سأله ابنه الصغير بينما ، كانت سيارة تقلهما ،على أحد الطرق، و عبر أحد الأماكن ..حيث ملأت الدهشة وجهه البريء ،وتلعثمت شفتاه لكنه قال من هول شدة المشهد الذي رآه.. يا أبتي ..مالي أرى ذات الوجوه التي كانت تجلس بالأمس بصمت وبوقار في سرادق العزاء تلك الوجوه التي كانت عابسة تبدو عليها ملامح الحزن والأسى.. ترشف بصعوبة بالغة فنجانا من القهوة، تتبعها تمرات ..اليوم أراها تتراقص وتمرح في رقص ٍ ماجن على أنغام الموسيقى والتي تصدر عبر مكبرات الصوت ،مالي أراها يا أبتي ..تتمايل وهي تمسك بعلب ِ الكولا ،والبيبسي، وتتنافس لنيل حبات الحلوى التي تتناثر حولهم ، من كل مكان.. ومن فوق رؤوسهم ،وكأن شيئا لم يحدث .. لقد تعلمنا أن نشعر بشعور الجسد الواحد الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء بالحديث الشريف: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) .
وكذلك : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه) .. فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا..؟!! قال له والده ،وقد تأثر بذات المشهد الذي تصور أنه سيمر مرور الكرام أمام ابنه..إنك حينما تحمل همّ المسلمين في قلبك، ويتوجع ذلك القلب، وتدمع عينك ،حينها فقط عليك أن تدرك بأنك إنسان ..فكما يقول البعض أن ا لموقف الشرعي الصحيح في أداء الحق الشرعي للأخوة الإسلامية؛ والعقد الإيماني بين المسلمين؛ وهو الوقوف مع المسلمين في آلامهم وأتراحهم؛ إنه الشعور بالجسد الواحد عندما ما ينزل بهم من البلاء..ثم استطرد الأب بصوت خافت قائلا..إنها الثنائيات ..وما أكثر الذين يجهلون كيف يتعاملون مع الثنائيات اليوم يابني في تعاملاتهم اليوم ..ابتسم ابنه، وقال ماذا تقصد يا أبتي بالثنائية ..؟!!قال له والده ..هي ثنائية قد يكون فيها بعض الحرج أو التخبط ..والثنائية هي تعرض الإنسان لموقف ٍ محرج ٍ يجمع بين الحزن والفرح ،بين الألم والأمل ..الثنائية برأيي تعني سقوط المطر ،والشمس ساطعة ،وتعني تعرض الإنسان للصقيع في شهر تموز ..المشكلة أنه ..ما أكثر الذين يتصرفون بحماقة ،وعدم الفهم مع مثل تلك الثنائيات.. فيخسرون أقرب الناس إليهم بجهالتهم، وجهلهم ..اليوم الكثير من أبناء شعوبنا وفي بلاد العرب أوطاني يصعب عليهم التعامل مع تلك الثنائيات بشكل شرعي أو لائق ..قاطعه ابنه بفطرية ..لكن كيف يفرح المسلم ويحزن في آن واحد ..؟!
كيف نقيم الأعراس والحفلات ،وعلى مقربة منا تمر جنازة ..كيف نفرح و قريب لنا أو جار قد مات ، من أيام ٍ قلائل ..إنه الرقص طربا.. على ويلات الآخرين..!! قال له ابنه وقد دمعت عيناه ليتك توضح لي أكثر ..رد الأب على عجالة منه
لنفترض أن هناك جاران متحابان أحدهما خرج ابنه من الأسر بعد سنوات طوال ،والآخر قد مات ابنه الوحيد فانفجع قلبه حزنا عليه ..فماذا يمكن بتصورك أن يفعل الأول الذي كان يحلم بتلك اللحظة التي يُفرج فيها عن ابنه السير من السجن..وماذا يفعل الثاني بألمه ولهيب قلبه الذي تتأجج بفقدان فلذة كبده ..هو موقف صعب من رجلين بينهما مودة وتقدير واحترام ..قال الولد ..حقيقة لا أدري كيف يفعل كل منهما تجاه الآخر هو أمرٌ غاية في الصعوبة والتعقيد ..!!
رد عليه الأب ..لو اتبعنا تعاليم ديننا ..لما وقعنا في كيفية عدم التعامل مع مثل تلك القضايا ..فالإسلام يقول لك.. والله تعالى أعلم .. إن الأول يجب عليه.. أن يفرح بمقدار محدود يحقق لنفسه نشوة الفرح ولا يزيد بفرحته هذه جراح جاره وكمده وآلامه فيأتي بالسنن والواجبات و المستحبات في الأعراس ،ولا يزيد عن هذه الأمور أو يؤجل عرسه لأيام آخر ،إن استشعر بأنه قد يزيد من حزن جاره أويزيد من جراح أقربائه .
وأما الثاني.. فلا يزيد في حزنه ..فيقتل فرحة جاره . إذا الأمر يتعلق بعدم الإفراط أو التفريط ..وذلك هو المخرج الأنيق لمثل تلك القضايا .. فلو زاد الجار الأول في فرحه لا يكون بذلك قد ارتكب إثما ..بتجاوزه حدود الشارع..ولكنه حينئذ يعد من الغافلين ،فينضم بذلك لقاموس السفهاء والحمقى ..أو ما يكفيه خسران جاره أو أقربائه ..لكن يابني مصيبتنا، هي أنه كم زاد عدد السفهاء في أيامنا ..!!
بقلم / حامد أبوعمرة