامية المحيطة به كمقبرة الرحمة واليوسفية ومأمن الله التي تضم قبور بعض الصحابة والتابعين ، ومحاولة وضع حجر الأساس لما يسمى بالهيكل الثالث المزعوم كمخطط يهدف إلى الاستيلاء على الأماكن المقدسة فى المدينة ،فنجد ان خطر التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى.
منذ صرخة الإمام الخميني،وحتى اللحظة الراهنة،حكومات الاحتلال المتعاقبة تضخ مليارات الدولارات من اجل تهويد المدينة،وزرعها بالمستوطنات،ونحن لم نرى اي تطبيق لقرارات القمم العربية والإسلامية حولها، حيث تجتمع اللجان المسماة باسمها،وتقر دعماً للقدس،لا يصل منه إلا النزر اليسير،وأغلبه يتبخر بعد إنتهاء تلك القمم وإجتماع تلك اللجان.
القدس تضيع،ونحن نسير على نفس النمط والوتيرة والنهج"جعجعات" و"هوبرات" إعلامية وتصريحات ومقابلات صحفية،وشعارات وبيانات شجب وإستنكار،ونخوض جدال بيزنطي حول جنس الملائكة ذكر ام انثى.، نحن بحاجة الى الخروج عن ما هو مألوف،نحن بحاجة الى مواقف عملية،تخرج عن كل الأشكال والسياقات القديمة،بدل المبالغ التي تصرف على ارهاب يحصد الاخضر واليابس في المنطقة ، تبرعوا بتلك المبالغ للشعب الفلسطيني،تبرعوا من اجل إقامة مشاريع إسكان في القدس،تحمي الأرض من خطر المصادرة،تبرعوا من اجل بناء مدارس في القدس،تثبت الطلبة في مدينتهم،وتحمي ذاكرتهم ووعيهم من خطر التشويه والإحتلال،فإحتلال الوعي يعادل إحتلال الأرض.
الإمام الخميني أطلقها صرخة مدوية،حولوا صرخة هذه الى أفعال حقيقية،فالتاريخ لن يرحم احدا منكم في حال ضياع القدس،وبدل الأموال التي تصرفونها على تدمير الدول ،وقتل أبنائها ، تنفيذا لمخطط تفتيت وتقسيم المنطقة خدمة للمشروع الامبريالي الصهيوني الرجعي التكفيري ، نتطلع ان تصرفوها لدعم صمود المقدسيين وبقائهم في قدسهم و صمود الشعب الفلسطيني على أرضه.
من هنا نقول إن يوم القدس العالمي ، هو يوم إطلاق جرس الاقتدار وفكر العدالة في العالم بحيث تتحول هذه التغييرات الأساسية لصالح العدالة وسيادتها، فالقدس تحتاج للجميع، ليس عبر الخطاب بل بدعم مادي فعال مع حضور عربي وإسلامي وممارسة ضغط على مراكز القرار المؤثر في العالم ودعم أهالي القدس ودعم صمود الشعب الفلسطيني ونضاله ومقاومته، كما هو يوم عالمي تتجه به الأنظار للقدس الأسيرة بدعوة متجانسة لإعطائها حقها بالتحرر الكامل من براثن المحتل.
وفي ظل هذه الاوضاع يأتي يوم القدس العالمي وشذاذ الآفاق من كل أنحاء العالم ، يمارسون باسم الدين شتى انواع الارهاب في سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن ، حيث ترسم قوى الامبريالية والصهيونية خرائط تقسيم المنطقة .
ان يوم القدس العالمي يتطلب من كافة الفصائل والقوى ان تتوحد في بوتقة النضال من خلال استعادة الوحدة الوطنية وعدم انتظار تطورات خارجية يعول عليها البعض للاستقواء من اجل فصل غزة عن الضفة والقدس بدلا من تعزيز الخيارات الوطنية القادرة على استنهاض الحالة الوطنية ووضعها على سكة الانطلاق لمواجهة مخططات الاحتلال ومشاريعه المدعومة من الادارة الامريكية وذلك من خلال رسم استراتيجية وطنية وكفاحية مؤهلة لإنقاذ الوضع الفلسطيني من حالته الراهنة .
ان الأخطار الكبيرة التي يتعرض لها شعبنا، نتيجة مواقف الادارة الامريكية المنحازة لكيان الاحتلال وسياستها المعادية لشعبنا وشعوب المنطقة ، وإصرارها على تجريد القدس من عروبتها بتهويدها تحت ستار تدويلها، واستيطان وتهويد الضفة، وإعادة المنطقة إلى دائرة نفوذها، وتحركها المحموم لضرب التضامن العربي وتجزئته وشق صفوفه، والقفز على حقوق شعبنا الوطنية، من خلال ابعاد الشعوب العربيه والاسلامية عن قضيتها المركزية، تستدعي من كافة الاحزاب والقوى العربية والاسلام التنويري العمل من اجل ان تبقى فلسطين "القضية المركزية للامة العربية والاسلامية "، وان تحريرها هي عنوان للتحرير الانسان العربي، وان هذا التحدي سيظل مفتوحاً ينتقل من جيل الى جيل حتى تتحرر فلسطين لتكون عنوان مستقبل الامة.
وامام يوم القدس العالمي اردت ان اوجه كلمة اقول فيها العتب على قدر المحبة لاننا على ثقة بأن الجمهورية الاسلامية هي اول من فتح سفارة لفلسطين في العالم رافعة العلم الفلسطيني مرفرفا في سمائها، وجعلت يوم القدس العالمي في الجمعة الاخيرة من شهر رمضان المبارك من كل عام، مناسبة لترسيخ حب فلسطين في عقول الاجيال الصاعدة وجعل القضية الفلسطينية في الصدارة، في ظل التخلي والتآمر على القضية الفلسطينية الأساس، وانشغالهم بالمشاكل والفتن الداخلية لمصلحة كيان الاحتلال، مطالبا الجميع ان تكون فلسطين بوصلتهم ونصب أعينهم ومن أهم أولوياتهم، ولكن سؤالي هنا لماذا هناك فصائل موجودة في لجنة دعم المقاومة في فلسطين ، وفصائل فلسطينية لها دورها وتاريخها النضالي المقاوم خارج هذه اللجنة وخاصة جبهة التحرير الفلسطينية وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني وحزب الشعب الفلسطيني ، كما تحرم هذه الفصائل من اخذ الحصص الغذائية التي توزع في السفارة الإيرانية في بيروت لاسر شهدائها ومناضليها ، وهي حصص غذائية للشعب الفلسطيني المقاوم مقدمة من الجهورية الاسلامية في ايران وذلك بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك ، ونحن نقدر ما تقوم به ايران من اجل النهوض بيوم القدس للدفاع عن الأرض العربية ومقدساتها وفي مقدمتها القدس .
لا بد من القول امام عظمة يوم القدس العالمي نؤكد الوفاء لكافة شهداء فلسطين والأمة من خلال تواصل المقاومة بكافة اشكالها وتعزيزها وصيانتها وتصعيدها واستمرارها بكل قوة ، وبعدم انتظار العون من أحد، لأن الشعب الفلسطيني التي يقبض على الجمر والحجر ويتمسك بالمقاومة من اجل استعادة حقوقه الوطنية لهو قادر على فك قيود الاسرى الأبطال في المعتقلات الصهيونية واستعادة وتحرير الارض والانسان من خلال ضخ دماء جديدة في شرايين الأمة العربية ، دون الرهان والارتهان لما يسمى بالمفاوضات الثنائية بالمرجعية الأمريكية ، بل من خلال النهوض الوطني ومواصلة مسيرة النضال التي فجرها وقادها الشهداء القادة الرئيس الرمز ياسر عرفات وفارس فلسطين ابو العباس وابو علي مصطفى والحكيم والشيخ الجليل احمد ياسن وسمير غوشه وعبد الرحيم احمد وزهير محسن وفتحي الشقاقي وابو عدنان قيس وسليمان النجاب وعشرات الالاف من الشهداء ، ونحن على ثقة بالتفاف كل الأحرار والشرفاء في امتنا والعالم فى يوم القدس العالمى للوقوف الى جانب شعبنا في القدس ، حيث سيمنح هذا الشعب العظيم بنضاله وتضحياته حتى يبقى هذا اليوم ينغص ويؤرق مضاجع الاحتلال حتى ترتفع بيارق النصر الاتي من خلال تحرير القدس ومقدساتها وإقامة دولة فلسطين كاملة السيادة بعاصمتها القدس وضمان حق العودة لشعبنا الى دياره وممتلكاته على ارض فلسطين التاريخية مهما غلت التضحيات.

بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي