مع تفاقم الازمات في المشهد الفلسطيني الراهن ، السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية التي باتت تعصف بمكونات الشعب الفلسطيني وتهدد بالمزيد من مظاهر التفسخ والتفكك لوحدته الوطنية وتماسكه الداخلي، وفي ظل استمرار المحاولات الجارية من قبل البعض لفصل قطاع غزة عن الضفة ، وامام المحاولات التي تجري لالغاء دور وكالة الانروا من خلال انهاء خدماتها تحت حجج واهية بهدف الوصول لشطب حق العودة ، الأمر الذي يثير مظاهر القلق والإحباط ومؤشرات اليأس في قطاعات واسعة من جماهير شعبنا من ناحية ودفع قضيتنا الوطنية وحقوق شعبنا وآماله في الحرية والاستقلال والعودة إلى شبه طريق مسدود من ناحية ثانية، ومع وصول هذه الحالة الى ما يجري من محاولات لفرض قوى ظلامية في مخيم عين الحلوة لاخذ المخيم الى جهة مجهولة متزامنا مع ما ينشر من وجود للقوى الارهابيه المسماة بداعش في غزة ، وتوزيع منشورات في القدس، مما يترك من مخاوف ستؤدي الى انهيار مجتمعي وسياسي، وهذا سيؤكد على الخطر الذي حذرنا منه ويمكن أن يؤدي إلى تكريس الرؤية والمخطط الصهيوني الأمريكي صوب مزيد من الهيمنة والتحكم بمصير قضيتنا وشعبنا.
من هنا نعيد موقفنا الثابت من خطورة هذه الاوضاع ، وآثاره الضارة التي تتجلى في المزيد من أشكال المعاناة والبطالة والإفقار التي تهدد أبناء شعبنا الفقراء بحرمانهم من لقمة عيشهم في ظروف بات شعبنا معها ، محبطاً أو فاقداً للأمل من طرح قضاياه المصيرية والأساسية ، بسبب استمرار همجية وغطرسة الاحتلال الصهيوني من جهة وبسبب تفاقم المأزق الداخلي واستمرار الانقسام الكارثي من جهة ثانية، وهو صراع لم يعد مشغولاً بالقضايا المصيرية، السياسية منها أو المجتمعية والمطلبية بنفس مقدار انشغاله بالرؤى والمصالح الفئوية والتنظيمية من ناحية أو انشغاله بكيفية التشبث بالسلطة كهدف في حد ذاته.
فما تعانيه القضية الفلسطينية في الآونة الأخيرة نتيجة سياسة التلاعب بالمواقف واللعب على حبل سياسة التضليل والكذب التي اتبعها بعض القوى الغارقة بمشروع الاخوان المسلمين، فإن هذا الشعب سيعاني من سنوات أخرى عجاف لا تقل ألما عن العقود السابقة والتي يدير فيها الاحتلال الصهيوني حرب الابادة والتنكيل وكسر العظم.
ان مشروع الإسلام السياسي هو مشروع بديل من وجهة نظر أصحابه لكل من المشروع الوطني ، وبالتالي فهو جزء من مشروع الأخوان السياسي على المستوى العربي الإقليمي لحركة الإخوان المسلمين، وهو مشروع بحكم المكونات الطبقية أو الاجتماعية والاقتصادية لهيئاته القيادية والوسطى، لا يتناقض في جوهره مع السياسات الاقتصادية الأمريكية، الأمر الذي سيهدد بالضرورة، مجمل النظام السياسي الفلسطيني، وثوابته الوطنية التي عرفناها في إطار م.ت.ف منذ عام 1964 لحساب مشروع أو هوية بديلة .
أمام هذا المشهد غير المتجانس لا بد من إعمال الفكر بالدراسة حوله المعمقة والتحليل المقارن للوقوف على فهم منطقي وإدراك سليم للحيثيات والحقائق على أرض الواقع… فمن خلال ذلك يحضرنا تساؤل واستفسار، ألا وهو، ما هو الهدف الأساسي من خلق هذه الفوضى الخلّاقةالتي ارادة الادارة الامريكية تعميمه على المنطقة ، وما هذا السلاح الفتاك للوصول إلى الهدف المنشود؟
فالهدف الاساسي هو تفتيت وتجزئة العالم العربي كافة، والعمل على السيطرة المباشرة على دول المنطقة كافة، وذلك خدمة لأمن كيان الاحتلال في المنطقة، وأما السلاح الفتاك فهو الإعلام الذي لعب الدور الأكبر في الثورات المزعومة أو ما يسمى بـ "الربيع العربي"، فنشأت الفضائيات العديدة والموظفة للتأثير فيها وكان منها الفضائيات الخليجية، والفضائيات الأجنبية، والأجنبية الناطقة بالعربية، الفاعل الحقيقي لنشر الفوضى التي كانت مجهزة للسيطرة على العالم العربي كافة وذلك بأياد صهيونية تحركها كما تشاء وكيفما تشاء خدمة لمصالحها وأمنها في المنطقة، من خلال تفتيت المنطقة العربية الى كانتونات طائفية ومذهبيه واثنيه وقبائليه وعشائرية وتدميرها ونهب خيراتها وضمان التطبيع مع كيان الاحتلال وتصفية الحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني .
إن هذه البديهيات تدعونا لإعادة بناء رؤيتنا ودورنا المستقبلي، انطلاقاً من قناعاتنا بأن النظام السياسي العربي في واقعه الحالي من الخضوع والتبعية والارتهان والتخلف لن يتمكن من الاستمرار، وان التغيير في المدى القريب والمتوسط قد يتحقق ولكن باتجاه أهداف مغايرة لأهدافنا، وباتجاه مشهد جديد يحمل أفكاراً وبرامج نقيضة لأفكارنا وبرامجنا، مما يستدعي منا استنهاض طاقات جميع الفصائل والقوى الوطنيه والديمقراطيه، في مواجهة ما يجري واعادة توجيه دفة حركة التحرر الوطني الفلسطيني باتجاه أهدافنا ورؤيتنا ليس في الإطار الوطني الفلسطيني فحسب بل في إطار تعزيز وتطوير العلاقة مع الاحزاب والقوى التقدمية والقومية العربيه وقوى الاسلام التنويري الكفيلة وحدها بإزاحة كل عوامل الهزيمة واستنهاض الجماهير الشعبية من اجل الوصول الى تحقيق اهداف شعبنا في الحرية والاستقلال والعودة وتحقيق أهداف الشعوب العربيه في التحرر والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والتقدم.
وفي ظل هذه الظروف نؤكد على ضرورة ان تكون هناك مراجعة سياسية لدى جميع القوى والاتفاق ورسم سياسة للمستقبل، وقراءة للمعطيات الجديدة ومصلحة الوضع الفلسطيني، وكيف يمكن تحقيقها، في ظل محاولات البعض في استمرار سياسة الانقسام ، هذا ما يجب ان يراه كل فصيل او حزب او سياسي فلسطيني، حتى نبحث عن أجوبة للواقع الفلسطيني القائم ، لأن المواطن الفلسطيني بدأ تدريجيا يفقد ثقته في القوى والفصائل والمؤسسات السياسية والاهلية الفلسطينية، هذا ما هو ظاهر وبارز الآن، هناك من يتعامل مع اانطلاقا من موقع المنفعة وليس من موقع السياسة المتكاملة في مواجهة الاحتلال بسياسته الشاملة، بدون ان يتوحد الوضع الفلسطيني، هناك شكوك في امكانية تحقيق الهدف الفلسطيني بإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وإنجاز الاستقلال.
ان سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير ما زالت موجودة في السياسة الدولية، وهذا الامر يتطلب تعزيز الوحدة الوطنيه وتوظيف عناصر القوة الفلسطينية والعربية وعناصر الصمود وتوحيدها سياسيا للضغط علي المجتمع الدولي ولمواجهة السياسة الاسرائيلية، اذا توحدت هذه العناصر فمن الممكن ان ينشا شيء آخر لا نعلم ما هو بالضبط، لكن هذه العناصر هي التي تجيب علي معطيات السؤال وعلي ازدواجية المعايير وتضع الازدواجية في مكانها الصحيح، الآن مطلوب معالجة الموضوع معالجة مختلفة، القضية الفلسطينية باتت حتي الآن، القضية الوحيدة منذ سبعة ستين سنة، وقضية الاستعمار وحق تقرير مصير لشعب وشرعية دولية لم تحل، هناك مجموعة عناصر تساعد العرب والفلسطينيين في التحرك السياسي وابرزها اتفاق فيينا، مما يستدعي تعزيز الجهود لخدمة هذا الموقف بأكثر من مكان علي المستوي الدولي والاقليمي ، مما يتطلب تعزيز العلاقات الفلسطينية الإيرانية ، فلا يعقل إهمال دولة بحجم إيران
في ظل دورها المتنامي في المنطقة والإقليم وعدائها لإسرائيل، وخاصة ان بعض دول الخليج لها علاقاتها، خصوصًا الاقتصادية، مع إيران وهي أكثر من جيدة، وخاصة ان هناك تداعيات للإتفاق النووي الإيراني ستكون كبيرة في المنطقة على المستوى الإقليمي والعربي.
ختاما : يبقى الأمل في شعوب المنطقة بأن تنتفض على الإرهاب وتدعم قوى المقاومة التي ما زالت تواجه المشروع الامبريالي الصهيوني الرجعي التكفيري في المنطقة وتحقق انتصارات رغم التعتيم الإعلامي وتجاهل المجتمع الدولي لهذه الحرب التي تخوضها هذه القوى بالنيابة عن العالم ، والسعي من اجل حماية المشروع الوطني لصيانة الدور الانساني الكامن في قضية اللاجئ الفلسطيني وقيمة هذا الدور كعامل مثبّت للحقوق الفلسطينية والعربية ، ولصمود الشعب الفلسطيني وخاصة اللاجئون الذين رفضوا جميع المساعي والمشاريع التي كان يشتم منها روائح توطينه، والتمسك بالمخيم وبرمزيته الوطنية ولما يشكله من عنوان للنضال الفلسطيني حتى العودة وتحرير الارض والانسان .
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي