إتفاق تاريخي....ونهاية حصار ظالم إمتد لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً....ونصر ايراني وهزيمة اسرائيلية بإمتياز ....ومعادلات جديدة وتحالفات جديدة ستبرز في المنطقة...معادلات رؤيتي تقول بأن ايران انضمت لنادي الكبار الستة لكي يصبحوا سبعة على مستوى العالم،ايران قوة إقليمية متسيدة في المنطقة،ومقرر في قضاياها...وسوريا قوة حاسمة في المشرق ...والمقاومة بكل قواها تصعد وتتسع حضوراً وتأثيراً...اسرائيل يتراجع دورها،فهي لم تعد صالحة لخوض الحروب العسكرية بعد فشلها في الحرب العدوانية التي شنتها بالوكالة لأول مرة في تاريخها نيابة عن كل القوى الإستعمارية وفي المقدمة منها امريكا على حزب الله وقوى المقاومة في تموز/2006،حيث لم تستطع ان تستولد الشرق الأوسط الكبير الذي نادت به وزير خارجية أمريكا انذاك "كونداليزا رايس"...السعودية المرتجفة والمرتعبة من الإتفاق ستبقى دفيئة وعنوان الإرهاب الذي سيرتد الى نحرها ويحرقها،كذلك هي غارقة في اليمن وتستنجد بمن يمد لها طوق النجاة او النزول عن الشجرة،وهي تستجدي بوتين لكي ينقذها من هذه الورطة.
منذ توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" في 17 سبتمبر/1978 والتي ارتد فيها نظام السادات المغدور على الحقبة الناصرية،وما عنت تلك الإتفاقية من خروج لمصر بثقلها العسكري والسياسي والبشري من معادلة الصراع العربي- الإسرائيلي،،وتغير في دور ووظيفة النظام العربي الرسمي وبنيته،ومن ثم اندلاع الثورة الخمينية في ايران عام 1979،برزت تجليات الصراع واضحة بين مسارين،مسار يريد ان يفرض وجود اسرائيل في المنطقة العربية والإسلامية كمقرر ومتسيد وذات شرعية،ومسار آخر يقول بأن اسرائيل مولود لقيط خارج التاريخ والجغرافيا.منذ توقيع "كامب ديفيد" وقيام الثورة الخمينية..جرت حروب على كل الجبهات بين المسارين،ومارس أصحاب نهج ومسار "كامب ديفيد" الكثير من الحروب متعددة الأشكال ضد أصحاب نهج"اورانيوم" من أجل تحقيق نصر ساحق عليهم،وتعميم نهج وثقافة الإستسلام والإستنعاج ،ثقافة "كامب ديفيد" و(99)% من أوراق الحل بيد أمريكا،فكانت حرب عام 82 وإجتياح بيروت،وفرض حكومة لبنانية موالية لإسرائيل وتأتمر بأمرها،وكذلك تم توريط العراق من قبل أمريكا ودول مشيخات النفط في حرب مع ايران امتدت لثماني سنوات،حرب أنهكت البلدين،واستنفذت الكثير من ثروات وخيرات وقدرات ومقدرات الشعب العراقي،لكي يجري بعد ذلك محاصرة العراق ومن ثم إحتلاله،بحجج وذرائع واهية،ثبت زيفها وكذبها امتلاك العراق للسلاح النووي،ولتهدد امريكا سوريا بنفس المصير،وتفرض عليها الكثير من العقوبات الإقتصادية والتجارية والحصار،ومن ثم توجه لها الإتهامات بقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري،فرأس سوريا كما هو رأس ايران وحزب الله وكل قوى المقاومة العربية،بما فيها الفلسطينية مطلوبا،ورفع رئيسي الولايات المتحدة السابقين جورج بوش الابن والأب،شعار من ليس معنا فهو ضدنا،وشدد الحصار على البلدين وجرى تطويق ايران عبر الضفتين الأفغانية والعراقية،وسوريا أصبحت محاطة بحلفاء امريكا،وتم تصنيفهما على أنهما دول محور الشر مع كوريا الشمالية.
حروب تصاعدت من اجل فرض الهزيمة والإستسلام على محور المقاومة في المنطقة،وبما يجعلها تخضع بالمطلق للهيمنة والسيطرة الأمريكية والإستعمارية،وتكون"اسرائيل" عصاها الغليظة لضرب أي حالة نهوض قومي عربي محتملة في المنطقة.فكانت حرب اسرائيل بالوكالة في تموز/2006 على حزب الله والمقاومة وسوريا كحلقة مركزية،تلك الحرب فشلت وكانت هزيمة مدوية لأمريكا و"اسرائيل"،تقرير لجنة "فينوغراد"الإسرائيلي و"بيكر – هاملتون" الأمريكي.
أمريكا و"اسرائيل" ومعها مشيخات الكاز والنفط العربي ومعهم العثمانيون الجدد،ومعهم معاهد الدراسات والأبحاث الإستراتيجية الأمريكية ومطابخ المخابرات الأمريكية والغربية، قالوا بأنه من أجل إلحاق هزيمة شاملة بمعسكر ومحور طهران –سوريا – حزب الله، فلا بد من حرب كسر عظم،تعيد رسم خرائط وجغرافية المنطقة على أساس تفكيك وتركيب الجغرافيا العربية على تخوم وفواصل المذهبية والطائفية والثرواتية،فكانت ما يسمى ب"ثورات" الربيع العربي،وشعبنة الفتنة المذهبية (سني- شيعي)،فكان تصدير الإرهاب وحروب الفتن المذهبية،تحصد الأرواح وتحرق البلدان وتدمر بلا هوادة الدول ومؤسساتها وتفكك جيوشها وتقتل بشرها وتشردهم،وتنهب خيراتها وثرواتها،وتمارس عمليات تطهير عرقي بحق الأقليات،ناهيك عن هدم وتدمير حضارات انسانية ممتدة لألآف السنين،حروب وإرهاب وفتن طالت تونس ومصر وليبيا والعراق وسوريا واليمن ووصلت لشواطىء فلسطين،ولكن كل ذلك لم يفلح في كسر صمود لا ايران ولا سوريا ولا اليمن ولا حزب الله،حلقة بقيت صامدة ومتماسكة.
بعد محادثات مكثفة ومتواصلة إمتدت في فينا لسبعة عشر يوماً،واضح بأن وصفات وزير الدفاع الأمريكي السابق رامسفيلد" «إن ما لا تحله القوة يحله المزيد من القوة» وغيره من المتطرفين من أمثال كيسنجر وروس وأنديك وهنتنغتون وفوكوياما ومادلين أولبرايت، وكوندوليزا رايس وبول وولفوفيتز،قد فشلت فشلاً ذريعاً،حيث جرى الإعتراف بحق ايران في إمتلاك برنامج نووي للطاقة السلمية،وبرفع لكل العقوبات الإقتصادية والمالية عليها،وبما يحرر الكثير من مليارات الدولارت المحتجزة لها في البنوك والمؤسسات الدولية،وبأنها قوة إقليمية يجب ان تراعى مصالحها في المنطقة.
نعم توقيع التفاهم النووي يعلن انتصار مسار "ايرانيوم" والهزيمة لمسار "كامب ديفيد"،هناك الكثيرون سيخرجون من الحلبة وسيدخل لاعبون جدد لوراثة الدور والمكانة الأمريكية في المنطقة روسيا والصين ومعهما ايران وسوريا ،سوريا بعد هزيمة الإسلام السياسي في أنقرة ،جماعة الإخوان المسلمين،حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان،وخروج السياسة الخارجية التركية من تحت سيطرة الإخوان،وإنتصار ايران التي ربطت سوريا مصيرها بمصير قيادتها وخيارها،وغرق السعودية في الوحل اليمني،فهذا يعني بأن توقيع التفاهم النووي مع إيران يعني بداية النهاية للحرب التي شنّت عليها ضمن الحرب الشاملة على معادلة «إيرانيوم»، وهي حرب تضع أوزارها اليوم.
إن شعار دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق " إن ما لا تحله القوة يحله المزيد من القوة" قد سقط الى غير رجعة،وكذلك نرى بأن ما قاله سماحة السيد حسن نصر الله بأن دولة الإحتلال الإسرائيلي أوهن من بيت العنكبوت وبأن "إسرائيل" مولود لقيط خارج التاريخ وخارج الجغرافيا تثبت صحتها شيئاً فشيئاً،وبأن ايران اليوم "اورانيوم"هي ليست ايران ما قبل توقيع التفاهم النووي.
بقلم/ راسم عبيدات