لسنا بحاجة لتمحيص واقعنا ومحيطنا الإقليمي والدولي كي نقف على حقيقة ما حل بنا من ركود سياسي، فإن كان المختصون في الشؤون الإقتصادية يعرفون الركود الإقتصادي بأنه تراجع في النمو الإقتصادي ينبع من زيادة في الإنتاج تفوق معدل الإستهلاك، والذي بدوره يقود السوق إلى مرحلة الكساد بما تعنيه من تكدس البضاعة وعدم القدرة على تسويقها، ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى إنخفاض الأسعار وهو ما يجبر أرباب العمل على تخفيض قدراتهم الإنتاجية وتسريح الأيدي العاملة وإرتفاع نسبة البطالة في المجتمع.
الركود السياسي الذي تعاني منه القضية الفلسطينية يتقاطع في تعريفه مع الركود الإقتصادي، على مدار السنوات السابقة كثرت المبادرات والمؤتمرات والإجتماعات والاقتراحات لوضع نهاية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بدءأ من المبادرة العربية التي أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002 مروراً بخطة خارطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية عام 2003، وإنتهاءاً بمبادرات لهذه الدولة أو تلك، الواضح أن المجتمع الدولي لم يستطع تسويق منتجه لحل القضية الفلسطينية بفعل التعنت الإسرائيلي، وبات جلياً أن الإدارة الأمريكية لم تعد اليوم معنية بتسويق منتجها الذي حمل أسماءاً عدة، ولم يعد وزير خارجيتها يقوم بجولات مكوكية كما كان عليه الحال في السابق، وفرنسا تراجعت عن مبادرتها الأخيرة قبل أن ترى النور، وفي ظل ذلك حاول الرئيس القبرصي مؤخراً أن يحرك المياه الراكدة، وبطبيعة الحال تعلم قبرص جيداً أن مكانها في لعبة السياسة الدولية لا يتعدى مقعد المتفرج، وليس بإستطاعتها أن تقفز من مكانها لتكون ضمن الفريق المتحكم بمقاليد اللعبة.
لا شك أن حالة الركود الذي يعاني منها واقعنا السياسي يأتي بفعل ضرب حكومة الإحتلال بعرض الحائط لكل المبادرات التي يمكن لها أن تقضي إلى وضع نهاية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن الحقيقة التي لا يمكن لنا تجاهلها أننا نحن من سهل الأمر على حكومة الاحتلال، بفعل الإنقسام الفلسطيني الذي صنعناه بأيدينا ومازلنا عاجزين عن الخروج من متاهته، وساعد على ذلك أيضاً الإقتتال الداخلي الذي أنهك العديد من الدول العربية وتراجعت بسببه مكانة القضية الفلسطينية في سلم أولويات الأمة العربية، ما يجدر الإنتباه إليه أن الركود السياسي يرافقه نشاطاً محموماً من قبل حكومة الاحتلال، من خلال خلق وقائع جديدة على الأرض وتوسيع الفجوة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بما يكفل لها وأد حلم الدولة الفلسطينية المستقلة.
سبق لوزير خارجية أمريكا السابق "جورج شولتز" أن قال بداية عام 1987 أن القضية الفلسطينية دخلت الثلاجة، فجاءت الإنتفاضة الأولى لتعيد قلب أوراق السياسة الدولية من جديد وتفرض القضية الفلسطينية على أجندة إهتمامات المجتمع الدولي، وهي التي دفعت "شولتز" ذاته لأن يؤسس حواراً دبلوماسياً مع منظمة التحرير الفلسطينية، نحن دون سوانا من بإستطاعته أن يعيد فرض القضية الفلسطينية على أجندة المجتمع الدولي، ويتطلب ذلك منا أولاً أن ننهي الإنفسام البغيض وأن نتفق على برنامج وطني نواجه به غطرسة حكومة الاحتلال.
د. أسامه الفرا