لن أتحدث اليوم عن السلطة بعيدا عن حركة فتح لأن ما يجري الآن هو فصائلي بامتياز حيث كانت الدعوات في الفترة السابقة لحركة فتح وشبابها بأن يوفوا بعهدهم الذي كانوا يقطعونه على أنفسهم في المحافل والمهرجانات والانتخابات والمؤتمرات حينما كانوا يقولون "نحن على يمين السلطة إن أصابت وعلى شمالها إن أخطأت"؛ وها هي إخفاقات قيادة حركة فتح تتوالى على الصعيد المحلي والدولي وفي كل مرحلة لا نجد أصواتا تردع تلك السلطة التي تشكلها قيادة حركة فتح؛ فلا كوابح ديمقراطية لها ولا فصائلية ووطنية وأخلاقية أو حتى قوانين الحركة الداخلية.
وهنا وبعد أن توالت تلك الإخفاقات باتت حركة فتح لاعبا سلبيا في الساحة الفلسطينية حينما تحولت بكل قوتها وعناصرها وأدواتها إلى وسيلة لشخص هنا في مواجهة شخص هناك؛ فعَلَت المصالح الشخصية على الحركة والمشروع الوطني الذي بات مشروخا وطنيا يتغنى به كل من يريد الصعود، وكانت من بين الإخفاقات آخر خمسة تعكس مدى التخبط:
1-
إيجاد خلافات مع دول عربية ناتجة عن حسابات شخصية فكان الشعب الفلسطيني هو من يدفع الثمن، فالإمارات العربية المتحدة هذه المرة هي الطرف الآخر خلف تلك المشاكل بعد أن كانت سابقا سوريا والكويت وليبيا في مراحل سابقة وكأن التاريخ يعيد نفسه وتبقى السياسة الفاشلة سيدة الموقف، وقد يقول قائل إن الخلاف مع الإمارات لمصلحة الشعب الفلسطيني فالإجابة أن الإمارات لم تقم بأي إهانة للشعب الفلسطيني كما يقوم بها السيسي المجرم؛ ورغم ذلك فالمحاباة والتقرب منه على حساب الشعب ومعاناة الطلبة والعالقين والمرضى هي "موضة" السلطة وحركة فتح .
2-
عدم فهم الموازين جيدا؛ فالتدخل في الشأن الداخلي هو وسيلة خطيرة تمارسها حركة فتح تارة بحجة القومية وأخرى بحجة السلام، فحجة القومية كانت التهجم على مصر بقيادة الرئيس المنتخب محمد مرسي بل كانت غاية مستمرة لحركة فتح وتجاهل رأي مصر في كل مرحلة؛ وحينما جرى الانقلاب على الشرعية نشرت صور المجرم السيسي في كل الضفة وبات رمزا عربيا ومنهم من قدسه وجعله نبيا ورغم ذلك تجاهلهم ورجح كفة شخص على آخر رغم تقديم البعض مصلحته الشخصية على حساب الشعب؛ وهذا ما لم نجده لدى حركة حماس التي لم تهاجم يوما أي نظام عربي أو تتدخل في شأنها الداخلي فها هي الإمارات والسعودية ومصر وسوريا كلها تصدر بين الفينة والأخرى من مخابراتها تقارير تشير إلى عدم وجود تدخلات من حماس بل يسعى الكل إلى التقرب منها لأن سياسة اللعب على عدة خطوط غير موجودة في أجندتها وليست متلونة.
3-
محاولة قيادة حركة فتح أن توجد نتائج انتخابات في داخل الكيان الصهوني تخرج نتنياهو خارج اللعبة؛ فكان التدخل في تلك المرحلة مأساة أخرى أضيفت للمواطن الفلسطيني الذي عاد له نتنياهو بأغلبية الشارع الصهيوني وينتقم أضعاف ما كان عليه سابقا وذلك بسبب جهل وعدم قراءة للملفات من كل الزوايا ودخول أنفاق دبلوماسية ثبت عدم خبرة داخليها كل يوم.
4-
تطل علينا قيادة فتح وبعد كل مصالحة واجتماع بمزيد من التصعيد في الضفة الغربية فبعد أن كشف هدفها من حكومة التوافق التي تجاهلت غزة وأخفقت في الضفة؛ تصاعدت الاعتقالات السياسية التي هي أمنية بامتياز وكانت على حساب العلاقات الداخلية الفلسطينية وأيضا تعزيز للخلافات الفتحاوية الفتحاوية، فلن أستهجن ما تقوم به قيادة الحركة بحق الفصائل الأخرى لأنها أصلا منقسمة على ذاتها ليكون الإخفاق هنا مزدوجا؛ فالبيت الفتحاوي منقسم على حاله فكيف بقيادته أن تعطي مصالحة ومحبة وشراكة هي فاقدتها أصلا في بيتها ليسجل في كل يوم إخفاق جديد؛ والاستهجان فقط من صمت شباب الحركة الذين من المؤكد أن بينهم واعون ومحنكون طمستهم بعض الشخصيات حتى لا يختل ميزان الحسابات.
5-
المحافل الدولية .. حدث ولا حرج؛ فالإخفاقات لم تعد حكرا على العلاقات الداخلية الفلسطينية ولا حتى مع الأنظمة العربية وحتى التعامل مع ملف المفاوضات والسلام والتنسيق الأمني المجاني بل وصل الحال إلى تصفيق ورقص في جنازة، فالمحكمة الدولية والتقارير الحقوقية والانضمام إلى المنظمات الدولية يسمع عنه بين الفينة والأخرى ولا تُرى لتلك الفقاعات نتائج وكأن المطلوب "مسكن" للفلسطيني على الساحة الدولية حتى ينسى جراحه اليومية في معادلة "سوف" التي تتداولها قيادة الحركة في إطار ما بات يعرف بالمعارك "مصطلح يستخدم لتكبير التحركات وإخفاء الإخفاقات".. وكل هذا يدلل على عدم وجود قرار درست أبعاده ونتائجة محليا ودوليا بشأن الانضمام للمؤسسات الدولية وكأن القضية الفلسطينية كلها تحولت إلى مناورات وهمية .."مكانك قف".
هذه آخر الإخفاقات وليس أولها أو كلها ليكون المطلوب الآن أن يتحرك الشعب الفلسطيني ليقود بنفسه ويختار قيادته بعيدا عن ثوب الوطنية الممزق أو إسطوانه الطلقة المشروخة أو الحسابات الحزبية الضيقة؛ فالإخفاقات تتوالى وإن استمر البعض في خرق السفينة فسيغرق هو والساكت والمطبل والمعترض لأن البحر لا يرحم.