ثمرة انتصارات وانجازات

بقلم: عباس الجمعة

انتصار تموز هو انتصار استثنائي في ذاكرة الشعب اللبناني كما في ذاكرة الشعوب العربية والشعب الفلسطيني على وجه الخصوص،انتصار اثبت قدرة الانسان المؤمن بقضيته والمناضل في سبيلها على صنع المعجزات ومحاكات الاساطير، انتصار سيبقى محفورا في ذاكرة اللبنانيين والعرب من جهة وخيبة أمل في ذاكرة العدو الصهيوني من جهة ثانية .

لقد كتبت المقاومة هذا التاريخ باحرف من دم فكانت شهادة سيد الشهداء عباس الموسوي وقائد الانتصارين عماد مغنية ترسم المستقبل الى جانب صورة القائد الشيوعي الشهيد جورج حاويٍ مؤسس جبهة المقاومة وشهداء افواج المقاومة القادة محمد سعد وخليل جرادي وشهيدة الحزب القومي سناء محيدلي وشهداء الاحزاب والقوى الوطنية وكافة الشهداء صورة ناصعة البياض في تاريخ الأمة ، وافهمت من يهمهم الامر ان لبنان لن يكون مكسر عصا، وان هذا الانتصار الكبير الذي حققته المقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية بقيادة حزب الله، شكل أرضية لكل المقاومين في العام 2006، كما شكل قناعة لدى قوى المقاومة الفلسطينية على ارض فلسطين، أكثر من أي وقت مضى، أنه بالإمكان هزيمة هذا العدو الصهيوني وتحرير الارض واستعادة الحقوق، كما ساعد هذا الانجاز على صمود الشعب الفلسطيني وبطولاته في غزة والضفة والقدس.

مرت تسعة اعوام على انتصار تموز، انتصار بدأ من عملية الاسر البطولية عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، قرب عيتا الشعب ولم ينته الا برضوخ العدو لأطلاق الاسرى المقاومين من سجون الاحتلال، حيث شكل هذا الانتصار نقطة تحول في الصراع العربي الاسرائيلي، واحدث انقلابا سياسيا وعسكريا في كيان العدو الصهيوني، أما في لبنان فكشف عدوان تموز عظمة شعب قل نظيره، وصمود جبار لابناء القرى والبلدات المدمرة وصمود المقاومين الاسطوري ووكل هذه العوامل شكلت دافعا للانتصار الذي تحقق في الرابع عشر من آب العام 2006.

ان ما تعرض له لبنان عام 2006 ، وما يتعرض له شعب الجبارين من عدوان متواصل في الضفة الفلسطينية والقدس وغزة من حروب بهدف محاولة القضاء على مقاومة قد فشلت، لاننا على يقين بصمود المقاومة الوطنيه في لبنان و صمود وتضحيات شعب فلسطين الذي قاوم الغزوة والاستعمار وقدرتهم على الاستمرار في النضال والمقاومة وكافة اشكال العمل الدبلوماسي والسياسي وصولا لتحقيق السلام العادل والشامل وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ، لأن المعتدي والمحتل للحقوق لا يمكنه أن يرتدع إلا إذا شعر بأن الطرف الآخر قوي، ويسعى لمعادلة استراتيجية تعيد حقوقه وتحقق الأمن والسلام والاستقرار لشعوب المنطقة التي من حقها أن تعيش بسلام واستقرار وازدهاراً أسوة بشعوب العالم الأخرى. ‏

وامام كل ذلك اصبحت المقاومة اليوم تنال احترام العالم اجمع كجزء لا يتجزأ من المجتمع اللبناني الذي دافع عن كامل الارض اللبنانية ، حيث اكدت للعالم كيف ينتصر الدم والسيف بعقيدة راسخة وإيمان ثابت وانضباط وقدرة وعقلانية ستقضي على ذاك الاحتلال المتفاخر , واثبتت المقاومة أنها قادرة على صنع النصر في مواجهة الهجمة الاستعمارية الارهابيه التي تطال المنطقة وهي ترفع راية النضال مهما كلفها ذلك من ثمن وتضحيات .

لقد قلبت حرب تموز كل الموازين والمعادلات وأعلنت أن زمن الهزائم قد ولى وبدأ زمن الانتصارات ومنذ تلك اللحظة بدء العمل لضرب محور المقاومة لكن إرادة المقاومين انتصرت.

ومع انتصار تموز يتحقق انتصار اخر تاريخي ليس فقط بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية والشعب الإيراني إنما هو انتصار لارادة الشعوب ولكل مقاوم على امتداد المساحة الجغرافية للعالم، وهذا الانتصار اتى بعد سنوات من الحصار والضغوط الاقتصادية والسياسية ، وهنا لابد لنا من التنويه إلى الدور الذي لعبته الدبلوماسية الإيرانية خلال السنوات الماضية حول ملف قوي ومفاوضات من موقع القوة فهذه هي الوسيلة الأفضل ، حيث حققت ايران جراء الاتفاق رفع للعقوبات المالية والاقتصادية عن المؤسسات والشركات الإيرانية واعتراف بحق إيران بالاستفادة من الطاقة النووية وتقنياتها واسترجاع لمئات المليارات من الدولارات المجمدة بالخارج إضافة لرفع العقوبات عن شراء قطع التبديل للطائرات المدنية والسماح للطلبة الإيرانيين من متابعة أبحاثهم النووية السلمية بالخارج كما رفع عقوبات كانت تمنع حسن سير النشاط الاقتصادي الإيراني وخاصة النفط والغاز وغيرها.

من هنا نرى ان إنتصار إيران يعود بالأساس لإنتصار المقاومة في لبنان ، وانتصار وصمود الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس و غزة، ولصمود قوى وشعوب المنطقة في مواجهة مشروع التقسيم ، حيث يسجل التاريخ إنتصار الحق، وكم هو جميل هذا الحصاد، إنه عصر جديد يسجل لصالح القضايا العادلة،فلم تذهب التضحيات دون مقابل،حيث

دخلت إيران النادي النووي من أوسع أبوابه وما يحصل يمثل تحولات جذرية تستحق استراتيجيات جدية بعيدة المدى، إنها صفحة أمل جديدة ولحظة تاريخية تمهد الطريق أمام فصل جديد في العلاقات الدولية

لهذا فأن انتصار تموز عام 2006 وانتصار ايران عام 2015 ، يشكلان إنتصارا كبيرا لكل قوى حركة التحرر في مواجهة القوى الاستعمارية والارهابيه التكفيرية التي تدعمها القوى الامبريالية وكيان العدو “إسرائيل” ومَن معهما ومَن يشاركهما من قوى التيه في المنطقة والعالم. لهذا فنحن نثمن دعوة إيران الأخوة العرب لمواجهة التحديات المشتركة والماثلة في المنطقة، هي دعوة صادقة وصريحة وصائبة من أجل عملية مراجعة جريئة هدفها توحيد طاقات الأمة خدمة لقضاياها وفي مقدمتها القضية المركزية فلسطين ، بهدف تحديد مصير المنطقة بعد أن رجحت الكفة لصالح تحكيم العقل والإستفادة من القدرات الإيرانية في محاربة الإرهاب وحشد الطاقات الإقتصادية في مواجهة الأزمات، وخاصة مأزق الدول التي راهنت على العدوان هو ما دفع الى هذا المسار.

ان الشعب الفلسطيني العظيم صانع الثورات والانتفاضات وصاحب السجل الاسطوري في الصمود أمام أسوأ وأبشع عدو عرفته البشرية وعرفه التاريخ المعاصر، هذا العدو الذي لا يتورع عن ارتكاب المجازر ومواصلة العدوان ونهب الأرض وإقامة وتوسيع المستوطنات وتهويد مدينة القدس، مدينة المدائن ودرة تاج رأس الأمة، ومواصلة سياسة الاعتقال بحق ابناء الشعب الأعزل، يؤكد لنا ان المفاوضات لم تكن خيار الشعب الفلسطيني اذا لم تستند الى اشكال النضال المختلفة من اجل تغير الموازين ،لان الكيان الاسرائيلي وحكوماته المختلفة لم تأخذ يوماً قراراً استراتيجياً بالسلام، وإن انتظار تحقيق الاستقلال الوطني بموافقة حكومة الاحتلال ما هو إلا وهم، والاستقلال الوطني للشعوب يتم انتزاعه بالتضحيات والمقاومة والصمود والكفاح، وان الاستقلال الوطني ننتزعه ولا ننتظره، و الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية لن يجدي نفعاً، فهي ليست راعية للسلام وأنما راعية للإحتلال الاسرائيلي والعدوان والاستيطان.

ان شعبنا الذي فرح لفرح الشعب اللبناني بانتصاره في حرب تموز وللشعب الايراني بانتصاره في فيينا ، لهو قادر على انتزاع حقوقه الوطنية ، وهذا يتطلب من جميع القوى والفصائل والشخصيات الوطنية العمل على انهاء حالة الانقسام المدمر والمخجل والمخزي، وانجاز المصالحة الوطنية الحقيقية باعتبارها القاسم المشترك لشعبنا وفصائله الوطنية والاسلامية، وضرورة مواصلة طريق المقاومة بكافة اشكالها ، والعمل من أجل مزيد من تحقيق الانجازات والمكاسب والاعتراف الدولي بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، ومواصلة العمل لمزيد من العزلة على اسرائيل على المستوى الدولي والرسمي والشعبي وعلى كافة المستويات والمجالات، وكذلك مواصلة حملة مقاطعة المنتجات الاسرائيلية بشكل شامل وعدم اقتصارها على منتجات المستوطنات .

ان التاريخ يصنعه ابطال المقاومة وتضحيات الشعوب سيبقى عنوان التحدي والإرادة التي تهزم الاحتلال ، والشعب الفلسطيني قادر على الانتصار من خلال إصرار وإرادة شعب قدم قوافل كبيرة من الشهداء وخاض اعنف المعارك من اجل نيل الحرية والتصدي للمحتل، من خلال مسيرة نضالية لم تتوقف حتى تحقيق النصر قي هذا الزمن العربي الرديء .

نحن اليوم أمام فرصة تاريخية نادرة للنهوض والتمسك بكافة اشكال النضال، ونتطلع الى قيام أوسع جبهة شعبية عربية وعالمية، تجمع القوى الحية لجماهير أمتنا العربية من أحزاب، ونقابات، واتحادات، وممثلي المجتمع المدني ومن احرار العالم من مثقفين وشخصيات ، لتشكيل حاضنة، ودعم لرأس الحربة التي تتجسد بنضال شعبنا ومقاومته الباسلة، لتتحرك كل الطاقات الكامنة، والإبداعية لدى جماهير أمتنا العربية واحرار العالم في كل مكان بأوسع حراك شعبي للدفاع عن فلسطين والقدس وعزتها في مواجهة المخطط الأمريكي- الصهيوني الظالم.

وفي ظل هذه الانتصارات نؤكد انه من كوبا إلى إيران وقريباً فلسطين ومروراً بدمشق وبغداد، يمكن القول إن خيارات الشعوب سوف تنتصر على قوى الارهاب والاحتلال مهما غلت التضحيات ، لأن نتائج اتفاق فيينا سيضع الحكومات على محك اختبار مكافحة الإرهاب من جهة، وتحسين العلاقات بين الدول والشعوب بعيداً عن العنف والتطرف من جهة ثانية، وهذا يستدعي من جميع الدول ان تبادر إلى حصد النتائج الإيجابية لهذا الاتفاق، وأن ننظر بعين الاعتبار إلى الدول الغربيه ونظرتها إلى إيران بعد ان أثبتت الوقائع أنها لاعب جيد وناجح، فاستطاعت بمفردها أن تنجح في حوار الدول العظمى، صحيح أن الاتفاق اقتصر على الموضوع النووي، وإن كان البعض يرى أنه يتضمن إرهاصات وإشارات بشأن اتفاقات سياسية قادمة، ولاسيما حول ملف مكافحة الإرهاب، لكن هذا لايعني أنه سيكون عديم التأثير في أزمات المنطقة، على العكس فإن اتفاقاً بهذا الوزن التاريخي ، من الطبيعي أن يشكل المدخل لحل أزمات المنطقة، بل وفي صياغة المشهد السياسي الجديد في المنطقة والعالم.

ختاما :لا بد من القول سيبقى شهداؤنا عنوان تاريخنا و طليعة انتصاراتنا ،وهم الجزء الأكثر إشراقاً في هذا التاريخ ، وان انتصاراتنا تشكل علامة فارقة في تاريخ صراعنا مع العدو الصهيوني الذي أصبح عاجزاً عن تحقيق أي هدف وبات همه محصوراً في كيفية الحفاظ على كيانه المهدد بالزوال، لان ارادة الشعب الفلسطيني ومعه كل احرار العالم وشرفاء الامة قادرة على هزيمة الاحتلال وتحرير الارض والانسان.

بقلم/ عباس الجمعه