الحلقة الثانية.. الصراع الفكري، وحلم الخلافة الإسلامية

بقلم: طلعت الصفدي

هل يمكن للزمان أن يعود إلى الوراء.... خلفا در؟؟ هل يمكن للأحداث والوقائع التاريخية التي مضى على حدوثها عشرات القرون، أن تتكرر بنفس الوتيرة والشخوص، بعد أن تحولت صراعاتها وحروبها ،وفتنها إلى جزء من التاريخ والثقافة الإسلامية، نستلهم من ذكراها الدروس والعبر؟؟ هل الوعي الاجتماعي انعكاسا للواقع الاجتماعي ؟؟ صحيح أن الحاضر هو امتداد للماضي، والمستقبل هو امتداد للحاضر، وأن حركة التاريخ، تتواصل دون انقطاع، فصيرورة الحياة وقوانينها أبدية في حركتها وتطورها .
إن الزمان والمكان هما الشكل الموضوعي لوجود الأرض حتى قبل ملايين السنين من نشوء الإنسان، فالظواهر الطبيعية هي نتاج تفاعلات المادة وحركتها، ومع تطور البشرية وانتقالها من الحالة السلبية بسبب قصورها عن فك طلاسم أسرار الكون، إلى الحالة الإيجابية بسبب امتلاكها المعرفة والخبرة، خصوصا بعد مرور المجتمعات البشرية بمراحل من التطور والمعرفة. وللحفاظ على الوجود الطبيعي للإنسان، فقد خاض الإنسان صراعا مريرا مع الظواهر الطبيعة، وتبادل معها التأثير، ومع أخيه الإنسان، وحاول التفكير في أسباب تطور المجتمع البشري رغم افتقاره للتجربة، والمعارف العلمية، لكنه أصر على البحث لمعرفة سر الوجود والحياة، ومحاولا سبر أغوار ظواهرها وتبدلاتها، مما دفعه في البداية للوقوع فريسة للتفسيرات الغيبية.
إن كافة الأحداث والتطورات تجري في اتجاه واحد ووحيد من الماضي إلى الحاضر ومنه إلى المستقبل، فالزمن لا يمكن أن يعود القهقرى ولن يكون كآلة الزمان، كما لا يمكن إرجاع العمليات إلى الوراء زمنيا، وان أية محاولة لإعادة الزمن إلى الوراء مستحيلة، ومحاولة نسخ التاريخ الذي مضى عليه آلاف السنين غير واقعية، وتصوير الواقع الحالي بصورة الماضي هي رؤية عبثية لن يكتب لها النجاح، لأنها تتناقض مع التطور والتغيير والحركة الدائمة وامتلاك الإنسان العقل والمعرفة ... ولهذا فان محاولات الإسلام السياسي بكل تلاوينه وتفرعاته، تصعيد لهجته في هذه المرحلة الحساسة، ومعهم كافة المتأسلمين والأصوليين والمتطرفين والتكفيريين، بالعودة القسرية والدموية إلى دولة الخلافة الإسلامية، تتنافى مع المنطق، ولا تستقيم مع حركة المجتمع والحياة، فالتجارب الإنسانية، والتطورات الهائلة التي رافقت البشرية، تؤكد بفشل كل المحاولات لتضليل الشباب باعتبار دولة الخلافة، فريضة لا يكتمل إسلام المسلمين إلا بقيامها، وان نزوعهم لتسييس الدين بالعنف والقتل والإرهاب والتعصب المقيت، تكشف حقيقتهم ودوافعهم، وتناقضهم مع القرآن الكريم ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن ....) كما تتناقض مع القوانين الوضعية التي أكدت عليها، وأقرتها كافة القوانين الإنسانية، ومواثيق الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان التي أكدت على حرية الرأي والتعبير والمعتقد، ورفضها للدولة الدينية الشمولية.
إن محاولات القفز على الواقع، والاختباء وراء عباءة الدين والتطرف الديني، وتشويه تاريخ البشرية، ومحاولات مفكريهم تقسيم الشعوب إلى مجتمعات كافرة وأخرى إسلامية، وتجاهل الطفرة الهائلة في المعارف والاكتشافات في كل ميادين العلم والمعرفة والتكنولوجيا، وتطور وسائل الاتصالات الحديثة التي تحولت بيد كل مواطن في الكرة الأرضية، وامتلاك الدول الكبرى لأسلحة الدمار الشامل، بما فيها القنابل النووية، تستطيع أن تدمر العالم عدة مرات وتحيلها إلى جحيم، وتفني البشرية وحضاراتها، كأن ساعة القيامة حلت. وللحفاظ على البشرية المتحضرة، أصدرت قوانين وتشريعات للحفاظ على كرامة الإنسان وحقوقه العامة والخاصة، بغض النظر عن اللون والدين والجنس. إن شعارات الإسلام السياسي، وممارساتهم الفاشية على الأرض، تشكل تطرفا إرهابيا خطرا على الشعوب العربية ووجودها وحضارتها، تمهد الطريق لتفتيت وتقسيم الدول والشعوب العربية والإسلامية، وتحويلها إلى بؤر للصراعات الطائفية والمذهبية بين أبناء الوطن الواحد .... الخ .
لقد شهدت مصر في مطلع القرن العشرين، صراعا حادا بين تيارين، احدهما ينادي بالخلافة الإسلامية كامتداد للخلافة العثمانية والتي في رأيهم امتدادا للخلافة الإسلامية، ولا بد من العودة إليها بكل الوسائل والأدوات ،والأخر يؤكد على مصرية مصر مثل محمد فريد وقاسم أمين والإمام الشيخ محمد عبده وآخرون، وقد عبرت ثورة عام 1919 عن رفضها للدولة الدينية بشعار ( الدين لله والوطن للجميع )، لقد برزت اتجاهات الدعوة إلى الخلافة، والعودة للأصول الإسلامية من خلال أبو الأعلى المودودي الذي لعب بالمناسبة دورا فكريا وتحريضيا بضرورة تشكل دولة إسلامية خارج دولة الهند، باعتبار أن الهند دولة كافرة وساهم بفصل الباكستان عن الدولة الأم، وكذلك الشيخ حسن البنا الذي كان دوره نتاج التوافق والتفاهم بين الاحتلال البريطاني والقصر، لمواجهة الحركة الوطنية المصرية، وتوالت بعدها الأصوات التي تدعو بضرورة العودة للخلافة بما فيهم سيد قطب . لقد اختلف الفقهاء حول شعار العودة للخلافة الإسلامية فالشهرستاني قال إن " الإمامة ليست من أصول الاعتقاد" ،وأما الأمام الغزالي " إن الإمامة مستخرجة من الرأي وليست مستخرجة من الكتاب والسنة " وأما الجرجاني فيقول " إن الخلافة ليست من أصول الديانات والعقائد " وأما الأستاذ الإمام محمد عبده فقد رفض فكرة وجود خليفة يحكم باسم السماء، كما أكد الشيخ على عبد الرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم متناولا موضوع الخلافة " إذا كان في الحياة الدنيا شيء يدفع المرء إلى الاستبداد والظلم ويسهل عليه العدوان والبغي فذلك هو مقام الخليفة" . .
وفي غفلة من الزمن، فقد استولت حركة الإخوان المسلمين وقيادتها التنظيم الدولي، على الحكم والسلطة في مصر بعد ثورة 25 يناير، بسبب غياب وعجز الأحزاب والقوى الديمقراطية والتقدمية وحتى الليبرالية ومكونات المجتمع المدني، في التصدي لاستبداد النظام السياسي، وتبعيته للولايات المتحدة الأمريكية، وتغلغل الفساد السياسي وإلاداري والمالي في كافة مفاصل الدولة المصرية. لقد هيأت للإخوان المسلمين فرصة تاريخية لاستغلال الواقع الموضوعي، والاستيلاء على الحكم بدعم من الغرب الاستعماري، وبشعارات دينية في مقدمتها ( الإسلام هو الحل، وتطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم، والحاكمية لله، والحكومة الإسلامية ) وإضفاء مقولة إسلامية على كافة المؤسسات العاملة في مصر، بما فيها المصارف الإسلامية، وفشلت في السياسة والسلطة والحكم . لقد وجه الجيش المصري العريق، ومعه جماهير ثورة الشعب في 30 يونيه لطمة للمخطط الأمريكي، ولحركة الأخوان المسلمين، لإضعاف جيش مصر، وتعطيل دوره في حماية مصر وشعبها، وتحويله إلى جيش إسلامي، أو مليشيات إسلامية، تفرض رؤاها على المجتمع المصري بطوائفه المتعددة، وتقود المجتمعات العربية إلى مستنقع الرجعية والأصولية في كل البلدان العربية وخصوصا بلدان الطوق المحيطة بإسرائيل عدوة الشعوب العربية ومغتصبة أراضيها، في سوريا والعراق وليبيا وفلسطين، وإشغالها عن معركتها الأساسية. .
إن حزب العدالة والتنمية بزعامة اوردغان، راعي المتأسلمين الهاربين من العدالة، وبتحالفها مع قطر وبعض دول الخليج العربي، يهيئ نفسه لحصوله على وسام ولقب خليفة المسلمين، وأمير المؤمنين، ويطمح لإعادة الهيبة والمكانة للخلافة العثمانية، لتتحكم في البلدان العربية والإسلامية، ويقدم كل الدعم لكل التكفيريين والإرهابيين، وفروع حركة الأخوان المسلمين في العالم العربي، ويوفر لهم المكان، واستقبال المغرر بهم بفعل التعبئة الشوفينية الأصولية، والدعم اللوجستي والمخابراتي والأمني، بهدف تطبيق شعار الفوضى الخلاقة التي طرحتها الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف تفتيت العالم العربي والإسلامي لخدمة مصالحهما ونهب خيراتها، وعلى الرغم من انقسام المجتمع التركي بين علمانيين وإسلاميين، فانه يعمل على الحبلين بهدف الجمع ما بين العلاقة مع دول أوربا وأمريكا، كأنها دولة مدنية حديثة، وبين التطلع لقيادة العالم العربي والإسلامي بالحديث عن الخلافة الإسلامية، وللأسف يقع العديد من القوى والمثقفين في الخطأ الجسيم لعدم فهم تحرك طيب اردوغان وكأنه حريص على الديمقراطية، وثورات الشعوب، ومناصرته للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، على الرغم من علاقة تركيا الأمنية والاقتصادية والعسكرية مع الاحتلال الإسرائيلي، وفاشية حزبه في الداخل التركي، مع العلم بأن تركيا عضو في حلف الناتو الذي يأتمر بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ويقوم بتنفيذ مخططاتها وأهدافها في منطقة الشرق الأوسط . .
طلعت الصفدي
غزة – فلسطين
السبت 25/7/2015
[email protected]