فنجان قهوة سادة مع ناصر اللحام

بقلم: فايز أبو شمالة

كل الفلسطينيين مهددون بمصير عائلة هوابشة، كل الفلسطينيين ينتظرهم الموت حرقاً أو قصفاً أو خسفاً أو قهراً طالما لا يحق لهم الدفاع عن أنفسهم، ولا يحق لهم ممارسة المقاومة المسلحة ضد عدوهم؛ الذي يمتلك كل مقومات القتل والتصفية والسجن والطرد والتعذيب.
مأساة الفلسطينيين لا تقتصر على مجموعة من عصابات المستوطنين كما يروج البعض، مأساة الفلسطينيين تصل إلى لب الوجود على هذه الأرض، فبعد أن كان الفلسطيني المقاوم صاحب البيت والقرار والإرادة صار الفلسطيني المفاوض ضيفاً على وطنه، وصار بفعل اتفاقية أوسلو منزوع الإرادة والسيادة، وصار عاجزاً عن التعبير الحر عن وجدانه.
معادلة ظالمة جداً تتحكم بمصير ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية، أولئك الذين يغمسون لقيمات الذل كل صباح أمام الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وأمام المشغل الإسرائيلي (المعلم) الذي يتحكم بالرزق والمصير والحضور والمسير، معادلة ظالمة تحكم العلاقة بين الغاصب للأرض والفاعل دوماً، وبين المغتصب تاريخاً وعقلاً ونفساً وأرضاً، والمفعول به دوماً، هذه المعدلة الظالمة لا ينكر حقيقتها إلا كل مكابر أو مجامل للمسئولين الفلسطينيين الذين لا يهمهم إلا الحفاظ على الهدوء، واستمرار السيطرة الأمنية، وبقاء الحال على ما هو عليه من صمت وانتظار دون صدام مع الغاصبين، حتى ولو بحجر صغير يذكر بالانتفاضة الأولى.
ما سبق من حديث أرد فيه على مقال (كيف غدت السلطة أقوى من أي نظام عربي؟)، مقال للكاتب ناصر اللحام، الذي بالغ جداً في مديح البيت العالي، ولاسيما حين قال:
1- في التاريخ المعاصر لم تصمد أية دولة على وجه الأرض في وجه عدوان عسكري خارجي قصف مقراتها وقتل رئيسها ودمّر ميناءها البحري وفجّر طائراتها واغتال قياداتها وسجن اّلاف من ضباطها، وحاصر مقر قيادتها، واعتقل نواب برلمانها ومنع الاستيراد والتصدير والسفر على جمهورها. بل أن أية دولة لا تستطيع أن تعيد انتخاباتها وتنظيم نفسها في غضون ثلاث سنوات فقط، وحدها السلطة".
كيف نصدق نحن الفلسطينيين هذا النصر المزعوم للسلطة الفلسطينية، في الوقت الذي تقول فيه الإحصائيات الرسمية الفلسطينية: كان عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية سنة 2005 ، فقط 186 ألف يهودي، وصاروا بفعل هذه الانتصارات 685 ألف يهودي؟ فما قيمة الانتخابات وتنظيم النفس وانتخاب رئيس طالما كانت النتائج ضياع الأرض؟
2- ويقول السيد ناصر اللحام: وما يزال لدينا برلمان هو الاقوى وإن كان نوابه في الزنازين، وما يزال لدينا تنظيمات هي الاقوى في معادلة المشرق العربي، وما يزال لدينا رئيس شرعي يوفر لنا القدرة على انتقاده كل يوم وانتقاد حكوماته
فأين هو البرلمان، يا سيد ناصر؟ ومن الذي يحظر على البرلمان عقد جلساته؟ وأين فعالية التنظيمات من قرار المجلس المركزي القاضي بوقف التنسيق الأمني، والذي صدر قبل خمسة أشهر؟ لقد شطب عباس بجرة قلم البرلمان والتنظيمات، ومنع على بشر انتقاده، ودليلي على ذلك هو قطع رواتب آلاف الموظفين الفلسطينيين الذين انتقدوا باللفظ سياسية عباس، وأنا أحد هؤلاء الموظفين.
3- يقول اللحام: العراق وبعد أن حاصرتها امريكا سقطت في جوع، ثم انهارت امبراطورية العراق، ومثل العراق ليبيا وسوريا واليمن واوكرانيا وجورجيا، امبراطوريات سقطت، ودول انهارت، وما تزال فلسطين قادرة على التألق والعطاء.
سقطت العراق وباقي البلاد لأنها رفضت الخضوع، وكانت تعتمد على نفسها في عيشها وطعامها وملبسها، أما نحن في السلطة الفلسطينية فإننا نعتمد على المانحين، نحن نتسول غذاءنا ورواتبنا، ونحن من يسافر إلى الخارج في مهمة عمل على حساب المانحين، فكيف يصيبنا الإفلاس ونحن نعيش عالة على حساب الشعوب الحرة، الدول التي ذكرتها يعيش شعبها على أرضه، ولا يهدد وجودهم غاصب، ولا يشتري عدوهم هدوءهم بالمال، حتى تكتمل لديه الخطة للسيطرة على أرضهم بالكامل.
وسط هذه اللوحة السوداء التي يحاول الكاتب ناصر اللحام أن يصبغها باللون الأبيض، لا يسعني إلا أن أذكر بالمقاومة الفلسطينية، الصفحة المشرقة في مسارنا السياسي المعتم، إنها المقاومة الفلسطينية التي استطاعت أن تقصف تل أبيب، وتغلق المجال الجوي الإسرائيلي، واستطاعت أن تفرض منع التجول على المدن الإسرائيلية، هذه المقاومة المسلحة هي العدو الأول للسلطة الفلسطينية، ويحقد عليها السيد محمود عباس كثيراً، ويكرهها، ويفكر ليل نهار في كيفية تصفيتها، والقضاء عليها.
يا سيد ناصر اللحام، كنت سأغفر لك قليل المبالغة، وكنت أجاريك في تعزيز الروح المعنوية للناس من خلال تسليط الضوء على الايجابيات، ولكنني سأرد حين يصب حليب مقالك في كأس شاي الرئيس عباس، ليشرب منه الأمن هانئاً، ولا يترك لبقية الناس إلا فنجان قهوة سادة، يشربونه وحدهم على روح الشهداء؛ الذين أحرقهم المستوطنون الصهاينة.

د. فايز أبو شمالة