على العكس من غيرهم من المؤمنين بعودة المسيح من جديد، ونزوله إلى الأرض مخلصاً ومنقذاً، كما كان رسولاً مضحياً، يبكي من أجل أصحابه، ويحزن على مصابهم، ويطهر بنفسه شعبه من الذنوب والمعاصي، ويمسح بيده الشريفة على وجه المريض، فيبرئ الأكمه والأبرص والأعمى بإذن الله، ويدعو الله أن يبرئ كل سقيم، وأن ينهي عذاباتِ كل مبتلى، وأن يحمي كل ضعيف، وأن يكون مع الصغير والكبير والمحتاج والمسكين، فإنه سيعود إلى الأرض بإذن الله كما قد رفعه منها، متمماً خيره، ومواصلاً بره، ومحسناً فضله، فيحارب الظلم، ويقاتل الكفر، وينشر السلام ويسود على يديه العدل، ويطمئن الناس، وتسكن الأرواح، وتهدأ النفوس، فلا كره ولا بغض، ولا حقد ولا حسد، ولا جور ولا ظلم، ولا خراب ولا فساد.
إنه المسيح الذي نترقب وننتظر، ونؤمن به ونعتقد، بأنه الذي سينزل إلى الأرض في آخر الزمان، حكماً عدلاً، صادقاً فصلاً، مؤيداً من الله عز وجل ومحفوظاً منه، وهو ما نصت عليه الأديان، وتواترت على ذكره الأحاديث والآيات، وبشرت به الكتب والرسالات.
لكن مسيح اليهود آخرٌ مختلف، ونقيضٌ مغايرٌ، لا يتصف بالعدل ولا يحب الأنام، ولا يعرف المحبة ولا يسعى بالوئام، ولا ينشر الخير ولا يدعو إلى السلام، ولا يسعى لخلاص الشعب ولا لطهارة الأمة، ولا يكون بلسماً للجراح ولا بارياً من الأمراض، بل يظهر محباً لنفسه غير مضحي، أنانياً في طبعه لا يؤثر غيره، يسحق من يقف في طريقه، ويدمر من يعترض مسيره، ويتهم بالكفر والزندقة، والفسق والفجور والعربدة، كل من خالفه وعارضه، وناوئه وخاصمه.
مسيحيُ إسرائيل المنتظر قاتلٌ إرهابي، ومقاتلٌ معادي، وظالمٌ باغي، ومغتصبٌ معتدي، وكاذبٌ مدعي، يأتي بالشر، وينزل بالدم، ويقوم على الخراب، ويدعو إلى الحرب، ويحارب السلام، ويقتل الضعيف، ويحارب المظلوم، ويناصر الظالم، ويعتدي على كل برٍ وصادقٍ، ويؤيد كل كاذبٍ وفاجرٍ، تفرحه الأحزان، وتطريه الآلام، وتبعث الآهات في نفسه المسرة، وتسعده المظالم، وترضيه المفاسد، ولا يبتسم إلا إلى ظالمٍ مستبدٍ، أو كاذبٍ دعي، ولا يرى في غيره إلا عبداً مسترقاً، أو أجيراً مستذلاً، ولا وجود عنده على الأرض للمسرة بين الناس، ولا مجد لديه لله في الأعالي، ولا صلاةً يؤديها تكفيراً، ولا قرباناً يقدمه تطهيراً.
مسيح إسرائيل المنتظر ليس نبياً ولا رسولاً، ولا عبداً لله كريماً، ولا صاحب رسالةٍ عظيمة، ولا يحمل مبادئ نبيلة ولا مفاهيم سامية، إنه مجرمٌ قاتلٌ، سفاحٌ طاغي، يترقب هدم المسجد الأقصى ويتهيأ له، ويحمل معوله وينتظر، ويتقدم نحو الحرب ويستعر.
انتهازيٌ يبحث عن فرصة، ويحوم حول الضحية ويتربص بها، ويكيد لها ويتآمر عليها، ويكاد يهاجمها ويقتنصها، وقحٌ وغدٌ، يجاهر بنوياه، ويعلن مقاصده، ويدعو العالم إلى الوقوف معه ومساندته في بغيه، والقتال إلى جانبه في ظلمه، ويعيب على كل يهوديٍ مترددٍ وخائفٍ، ويتهم كل مقصرٍ وضعيفٍ، بأنه خائنٌ وكافرٌ، ومخالفٌ وعاصي للرب غير مطيعٍ لأوامره، ولا منفذٍ لتعاليمه.
مسيحُ إسرائيل يصنع في الأرض ولا ينزل من السماء، يختاره الإسرائيليون من بينهم، وينتقونه من بين صفوفهم، ولا دخل لله في تحديد هويته، أو بيان شخصيته، وهو ليس مسيحياً واحداً لا بديل عنه، ولا يوجد غيره، بل قد يكون في عرفهم أكثر من مسيحي.
يستطيع كل إسرائيليٍ أن يكون هو المسيح المنتظر، وما على الذي يحلم أن يكون هو المسيح إلا أن يحمل المعول ويهدم المسجد، أو يزرع القنبلة ويفجر الحرم، أو يفخخ جدرانه ويصدع أركانه، أو يفجره من السماء، أو يدمره بالمتفجرات، أو يشعل النار في صحنه ومحرابه، ومنبره وقبابه، ثم يأمر بوضع الأساس لبناء الهيكل المزعوم، واستعادة المعبد المدفونة قواعده تحت المسجد الأقصى وباحاته، ولن يكون المسيحي في نظرهم هو المسيحي المنتظر، إلا إذا كان يهودياً صالحاً، وإسرائيلياً صادقاً، ينفذ وعد الرب، ويلبي رغبة الشعب، ويحقق حلم الأجيال، ويعيد إلى اليهود سابق الأمجاد.
أصواتٌ إسرائيلية يهوديةٌ متطرفة، تعلو بها حناجر المستوطنين والمتدينين والمتشددين معاً، ويؤمن بها العلمانيون واليساريون واليمينيون أيضاً، يدعون رئيس حكومة كيانهم بنيامين نتنياهو لأن يكون هو المسيح المخلص، والرسول المنقذ، الذي يخلص اليهود من معاناتهم، ويضع حداً لعذاباتهم، ويحقق لهم أحلامهم، ويرفع في الأرض المقدسة أعلامهم، ويعيد أمجاد ممالكهم في يهودا والسامرة، وتكون أور شاليم بينهم آيةً وشامة، وعاصمةً أبديةً واحدة، لا يعيش فيها غير اليهود، ولا يتحدث فيها السكان غير العبرية، ولا تكون فيها معالمٌ غير الدالة على اليهود والعبرانية، فهي بزعمهم الأصل، وغيرها على الأرض دخيلٌ غريبٌ، وفي الزمان والتاريخ عابر سبيل، لا وجود له ولا جذور، ولا أصول له تحميه ولا قواعد تبقيه.
المسيحيون الإسرائيليون المنتظرون ليسوا مسيحياً واحداً، فالمرشحون للعب هذه الدور، وتقمص هذه الشخصية كثيرون، يزدادون ولا ينقصون، ويتنافسون ويتسابقون، وهناك من يحرض على وجودهم، ويدعو إلى ظهورهم، ويعجل في إعلانهم والكشف عنهم، وعلى العالم أن يحترم المسيح الإسرائيلي وأن يصدقه، وأن يقبل به ويقدره، وأن يسهل مهمته وييسر طريقه، وألا يعارض مشيئته أو يعترض إرادته، فهو بزعمهم رسول الرب، ونبي السماء، ينفذ وعد الله، ويحقق وعد الأنبياء.
ألا إننا نكفر بالمسيح الإسرائيلي ولا نؤمن به، ولا نضعف أمامه ولا نخاف منه، ولا نصدق كلامه ولا نؤمن بروايته، ونعتقد أن قولهم إفكٌ ودعواهم باطلة، وأمنياتهم كاذبة وأحلامهم فاسدة، ولكننا نؤمن بأن المسيح رسول الله عيسى عليه السلام، سيبعث من جديد، وسينزل إلى الأرض مرةً أخرى، يقاتل اليهود ويقيم العدل، ويقتل المسيخ ويحرر الأرض، ويدخل المسجد ويصلي بالناس إماماً، ويكون لسان الحق وميزان العدل، ورسول السلام، وحينها لن تكون للإسرائيليين دولة، ولا للقتلة المجرمين الصهاينة في أرضنا مكان، فهل نقتل مسيحيهم، ونبطل سحرهم، ونكشف باطلهم، ونفضح كذبهم، ونرد كيدهم إلى نحرهم.
بقلم/ مصطفى يوسف اللداوي