الهبة الشعبيه والانتفاضة الثالثة

بقلم: عباس الجمعة

نحن امام مرحلة دقيقة وخطيرة ، ولكن ارادة الشعب الفلسطيني بصموده وعطائه وتضحياته ستكون الاقوى في مواجهة الاحتلال والاستيطان والمؤامرات التي تحاك ضده ، فهذا الشعب العظيم الذي فجر ثورته المجيدة وانتفاضاته الباسلة الانتفاضة الاولى والثانية لهو قادر على تفجير انتفاضته الثالثة ، صحيح ان ما نشهده الان بعد عملية حرق الطفل على دوابشة هبة جماهيرية تهدف الى توجيه رسالة لهذا العدو المتغطرس وقطعان مستوطنيه الارهابين , الا ان نقول بأن معادلة الوحدة الوطنية تلعب دورا هاما في صراعنا مع الكيان الصهيوني وذلك لان الوحدة وصمود الشعب الفلسطيني هو الاساس في الوصول لانتفاضة ثالثة .

ان الواقع الفلسطيني يؤكد الحاجة لانتفاضة ثالثة من اجل الدفاع عن الأرض والمقدسات، وتخلق واقعا جديداً، يتجاوز حالة الانقسام السياسي والجغرافي للشعب الفلسطيني، فالمطلوب حركة فعل دائمة ومستمرة في الداخل والشتات كرد على إنكار الهوية والشعب.

اصبح ان الانتفاضة الثالثة هي نقطة إجماع لدى اغلبية القوى السياسية الفلسطينية، بما فيها حركة فتح، وعلى الجميع أن يتقدم بلا تردد، ويخرج إلى دائرة الفعل لتعميق أزمة الاحتلال، وفضح ممارساته الاحتلالية أمام العالم.

فالانتفاضة والمقاومة تكسبنا بعدنا الأخلاقي والإنساني وتمنحنا القوة التأييد العالمي، وتضاعف من أزمة الاحتلال وتحاصره، وتنزع عن الاحتلال شرعيته الزائفة.

امام كل ذلك نقول ان الجميع يدرك الان ان الهبة الشعبيه والتي اتت كردة فعل شعبي وطبيعي على الاحتلال وقطعان مستوطنيه وسياستهم وممارساتهم الاجرامية، وفي ظل انسداد الافق السياسي وفشل اتفاقات اوسلو وانكشاف استهدافات الاحتلال منها ومخططه لموضوعات التسوية النهائية كما اتضحت بشكل جلي ، تؤكد ادراك الشعب الفلسطيني ان لم يعد ممكن السكوت على ما يجري ، ولذلك كان الرد بنزول الشعب الفلسطيني للشارع لانه يختزن التجربة الحية للانتفاضاته التي لم يمض عليهما عقد من الزمان، وليضيف من خلال هبته تجربة عقود طويلة من الكفاح بكل وسائله، وهي خبرة ما يقرب من عقد من المفاوضات والاتفاقات العقيمة مع الاحتلال ، حيث يتسلح الشعب الفلسطيني بحقه الشرعي والطبيعي بمقاومة الاحتلال وقطعان مستوطنيه بمختلف الوسائل، هذا الحق الذي كفلته لها الشرعية الدولة وميثاق الامم المتحدة وقراراتها.

واليوم نؤكد بأن الشعب الفلسطيني يطالب كل قواه وتياراته دعمه في مقاومة الاحتلال والدفاع عن نفسه وحقه بتقرير مصيره وحريته واستقلاله ، ورفض الاملاءات والمطالبات بالعودة الى مسار مفاوضات عقيمة ، ولم يكن اي شك بماهية الخيار الذي اختاره الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه ومقاومة الاحتلال، لانه يعلم ان خيار الاستسلام ليس خياراً للشعوب، وبخاصة الشعب الفلسطيني الذي ناضل واختزن تجارب غنية.

لذلك فجميع الشعوب التي نكبت بالاحتلال لجأت للمقاومة من اجل تقرير مصيرها بتنوع اساليبها واشكالها المسلح والعنيف والسلبي والسلمي والدبلوماسي والسياسي، فغالبيتها مزجت بين هذه الوسائل مع احتفاظها بشكله الرئيسي الكفاح المسلح ، وابرز مثال على هذا لجوء غاندي للمقاومة الشعبية السلمية بكل اشكالها حتى تحرير الهند من الاستعمار البريطاني ولجوء باقي الشعوب للعمل المسلح بدءا من الثورة الامريكية التي دافع قائدها جورج واشنطن قائلا "لقد رفعنا السلاح في مواجهة اجدادنا البريطانيين دفاعاً عن وطننا امريكا" مروراً بالصين وفيتنام وشعوب العالم الثالث وشعوب اوروبا من النرويج شمالا حتى اليونان جنوبا وفي بعض مراحل نضال الشعب الفلسطيني المعاصر من اجل الحرية، لجأت للدمج بين مختلف الاساليب معا الانتفاضة الشعبية بالداخل والعمل المسلح عبر الحدود والعمل السياسي الدبلوماسي والجماهيري في الخارج وانتفاضة الاقصى .

من هنا امام الهجمة العدوانية الصهيونية التي تستهدف الارض والانسان من خلال بناء جدار العزل العنصري ومصادرة الاراضي وشق الطرقات وعمليات الخرق والاغتيال وتهويد المقدسات الاسلامية والمسيحية و إقرار "الكنيست" الإسرائيلي قانون "التغذية القسرية" للأسرى المضربين عن الطعام ، من حق الشعب الفلسطيني الذي يقدم التضحيات الدفاع عن نفسه وحقوقه بلحمه الحي، وبمساندة الاحزاب والقوى العربيه واحرار العالم وبالاعتماد على حقه المشروع وصموده ونضاله من مواجهة الاحتلال وقطعان مستوطنيه ، وحتى يخضع المجتمع الدولي لتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة .

وفي ظل هذه الظروف نرى انه تقع على عاتق القوى والفصائل والقيادات السياسية والاجتماعية مسؤولية الاتفاق على استراتيجية وطنيه تستجيب لارادة الشعب الفلسطيني ولضغوط المرحلة السياسية واساليب ووسائل السياسي والجماهيري الكفاحية الملائمة كمرحلة من مراحل كفاحه الوطني والموصلة لتحقيق اهدافه، فبرغم الظروف الصعبة والمعقدة والاختلال بميزان القوة وطبيعة المشروع الصهيوني المستند للقوة العسكرية الطاغية .

بالرغم من كل هذا الشعب الفلسطيني يكتب اليوم بدمائه صفحة من صفحات المجد في كفاحه الوطني، بات يفرض هلى الجميع انهاء الانقسام الكارثي بسرعة و الاتفاق على استراتيجية عمل واحدة تمهيداً لاجراء انتخابات عامة .

ان العمل السياسي والكفاحي يتطلب وحدة وطنية فلسطينية ، لانه ما دام الصراع محتدما مع الاحتلال بأقصى صوره، وهو يستهدف اضافة للاستيلاء على الارض ضرب الكيانية السياسية الفلسطينية المستقلة من الجذور، مما يستدعي اهمية ارتقاء القوى السياسية والاجتماعية لمستوى عطاء وصمود وتطلعات الشعب نحو الحرية والاستقلال والبناء الديمقراطي الحقيقي وردم التفاوت القائم بينهما، فالشعب يتسامى على جراحه ويقدم التضحيات ويجزل العطاء ويتفوق على ذاته في ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد، فان بمقدورجميع القوى التغلب على هذه الصعوبات واسترداد المبادرة السياسية وتعزير صمود الشعب ومتابعة نضاله بشروط افضل وبما يضمن متابعة مسيرته الكفاحية لتأمين شروط التسوية السياسية الكفيلة بانهاء الاحتلال وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلةبما فيها حق عودة اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم على ارض فلسطين التاريخية وفق القرار 194،وكل هذا بات رهنا بمدى قدرة جميع الفصائل والقوى على اعادة النظر بادائها وادواتها وبقدرتها على استراتيجية وطنية تستند للثوابت الوطنية وحقوق الشعب الفلسطيني .

ان الشعب الفلسطيني الان يعيش حالة غليان أشبه بالبركان المتحرك الذي يصارع الزمان قبيل ساعة الانفجار، وان شظايا هذا البركان تتطاير هنا وهناك بانتظار اندلاع الانتفاضة الثالثة وانخراط كافة القوى وكل الفصائل دون تردد، وما نراه اليوم من هبة الشباب الفلسطيني تؤكد أن البركان يقترب بشكل متسارع نحو ساعة الصفر وأن لحظة الانفجار باتت قريبة جداً، وان هذه الانتفاضة في حال اندلاعها ستعيد إلى الأذهان البداية الأولى لانتفاضة الحجارة عندما كانت عمليات السكاكين هي الرعب الحقيقي الذي يلاحق الاحتلال في كل مكان.

ختاما لا بد من القول : ان الهبة الشعبيه في الضفة والقدس سترسم خارطة طريق مهمة نحو هدف يتخوف منه أعداء شعبنا ، حيث ستوقف حالة العبث المتواصل بالقضية الفلسطينية وتضع حداً لمفاوضات هزلية تحاول تطمس الحقائق وتمييع الثوابت والقفز على الحقوق وقتل روح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، حيث ان الشعب الفلسطيني وشبابه سيرسمون خارطة النضال من اجل العودة والحرية والاستقلال.

بقلم/ عباس الجمعة