غزة : بلا كهرباء و الموضة بنطلون الكهربة !!

بقلم: حسن عطا الرضيع

كتابات ساخرة
تعتبر غزة مكاناً ملائماً وبيئة مواتية لتصنيع الملابس بسبب الخبرة الواسعة التي اكتسبها العاملين بهذا المجال طيلة العقود الماضية, وتحديداً في فترتي الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين؛ والتي شهدت افتتاح عدداً من المناطق الصناعية من جهة , وافتتاح عشرات المصانع في قطاع غزة من جهة أخرى والتي اتسمت بوجود علاقات تعاقد من الباطن حيث أن العمالة فلسطينية رخيصة وأجورهم منخفضة قياساً بإسرائيل , وتصدير إنتاجها يتم عبر شركات إسرائيلية لها نسبة كبيرة من الأرباح في حين أن نسبة أخرى من الأرباح تعود لمالكي تلك المصانع مما عزز ذلك ظهور بذور المرض الهولندي في قطاع غزة , مجالاً مهماً شهده الاقتصاد في غزة, كذلك هناك مجالات تدخل ضمن عملية التعاقد من الباطن كزراعة الفراولة والزهور والتوابل , حيث أن تصديرها يتم بواسطة شركات إسرائيلية لأوروبا , وتوريد معظم مستلزمات تلك الزراعة تتم من نفس الشركات الإسرائيلية, لقد شهد قطاع النسيج في قطاع غزة تدهوراً كبيراً لدرجة اختفاءه منذ العام2006 وذلك بسبب الحصار والذي أخذ شكلا معيناً تمثل بمنع التصدير, وبذلك تم إغلاق قرابة 90% من تلك المنشآت في حين فقد آلاف العمال فرصهم مما زاد من الأعباء الاقتصادية لتلك الأسر , كما أن هذا النشاط الاقتصادي المهم في قطاع غزة قد شهد نمواً في السنوات الأخيرة, وفي السنة الأخيرة ظهرت موضة في غزة وهي نمو الطلب على البنطلون الجينز الكهربة, ونظراُ لتفاقم أزمة الكهرباء في قطاع غزة منذ 9 سنوات عالتوالي, وتراوح ساعات القطع من 8-12 ساعة يومياً , شهدت شبكات التواصل الاجتماعي اهتماماً بهذه القضية والتي تعكس مأساوية أزمة الكهرباء على الواقع المعيشي, تلك القضية أوجزها الباحث والكاتب في الشؤون الاقتصادية حسن الرضيع وعبر صفحته على الفيس وبشكل ساخر, حيث أردف قائلا أنه وبسبب الفائض في الكهرباء في قطاع غزة والناجمة عن بناء محطة وطنية لإنتاج الكهرباء بعد حصول السلطة الفلسطينية على حقول الغاز على بحر غزة , لجأت وزارة الاقتصاد الوطني بالسماح للتجار ولشركات القطاع الخاص بتصدير الكهرباء لبعض دول الجوار , وبسبب موجة الركود الاقتصادي الذي تضرب العالم الناجمة عن تفاقم الأزمة المالية العالمية وتراجع الأداء الاقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي والصين, وبعد نشر دراسات أوصت بعضها بضرورة اهتمام الحكومة الفلسطينية بالسوق المحلي وتنميته,
جاءت المفاجأة وهي أنه ولأول مرة في التاريخ الفلسطيني الحديث يدرس وزير الاقتصاد الوطني تلك التوصيات ويطلب عقد اجتماع وزراي والنتيجة , موافقة الحكومة بالإجماع على استخدام تلك الفوائض من الكهرباء في بنطلون الجينز
وفي سياق قريب أكد مدير أكبر مصانع الخياطة في شمال غزة أن بنطلون الجينز المعروف ب " بنطلون الكهربة" لم يجد له سوقا في الثمانينات أي قبل قرابة 30 عام , واليوم طلبه متزايد في أسواق قطاع غزة والسبب وفرة الكهرباء محلياً وسياسات الحكومة الداعمة له, وقوة تأثير الدعاية التسويقية لذلك كونه من أفخم ماركات الموضة في غزة ,
في عقد الثمانينات , كانت غزة محتلة ولا حول لها ولا قوة وأعزى الرضيع ذلك إلى أنه
أما اليوم فغز ة انتصرت, وتحررت , وبنت اقتصاد سوي وقوي وعادل , حصلت على مواردها بالكامل , البحر والغاز تحت تصرفها, تنتج الكهرباء لتلبية السوق المحلي وللتصدير, الأرض والبحر والأجواء والمعابر والقرار الوطني بيدها , تمتلك ميناء عائم وآخر جاف ساعات العمل به 24 ساعة ولا إجازات تذكر, تمتلك مطارين أحداهما بمحافظة خانيونس لنقل التجار ورجال الأعمال والنخب السياسية والاقتصادية والأمنية , وأخر في شرق رفح لنقل عامة الناس من طلبة وزوار وصغار التجار والكسبة
واستعرض أن ثمن غسل قطعة من هذا البنطلون 7 شواكل (2 دولار) في حين أن ثمن غسل البنطلون الجينز العادي ا شيكل (ربع دولار)
وفي المقابل فأن تكلفة القطعة الواحدة لا تتجاوز أل 30 شيكل وسعرها في السوق تتراوح ما بين 70 شيكل في الأسواق الشعبية و150 شيكل في بعض المناطق بغزة ( أي أنه يباع ب 5 أضعاف تكلفته في بعض المحلات التجارية)
وهذا ما يؤكد أن الإنتاج المحلي والذي تدعمه الحكومة أحيانا بمنع استيراد المنتج المنافس له (سياسة إحلال الواردات ), يؤدي إلى أن يشهد المنتج المحلي ارتفاعا في السعر وانخفاض في الجودة,
لسان حال المواطن في هذه الحالة ( كأنك يا أبو زيد ما غزيت) "
والمحصلة الأخيرة : استمرار التضخم والركود وتدني مستويات المعيشة والسبب التداخل وعدم رشد السياسات المنتهجة والتباين بين سياسة وزارة العمل والاقتصاد والغرف التجارية في غزة , وزارة تطالب بمنع استيراد منتج ما وأخرى تمنح تصاريح باستيرادها وأخرى تحدد تسعيرة , وفي نفس الوقت لا تشكل لجان للرقابة / إذن شو الفائدة من تلك القرارات, وقبيل عيد الفطر وعند دخولك للأسواق تسمع بائعي الملابس ينادون وعبر مكبرات الصوت " الكهربة وصلت " لا يقصدوا بها عودة التيار الكهرباء المنقطع وإنما بنطلون جينز الكهربة , ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة ومع ارتفاع متطلبات الحياة والتي باتت أكثر تعقيداً, حيث الارتفاع المستمر في معدلات البطالة والأسعار , فإن لسان حال الأسر الفقيرة والأكثر تهميشاً في قطاع غزة والتي أرهقها وأنزفها الفقر , وبسبب عدم قدرتها على توفير مستلزماتها الأساسية يقول
لا يهمني لون الحاكم إن كان أبيض أو أسود أو حتى رمادي, وإنما ما يهمني هو أن يلتهم ويكبح جماح الفقر.
ورداً على المقولة المشهورة لعمر بن العزيز " انثروا القمح فوق سفوح الجبال , حتى لا يُقال أن طائر جاع في بلاد المسلمين", ومع ارتفاع معدلات الفقر في العالم العربي الذي يمتلك ثروات كبيرة وفقراء أكبر, رد الرضيع ب " أودعوا دولاراتكم في خزائن سويسرا, حتى لا يُقال أن أموال وثروات العرب لفقراء العرب".

بقلم / حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي_ غزة