امام هول جريمة حرق ومقتل الطفل الشهيد الرضيع علي دوابشة واصابت عائلته ، نقول ان الاحتلال بجرائمه الموصوفة والمعروفة والتي تعبر عن سرطان الكراهية والعنصرية ضد الشعب الفلسطيني ، تتطلب من العالم أجمع ان يتحمل مسؤولياته، لانه لا يجوز ان يبقى الصمت على هذه الجرائم ، وهذه الجرائم تتطلب رسم استراتيجية وطنية فلسطينية في مجابهة الاحتلال الإسرائيلي وقطعان مستوطنيه، أي مقاومة الشعب للاحتلال بكل الوسائل الممكنة ، وفي المقدمة وحدته الوطنية ، أي وحدة قواه جميعاً ، عبر خيار المقاومة وبكل أشكالها وأساليبها ، وفق برنامج سياسي مشترك أساسه إزالة الاحتلال والاستيطان عن ارض فلسطين ، وعودة أهلنا لديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
لهذا فأن البيانات والتصريحات والمواقف لم تعد تجدي نفعا امام سياسة قتل وعبث جنود الاحتلال ومستوطنيه، بل ان المقاومة الشعبيه يجب ان تكون هي الوسيلة الرادعه بمواجهة جرائم الاحتلال ومستوطنيه ، وهذه المقاومة بحاجة الى وحدة الموقف الفلسطيني والحراك الدبلوماسي لتحميل المجتمع الدولي المسؤولية في اتخاذ اجرآءات ضد مرتكبيها ، فهم خطفوا واغتالوا وحرقوا قبل ذالك الشهيد "محمد أبو خضير" وهو حيا ، واستمرار انتهاك الكيان الصهيوني اتفاقيات حقوق الإنسان الخاصة بإلغاء كل أشكال التمييز، والاتفاقية الخاصة بمناهضة التعذيب، وهى انتهاكات يمارسها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وقد وثقتها هيئات مراقبة تطبيق هذه الاتفاقيات التابعة للأمم المتحدة، وكذلك محكمة العدل الدولية، وأخيرا ارتكابه لجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في عدوانه الإجرامي على غزة.
كل هذه الانتهاكات للقانون الدولي، وغيرها الكثير، مارسها الكيان الصهيوني، مستقويا بالفيتو الأمريكي والدعم الغربي، وغض المجتمع الدولي منذ البداية الطرف عن هذه الجرائم والانتهاكات. بالإضافة إلى حالة الخنوع والرضوخ والشلل التي يعيشها النظام العربي الرسمي، التي مكنت الكيان الصهيوني من الاستفراد بالشعب الفلسطيني.
ومع عملية حرق المستوطنين الصهاينة لمنزل عائلة دوابشة وحرق الطفل الرضيع الشهيد علي دوابشة ، يقفز السؤال مجددا، خارج إطار الصراعات السياسية الدولية والمشاريع والشعارات، هل هناك أمل هذه المرة في مقاضاة المرتكبين، لاسيما وأن حجم التضامن العالمي ارتفعت وتائره إلى حدود كبيرة، والعالم كلّه شاهد هذه الجريمة ولكن ما السبيل إلى ذلك وكيف يمكن جلب المتهمين إلى قفص الاتهام امتثالاً لمعايير وقيم العدالة وحكم القانون الدولي؟ ثم هل اقترب الحلم من الواقع أم ثم عقبات جدية تحول دون ذلك؟ وكيف يمكن تذليل بعض الصعوبات العملية والموانع الدولية لمقاربة العدالة؟ وبالتالي كيف يمكن بحث جدلية السياسي بالقانوني؟
لعل ذلك كان أملا لم يغادر شعبي، لاسيما أن الذاكرة العالمية والفلسطينية تتكدس بها صور جرائم الحرب ، وما تقترفه حكومة الكيان الصهيوني بحق شعبنا من مجازر في الضفة وغزة والقدس ، عسى أن نرتقي بمساءلة حقيقية لما حدث لا على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى القانوني، الأمر الذي يتطلّب جمع وتنسيق وتصنيف الجرائم المرتكبة، تمهيداً لتقديم المتهمين بالارتكاب إلى القضاء الدولي لإدانتهم كمجرمي حرب، ولم يكن الأمر مجرد رغبة فردية في محكمة الجنايات الدولية التي اجلت زيارتها لفلسطين ، لكن على المستوى الفلسطيني المبادرة اتخذت ، وما زالت تحتاج إلى جهد جماعي وطاقات متنوّعة ومبدعة حقوقية ودبلوماسية وقانونية وإعلامية، حكومية وغير حكومية، فضلاً عن إرادة سياسية ضرورية.
وامام كل ذلك نقول أن المقاومة حق مشروع لشعبنا ولكل الشعوب الخاضعة للاحتلال وانه لن يقضي على ظاهرة الإرهاب اذا تم التعامل معها بدون معالجة جذورها والوضع المتردي للشعوب التي تعاني من الاضطهاد والظلم أو تلك التي تعاني من الاحتلال وعدم قدرة المجتمع الدولي لسبب أو لآخر على إيجاد حلول عادلة لهذه المشاكل هو الذي يخلق البيئة التي يستغلها الأشرار ، وخاصة أن إسرائيل التي قامت على القوة، وعلى حساب شعب آخر، لا تؤمن بالسلام.
لذلك لا بد من إعادة الصراع لطبيعته بين شعب يخضع للاحتلال ويقاوم بالطرق الشعبية والكفاحية المختلفة في مواجهة الهجمة غير مسبوقة من جرائم وانتهاكات، إضافة للاغتيالات ، الحصار، والخنق الاقتصادي من قبل الاحتلال وقطعان مستوطنيه ، والعمل على تثوير العالم حول ما يمارسه الاحتلال بصورة منهجية من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بصورة منتظمة بما يتجاوز القانون الدولي الإنساني ووثيقة جنيف الرابعة ، ووضعه أمام تحدياته ومسؤولياته من خلال الضغط على كيان الاحتلال وإلزامه بتطبيق قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي بما يقطع الطريق عن مخاطر الدولة المؤقتة وغيرها من المشاريع المرفوضة .
وفي ظل هذه الظروف يجب على الفصائل والقوى والعمل على اخراج المقاومة الشعبيه عن دائرة الارتجالية والعشوائية ،و تشكيل قيادة وطنية موحدة ميدانية وفق رؤية وإستراتيجية وبرنامج واضح المعالم يستند إلى مرتكزات واقعية قابلة للتحقيق وبالاستناد إلى القانون الدولي ، كما ينبغي تصعيد الكفاح الشعبي وأعمال التصادم المستمر مع الاحتلال لإظهار غطرسته وعنصريته أمام الرأي العام العالمي في مواجهته لشعب يكافح شعبياً من اجل نيل حقه بالعودة والحرية والاستقلال.
وأمام تحديات، تهدد وحدة الشعب الفلسطيني وقضيته وارضه، فلا يجوز أن يبقى الانقسام الكارثي ، وعلى الجميع ان يدرك ان الوحدة الوطنية هي السلاح الامضى في مواجهة العدو ، وعلى الجميع ان يسعى من اجل نقل ملف القضية للامم المتحدة وعدم العودة الى المفاوضات الثنائية برعاية أمريكية بعد ان فشلت ولا قيمة لها، كل ذلك يستدعي الوحدة والصمود على الارض وتصعيد المقاومة، ضمن شعار: من أجل انهاء الاحتلال، من اجل انهاء الانقسام، نريد تطبيق المصالحة، ونريد بناء الدولة الفلسطينية، فلنتوحد وراء هذه الشعارات.
ختاما : لا بد من القول ان خيار المقاومة كان وسيظل الخيار الذي يلتف حوله الشعب الفلسطيني وأنه الكفيل بمواجهة الاحتلال والاستيطان والطريق لنيل الحرية والعودة والاستقلال، وان دماء أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وأبطالنا المقاومين ستفتح طريقنا إلى القدس زهرة المدائن وتاج الأمة وستعبد الطريق إلى الحرية والعودة والاستقلال.
بقلم/ عباس الجمعة