أولاً وقبل كل شيء، لا بد من الإشادة بمستوى وحجم ما تبديه إمارة قطر، رغم الاختلاف في وجهات النظر، من وفاء منقطع النظير لحلفائها، يمنح السياسة قدراً من "الأخلاق"وقدراً من المصداقية.
فرغم مرور أكثر من عامين على عزل الرئيس المصري الإخواني السابق محمد مرسي العياط، ورغم حدوث مصالحة بين الرئيس المصري الحالي المشير عبد الفتاح السيسي والأمير القطري الشيخ تميم بن حمد، قبل عدة أشهر، ورغم استقرار الحكم في مصر لعهد ما بعد الإخوان، بل وجمع كل قياداتهم داخل السجون، وتتابع الأحكام العالية بحق الصف الأول منهم، والتي وصلت إلى حد الحكم بالإعدام، بحق المرشد محمد بديع ونائبه رجل الإخوان القوي خيرت الشاطر، كذلك رئيسهم محمد مرسي العياط، إلا أن "جزيرة"قطر لم تكف ولم تتوقف عن مناصرة الإخوان في مصر، ووصف ثورة 30 حزيران عام 2013 بالانقلاب، وبالمقابل وصف المعزول بالرئيس الشرعي!
كذلك ما زالت قطر تساند حماس في غزة، دون كل الفلسطينيين الذين هم تحت الاحتلال الإسرائيلي ويواجهون جنوده ومستوطنيه يومياً، في كل الضفة الغربية وخاصة في القدس، وذلك في تمييز واضح بين فلسطيني وآخر، فلسطيني / إخواني وآخر غير إخواني، وليس أدل على ذلك من مواصلة الدعم السياسي والمالي لغزة _ حصراً وبالتحديد _ ومن ضمن ذلك الدعم المرئي، إقامة وتشييد الوحدات السكنية، كذلك إرسال الشاحنات المحملة بالوقود القطري بهدف تشغيل محطات الكهرباء، كذلك استقبال أول دفعة من العاملين الذين لا يجدون عملاً في غزة، إضافة للاستعداد السخي بالمساهمة بأكثر من مليار دولار ضمن برنامج إعادة إعمار غزة!
مع كل هذا فإن الملاحظ، أن الوقود القطري الذي لم تتوقف عمليات إرساله منذ سنوات لغزة، لم يحل مشكلة الكهرباء بها، والتي تكرست على قاعدة عدم الطموح، واليأس من حل المشكلة نهائياً، والقناعة بالمحافظة، فقط، على برنامج 8 ساعات إضاءة يومياً.
أما ما أثير حول تشغيل الأيدي العاملة، في القطاع الذي بلغ فيه مستوى البطالة معدلات عالية جداً، تجاوزت 40%، وحيث تشير الأرقام إلى وجود أكثر من 50 ألف خريج جامعي عاطلين عن العمل، لا يجدون فرصة للوظيفة منذ 8 سنوات، فقد تمخض الجبل فولد فأراً، فكل ما نتج عن هذا الملف، بعد مرور عدة أشهر، هو الموافقة على استقبال نحو مئة معلم، لإجراء المقابلة اللازمة، والتي بعدها يمكن أن يتم التعاقد مع بعضهم للعمل في الإمارة الخليجية، ليس هذا وحسب، بل يبدو أنه تم الإعداد لـ»بروباغندا"ولإثارة إعلامية وهي الهدف من كل هذه القصة، لدرجة أن لا يتم ضمان وصول هؤلاء البشر إلى المحطة الأخيرة، وعدم التنسيق لهم مع الجانب الأردني من الحدود مع فلسطين، لتتم عودتهم مع حسرة لا تنسى ولوعة بالغة، ومأساوية، لا يستحقها بشر قابضون على الجمر في وطنهم.
لابد من الإشارة هنا إلى أن قطر، على سبيل المثال الخليجي تبلغ نسبة العمالة الآسيوية فيها نحو 72% من أصل عدد السكان والمقيمين الذين يقدر عددهم بنحو مليون ونصف إنسان، أي أن قطر تستقبل على أرضها أكثر من مليون عامل أجنبي، يمثل هؤلاء نحو ثلثي سكان قطاع غزة، أي أنه يمكن تشغيل كل العاطلين عن العمل، بل كل الأيدي العاملة في قطاع غزة، بمجرد اتخاذ قرار يقضي باستبدال العمالة الأجنبية / الآسيوية بالأيدي العاملة العربية / الفلسطينية الغزاوية!
كان يمكن لسياسة أكثر اتزاناً أن تبحث في مصالحة داخلية مع القيادة المصرية، تجعل من إخوان معتدلين شركاء في الدولة وحتى في الحكم، بدلاً من الإصرار على مناطحة الحائط، والوصول إلى نتائج كارثية على الإخوان قبل غيرهم، وما زال ممكناً، بل وأكثر جدوى من متابعة التمييز بين فلسطيني وآخر، وحتى بدلاً من "مناصرة"حماس والاستمرار في الشد على يدها الانقلابية، والمتمردة على السلطة والخارجة عن المشروع الوطني، بالتوسط، والقيام بما من شأنه دفع عجلة المصالحة الداخلية وإنهاء الانقسام، الذي يضع حداً فعلياً ونهائياً للحصار، ولكل ما ينجم عنه ويتبعه من كوارث ومشاكل لا حدود لها، ومنها مشكلة البطالة.
ما لا بد من ملاحظته، هو أنه _ ومنذ أواخر العام 2007 _ كلما اقتربت حماس من حسم أمرها، وإنهاء سيطرتها على غزة، تجد يداً خفية تندس لها من تحت الطاولة، لتمنحها حقنة مورفين مهدئة أو جلوكوز، لتنعش لديها القدرة بالاستمرار على القبض على مفاتيح الانقسام، كأن "كيان غزة"مخطط له أن يكون محطة تلاقي خطوط الغاز القادمة من الخليج العربي مع خطوطه على شواطئ المتوسط، لتذهب معاً إلى المستهلك الأوروبي!
والأهم من كل هذا، أنه يمكن لمن يدفع مليارات الدولارات على فتح المجتمعات العربية، من خلال الإصرار على الإسقاط الدراماتيكي لنظام حكم الفرد المستبد، في أكثر من بلد عربي، أن يدفع المليارات ذاتها أو قدراً منها أقل، على مشاريع الاستثمار في دول مثل: سورية، مصر، اليمن، السودان، تونس، المغرب وموريتانيا لتشغيل الخريجين والأيدي العاملة، ذلك أن البطالة كانت وما زالت واحدة من أسباب ثورة الشباب العربي، ولكن يبدو أن حساب السرايا مختلف دائماً عن حساب القرايا، لذلك كان من واجبنا دائماً، أن نؤكد على المثل الصيني، الذي ربما ما كنا نبالغ لو قلنا إنه كان أحد أسباب النهضة الاقتصادية الحالية للعملاق الآسيوي الأصفر، ونقصد بذلك سيادة ثقافة المثل الصيني الشهير والعظيم: عَلّمه الصيد خير من أن تمنحه كل يوم سمكة!.
رجب أبو سرية
31 تموز 2015