ميري رغيف وزيرة الثقافة في الحكومة الإسرائيلية التي تدعو إلى طرد العرب، وتطهير "أرض إسرائيل" منهم، تعتبر أن حادثة الاعتداء على عائلة دوابشة في مدينة نابلس فجر يوم الجمعة، كانت تعبيراً عن حالة اليأس والإحباط التي يعيشها المستوطنون الإسرائيليون، وأن الحكومة الإسرائيلية تتحمل كامل المسؤولية نتيجةً لقرار وزير الدفاع موشيه يعلون، الذي أمر بهدم وحدتين سكنيتين في مستوطنة بيت إييل، وهي تحمل يعلون المسؤولية الأخلاقية عن سوء معاملة جيشه للمستوطنين الإسرائيليين، وتتهمه بأنه يعاملهم بقسوةٍ تماماً كتعامله مع "المخربين" الفلسطينيين، وأنه يأمر جنوده بالتعامل معهم بعنفٍ وقوة.
وترفض ميري رغيف وصف العملية التي ارتكبها المستوطنون بأنها عملية إرهابية، وترى لو أن الحكومة الإسرائيلية ورئيسها استجابت إلى طلبات وطموحات المستوطنين، ما كانت هذه المجموعة اليهودية الغاضبة لتقدم على القيام بهذه العملية، التي هي في حقيقتها رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية بضرورة الالتزام ببرنامجها الاستيطاني التي تعهدت به، قبل أن تكون رسالة إلى الفلسطينيين بالتوقف عن القيام بعملياتٍ "إرهابية" ضد المصالح الإسرائيلية، وهي بذلك تدعو رئيس حكومتها لمراجعة مواقفه والالتزام ببرنامجه الانتخابي والائتلافي، الذي على أساسه نجح في الانتخابات وفي تشكيل حكومته، وإلا فإن عليه انتظار المزيد من هذه العمليات، إذ ماذا يتوقع من ناخبيه إن هو استمر في سياسته، وواصل خداع ناخبيه.
وبالقرب من بلدة دوما جنوب نابلس، قام مستوطنون يهود إثر جريمة حرق الطفل دوابشه، بالاعتداء على مزارعين في قرية قصره، وهجموا عليهم في أرضهم الزراعية بالجرارات والسيارات، محاولين إخراجهم من أرضهم بالقوة، بينما يقف جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي بالقرب منهم، يرصدون ويراقبون، ولكنهم يحمون المستوطنين، ويحولون دون قيام الفلسطينيين بالرد عليهم، أو منعهم من اجتياح أرضهم والاعتداء عليهم، وفعلاً قاموا بإطلاق النار والقنابل المسيلة للدموع، عندما رأوا الفلسطينيين أصحاب الأرض يستميتون في الدفاع عن أرضهم، ويصدون محاولات المستوطنين بصدورهم العارية، وسواعدهم الأبية، وقبضاتهم القوية، القابضة على الحق، والمتمسكة بالأرض، وهم على أتم الجهوزية للاستشهاد على أرضهم وفي سبيلها دفاعاً عنها.
وفي مخيم الجلزون يواجه الجيش الإسرائيلي جموع الشبان الغاضبين، الذين خرجوا للتعبير عن غضبهم للطفل الرضيع الذي أحرقه مستوطنون بدمٍ باردٍ، دون أن تشفع له عندهم براءته أو ضعفه، أو طفولته وبكاؤه، فما كان من جيش الاحتلال إلا أن أطلق عليهم المزيد من الطلقات النارية، وصب المزيد من البنزين على نار غضب الفلسطينيين، وكانت النتيجة أنه قتل صبياً في مقتبل عمره، لم يكد يتم عامه السادس عشر، ظاناً أنه سيسكن ثورة الشعب، وسيخيف بالقتل الذي يوزعه على الشبان الغاضبين، والأمهات الثائرات، وسيحول دون تقدم الشباب والصبيان، والرجال والنساء، الذين خرجوا منتفضين ثورةً عليهم، وغضباً منهم، وداعين للثأر والانتقام من جنودهم ومستوطنيهم.
المستوطنون الإسرائيليون يتجولون في كل مكانٍ في فلسطين المحتلة، وهم يحملون أسلحتهم الشخصية، المرخصة من قبل الحكومة، التي تجيز لهم استخدامها دفاعاً عن أنفسهم، ولرد الخطر عنهم في حال تعرضهم له، ولكنهم في الحقيقة دائماً يعرضون حياة غيرهم للخطر، ويعترضون طريق الفلسطينيين في الشوارع والطرقات العامة، فيطلقون النار عليهم، أو يرشقون سياراتهم العابرة بالحجارة، أو يتعمدون دهسهم وقتلهم، ثم يدعون أنهم الضحية، وأن الفلسطينيين هم الذين هاجموهم وهددوهم، ما جعلهم يستخدمون القوة للدفاع عن أنفسهم، ولحماية حياتهم من نوازع الشر الفلسطينية.
أما قضاء الدولة العبرية، الذي ينتصب قائماً بحزمٍ أمام الفلسطينيين وفي مواجهتهم، وينبري قضاة محاكمها العسكرية لنزال المعتقلين الفلسطينيين المتهمين بالقيام بأعمالٍ عسكرية، ذات طبيعةٍ قوميةٍ مقاومة، فيصدرون بحقهم أحكاماً بالسجن تصل إلى مئات السنوات، علماً أن التهم الموجهة إلى بعضهم قد تكون بسيطة وغير خطيرة، كإلقاء حجارةٍ، أو وضع متاريس وحواجز على الطرقات، أو الكتابة على الجدران، أو التواجد في مناطق الأرض المحتلة عام 48 دون تصريحٍ رسمي، أو موافقة قانونية، ما يستدعي القضاء إلى إنزال أقصى الأحكام في حقهم، دون مراعاةٍ لسنهم أو ظرفهم، وفي السجون والمعتقلات يهانون ويعذبون، ويضطهدون ويحرمون، ويقاسون الويلات نتيجة سياسة مصلحة السجون وتصرفات عناصرها.
بينما يتراجع القضاء الإسرائيلي أمام جرائم المستوطنين وأعمالهم العدوانية، ويقف أمامهم هزيلاً مهزوزاً، متردداً غير حاسمٍ، وضعيفاً غير رادعٍ، فلا يتجرأ عليهم، ولا يستطيع القسوة عليهم، فتكون أحكامه في حقهم مخففة جداً، وغالباً ما يتم العفو عنهم وفق قانون نصف المدة، أو نتيجة حسن السلوك وفي المناسبات الوطنية والعامة، أو بأي حجةٍ أخرى كالعفو الرئاسي، أو المزامنة مع عمليات الإفراج عن الفلسطينيين، بحجة إرضاء الشارع، وسحب ذرائع الغضب والمعارضة منه.
أما قبل محاكمة المتهمين الإسرائيليين، فإن اعتقالهم يتأخر أو يتعذر، رغم معرفة الشرطة بأمرهم، وعلمها بجريمتهم، واحاطتها بعنوانهم ومكانهم، ونشاطاتهم وتجمعاتهم، إلا أن اعتقالهم يتأخر، ولا يتم إلا في ظل الضغوط الدولية، والتحركات الشعبية، واستجوابهم لا يتم إلا في حضرة المحامين، ويكون الاستجواب مؤدباً لائقاً، لا إهانة فيه ولا تعذيب، ولا ضغط ولا إكراه، وإذا اعتذر المتهم أو وكيله طالباً تأجيل التحقيق لدواعي صحية أو نفسية، فإن الشرطة تستجيب لهم، وتأمر بإطلاق سراح المتهمين رغم خطورتهم بالكفالة أو بمعرفة عناوينهم، ومنع سفرهم.
إنها الدولة الإرهابية قبل أن يكون الشعب إرهابياً مثلها، فكلاهما أصلٌ لشئٍ واحدٍ، فالفرع أصلٌ، والأصل فرعٌ، إنهم طبيعة وجبلة واحدة، تربوا عليها ونشأوا في ظلها، وزادوا عليها ونوَّعوا فيها، فهي بسياستها العدوانية تمارس الإرهاب وترعاه، وتنفذه وتدعو إليه، وهي التي تقتل وتدمر وتخرب وتعتدي وتقتل، وهي التي تسمح باقتحام الحرم والمقدسات، وترعى المنتهكين وتحميهم، وتعفو عن المجرمين وتسامحهم، وتتفهم ظروفهم وتقدر أوضاعهم.
كلاهما واحد لا يختلفان ولا يفترقان، ولا يتعارضان ولا يختصمان، الشعب والحكومة، والمستوطنون والجيش، فما كانت الحكومة لتكون إرهابية لو لم يكن الشعب أكثر تطرفاً منها، وما كان الشعب ليكون إرهابياً لو لم تكن الحكومة أشد تطرفاً منه، وأكثر عدوانية وكراهيةً، فلمن نشكو الشعب إن كانت هذه حكومته، ولمن نشكو الاحتلال إن كانت هذه هي سياسته.
بقلم/ مصطفى يوسف اللداوي