عصفورين بحجر واحد، تمكن المفاوض الايراني من اصطيادهما في مفاوضاته مع "السداسية الدولية"، أوما يمكن تسميتها بالمجتمع الدولي الفعلي والمقرر، فقد تمكنت ايران من دخول النادي الدولي النووي وحافظت على القاعدة العلمية والتكنولوجية النووية وانقذتها من مخططات التدمير والاقتلاع، فضلا عن رفع الحصار الاقتصادي في سياق انتزاعها اعترافا دوليا شاملا بشرعية نظامها السياسي، الذي اقامته في اعقاب الثورة الاسلامية في ينايرعام 1979، التي اطاحت بآخر ملوك ايران محمد رضا بهلوي، الذي عرف بصداقته القوية مع اسرائيل وبتبعيته الشديدة للولايات المتحدة.
وهي ثورة حظيت عن جدارة، بعداء الادارات المتتالية للولايات المتحدة الامريكية، التي لم تترك وسيلة منذ ما يناهز اربعة عقود الا واستخدمتها بهدف تقويضها ونظامها السياسي، الذي لم يشغله شاغل عن ارساء دعائم نظامه الامني والمادي والمعنوي وعن ترسيخ وحدته ونفوذه الاقليمي والدولي، ما احبط مخططات اعدائه المستميتة وبخاصة الامبريالية الامريكية، التي تيقّنت بعد تجربة غزوها المريرة للعراق في آذار 2003 و بعد هزيمة الجيش والكيان الاسرائيلي في حربه على لبنان في تموز 2006 للقضاء على حزب الله، من عقم اية مقامرة عسكرية اسرائيلية اوامريكية جديدة، ومن غباء وخطورة مجاراة مطالب حكام تل ابيب، الذين درجوا على توظيف الغرب الاستعماري وعولمته وليبراليته المتوحشه واستغلال " الأغيار " في خدمة مشروعهم الصهيوني.
لم ينه الاتفاق النووي، الصراع الامريكي الايراني ولن ينهيه طالما استمرت ايران في عدائها ل "بيت العنكبوت"، انما اضطرت الادارة الامريكية للمساومة واللجوء الى خوض صراعها بوسائل امنية واقتصادية وثقافية جديدة لا تقل خطورة عن سابقاتها او تقلل من دعم التفوق النوعي العسكري لاسرائيل، وذلك لتأخير ولجم وتجويف المشروع النووي بالتمهيد لانتصار الدولة على الثورة في ايران. مساومة لم يتبق بعدها امام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، من كثير وقت "للّعب بالبيضة والحجر" قبل ان يلتحق ببقية قطيع الراعي الامريكي، الذي يعلم علم اليقين ويرى بأم عينه، بأن ما سمي بنظام "بوش" العالمي الجديد وعالم القطب الاوحد في طريقه الى الزوال.
لقد اثبت المفاوض الايراني انتهاء صلاحية وبطلان نظرية الذّنَب الذي يوجّه الرأس، فعلى عكسها تماما، ادارت الرئاسة الامريكية ظهرها على نحو صريح لدولة الاحتلال وجلَبة حكومة نتنياهو بخصوص الاتفاق، نزولا عند المصالح العليا للولايات المتحدة الامريكية، في لحظة باتت فيها هذه المصالح مهددة ومعرضة للخطر، اذا استمرت الادارة الامريكية في استنساخ سياسة دولة الاحتلال، الرامية للحفاظ على مكانتها بأي ثمن، بوصفها الدولة الاقليمية العظمى الصاعدة، في ظل الاحتراب والتناحر العربي والمذهبي من جهة والنبذ والحصار الدولي الخانق للجمهورية الايرانية من جهة اخرى.
انه لدرس تاريخي ينبغي ان يتعظ به العرب قبل غيرهم، ولعلّه من الواجب ان نتعلم بتجربتنا الذاتية المعمدة بالنار والدمار والمضمخة بالدم والدموع، الاعتماد والرهان على بناء واحترام الذات والكرامة الوطنية والقومية وتعديل موازين القوى قبل كل شيء، وترسيخ الاستقلال الوطني والقواسم المشتركة والأخوة بين الشعوب العربية والاسلامية والمواطنين العرب واشقائهم من كافة المنابت والاصول القومية، وتحريم وتجريم الخلط بين العدو والصديق.
وهو هدف يتعذر بلوغه دون ادراك صارم وقرار جازم، من القوى والدول الوطنية الحية والرائدة في عالمنا العربي وفي المقدمة جمهورية مصر العربية، بولوج درب الديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية، والانخراط في بناء الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية بوصفها قانون التطور الحالي الممكن والاجباري للبلدان العربية، وفي المقاومة لتحرير الاراضي العربية المحتلة ونصرة القضية الفلسطينية باعتبارها قضية ومعركة العرب المركزية ورافعة شأنهم وجامعة شملهم، وانتصارها شرط تحررهم وانعتاقهم الاجتماعي والقومي والانساني من براثن الثالوث الامبريالي الصهيوني الرجعي، وشرط بناء وترسيخ دورا قياديا لهم في إقليم جديد، وكوْن متعدد الاقطاب يرفض التفرد والاقصاء والارهاب والتكفير، ويتسم بقدر اكبر من العدالة والديمقراطية، يسطع ضوءه وتلوح بشائره من كوبا وموسكو وبكين، في مدار المجموعة الجديدة لدول البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون،التي يجب ان لا نتخلف عن نيل عضويتها.
بقلم/ عمر شحادة