ما بين "فورة " الدم .....وثقافة "الروسلوجي"

بقلم: راسم عبيدات

هذا المصطلح او المفهوم "فورة " الدم ما زال يعمل به في المجتمعات التي تعيش ازمات اجتماعية عميقة،وكذلك تعيش في علاقاتها الإجتماعية "الإنتاجية" رغم مرحلة الحداثة التي يمر بها المجتمع ضمن علاقات عشائرية وقبلية وإقطاعية،أي المجتمعات المتخلفة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا فتدنى علاقات الانتاج يعكس نفسه على العلاقات الاجتماعية في المجتمع...و"فورة" الدم مرتبطة بمواريث ثقافية لها علاقة بالسمعة والصيت وشرف العائلة..الخ.
المهم "فورة" الدم،والتي تعني قيام اهل وحمولة أو عشيرة القاتل او حتى المضروب بممارسة عنف "رعاعي" جماعي ضد ليس عائلة القاتل فقط، وبما يطال الأبرياء منهم،بل يمتد ليطال احياناً عابري السبيل والمارة.وحتى من يتدخلون ل"لإصلاح ذات البين" من "وجوه الخير" ورجالات العشائر.والرعاع العنفي الجماعي،لم يعد يقتصر على ذلك،بل يتعداه للتعدي بالحرق والتدمير والنهب للمؤسسات والمحلات تجارية والبيوت ليس فقط من تتبع لعائلة أو حمولة او عشيرة القتيل،بل تطال مؤسسات عامة ورسمية...الخ، و"فورة الدم حسب العرف والتقليد العشائري لا تجري المحاسبة عليها،ولا يتضمنها القضاء العشائري،فهي تشريع وترخيص للرعاع القبلي والعشائري او الطائفي بممارسة عنفه الهمجي ليحرق ويدمر ويقتل ويعبث بكل شيء.
في ظل غياب وانعدام القانون وهيمنة المؤسسات الاجتماعية وبالذات القضاء العشائري على ذلك،فلا بد من اجراء مراجعة شاملة لهذا المفهوم او المصطلح،حيث نشهد تنامي حالة ما يسمى ب"فورة" الدم في ظل أزمة اجتماعية شاملة،يأخذ فيها العنف و"الفوران" أشكال غير مألوفة،ارتباطاً بجهل وتخلف وتدني مستوى الوعي وسيادة ثقافة الدروشة والشعوذة وغيرها.
في شهر رمضان الفضيل اندلع حوالي (1000)شجار خلفت خلفها اكثر من (8) قتلى واكثر من (200) جريح،وكانت تلك الشجارات الجماعية تندلع على أسباب "تافهة" وليست ذات قيمة،ويمكن حلها بسهولة او بساطة،لو كان هناك وعي وانتماء وقيم،فتلك الشجارات المندلعة على خلفية نزاع على قطعة أرض او أولوية مرور او وقوف،او مشادة كلامية أوألفاظ جارحة وخادشة للحياء،تاتي في سياق تفكك وتحلل النسيج والبنية المجتمعية،وتدمير القيم وغياب الوازع الديني والوطني،وسيادة مفاهيم العشائرية والقبلية وثقافة الدروشة والشعوذة والبلطجة والإستقواء والإستزلام ،ومفهوم "أنا واخوي على ابن عمي" و"انا وابن عمي عالغريب"،تلك المفاهيم التي تكرس العشائرية والقبلية.
إن مظاهر العنف المرافقة للشجارات الجماعية،أصبحت تشكل خطر جدي وحقيقي على السلم الأهلي والمجتمعي،وهي تدق ناقوس الخطر امام كل الجهات المسؤولة رسمية وشعبية،بأنه بدون معالجات جدية وحقيقية لأسباب ومظاهر تلك الظواهر والسلوكيات،عبر اتخاذ عقوبات رادعة ومحاسبة جدية،يكون فيها القانون هو سيد الموقف،وليس سياسة "الطبطبة" و"لفلفة الطابق" و"فنجان القهوة" صاحب الحل السحري،فإن تلك المظاهر والظواهر اخذة في التوسع والإنتشار،وبما ينذر بحالة فلتان واسعة،وحياة اجتماعية يسيطر عليها البلطجية والزعران والمليشيات.
وأساس العلاج يبدأ بالتربية والتوعية في البيت والمدرسة والمؤسسة الدينية والمجتمعية والخطاب الديني والسياسي والمجتمعي،ونشر قيم التسامح والتعددية واحترام الاخر ومعتقداته.
وبالنسبة لما يسمى ب"فورة " الدم يجب ان يكون هناك مؤتمرات شعبية وجماهيرية مناطقية وعلى مستوى الوطن،لحماية السلم الأهلي والمجتمعي،يخرج عنها وثائق شرف وغيرها،تؤكد على إلغاء العمل بما يسمى ب"فورة " الدم،واعتبار ذلك جريمة يجب المحاسبة بشكل رادع عليها،وما دون ذلك فهي تشريع لأهل المعتدى عليهم لأخذ القانون بأيديهم،والقيام باعمال قتل وحرق ونهب وتدمير بدون حساب.
أما ثقافة أو علم "الروسلوجي"،أي تقطيع الرؤوس،فهو خاص بالجماعات الدينية الإسلامية المتطرفة، من "القاعدة" ومتفرعاتها "داعش" و"النصرة" وما يسمى ب" السلفية الجهادية".
فمن كل علوم الدنيا.والتي وجدت لاْسعاد الاْنسان.لم يتعلموا الا
كيف تقطع الراْس .ومن العلوم الدينية (القران والسنه ).لم يتعلموا حرام
ولا يجوز .انما فقط علمهم كل شيء مباح.
وهذه الجماعات التي تمارس مثل هذا النهج او السلوك،هو نتاج لبيئة معينة،وهو وليد فكر فقه البداوة، وفكر الكهوف والسجون"طورا بورا " و "غوانتانمو"،ووليدة إحدى القراءات الإسلامية المتطرفة التي لا تعترف بالاخر من المذاهب والمدارس الدينية والديانات الأخرى،إدعاء بإمتلاك الحقيقة المطلقة،وكل من يخالف فكرهم ورأيهم يستحق القتل.
صحيح انها نتاج فشل الأنظمة العربية في بناء الدولة العربية الحديثة،دولة كل مواطنيها،وسيادة القمع والإستبداد والديكتاتورية وغياب الحريات والديمقراطية والمشاركة في الحكم والقرار،وكذلك تعمق مفاهيم الجهل والتخلف،وارتفاع نسبة الفقر والبطالة،وغياب الوعي وسيادة ثقافة الدروشة والشعوذة..الخ.
ولكن هذه الثقافة ما كان لها أن تنمو وتتوسع،لو لم تجد لها بيئة وحواضن،تمدها بكل مقومات الوجود والقوة،وتعمل على نشر فكرها وثقافتها،عبر الخطابين الديني والإعلامي،وبناء مؤسسات دينية ومجتمعية وإغاثية لحملة مثل هذه الأفكار والمفاهيم،تمارس دورها في إستغلال جهل وبساطة وحاجة الناس لنشر أفكارها ومعتقداتها.
العنف المصاحب للشجارات و"الطوش" الجماعية والإحتراب العشائري والقبلي،وكذلك ما تقوم به العصابات التكفيرية والإجرامية من تفنن في عمليات الذبح والقتل،والتي تاخذ أبعاداً مذهبية وطائفية،الأولى من شأنها ان تترك تأثيراتها السلبية على السلم الأهلي والمجتمعي،وتفكك المجتمع الى وحدات إجتماعية قبلية وعشائرية وطائفية،والثانية تعمل على تجزءة وتقسيم وتفتيت وتذرير الجغرافيا العربية وإعادة تركيبها خدمة لمشاريع استعمارية مشبوهة على أسس التخوم المذهبية والطائفية،وتدخل المجتمعات العربية في معارك وحروب تدمير ذاتي منهكة ومدمرة.
إن حماية السلم الأهلي والمجتمعي،وصيانة وحدة الدول والمجتمعات العربية من التفتيت والتفكك،يتطلب القضاء على مثل هذه الظواهر،وهذه الجماعات،بحيث يجري إجتثاثها وإستئصالها بضرب حواضنها والبيئة التي تغذيها وتوفر لها الدعم والوجود.

بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين

24/7/2015
0524533879
[email protected]