الكهرباء لا زالت الأزمة الأكثر تأثيراً على مناحي الحياة في قطاع غزة, والتي تزيد من سخط المواطنين, وتفاقم تلك المشكلة في ظل ارتفاع درجات الحرارة ولدرجات هي الأعلى منذ سنوات دفع الغزيين لتداول مزيداً من النكت والتي تعبر عن مأساوية ما يجري؛ حيث قيل الكثير عن تلك الأزمة؛ ولكن في الأيام الأخيرة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي استحوذت قضية الكهرباء نسبة كبيرة من تعليقات الغزيين, ومن تلك الأقاويل الساخطة والتي تؤكد أن الأزمة سياسية مفتعلة من قبل أباطرة الانقسام وأكفأ من يدير هذا الملف منذ 9 سنوات؛ " لو بحر غزة سولار والله لتقطع الكهرباء ", 9 سنوات وقطاع غزة يموت ببطء , كل مناحي الحياة تُسلق كسلق الضفادع, الكهرباء كغيرها من القضايا ( رواتب السلطة والحكومة, إعانات البطالة وبرامج التشغيل المؤقت, عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين , منظمات المجتمع المدني, المعابر) تقع ضمن سياسات سلق الضفادع أي أن يموت الفلسطيني الغزي ببطء دون أن يشعر بألم, حيث يتم السلق على نار هادئة لأنها لو تمت على نار شديدة فستخرج الضفادع مُعلنة التمرد والثورة ضد من يمارس عملية السلق ؛ وهذا ما لا يرغبه مُعدي السياسات الخارجية لبعض الدول؛ من يتابع بشغف نقاشات الغزيين على الفيس بوك يشعر بحجم الكارثة التي وصل إليها الفلسطيني الغزي؛ ومن تلك النقاشات ارتفاع عدد الراغبين بالهجرة إلى الخارج مستندين بذلك لقول الإمام على بن أبي طالب " الفقر في الوطن غربة, والغني في الغربة وطن" ومن أبرز ما كُتب"في ظل وجود الفقر أصبحت الهجرة واجب وطني" ؛ إضافة إلى أن حجم المعاناة أدى لوجود مشاغبات فيس بوكية غزاوية ومنها القصة التي تداولتها على صفحتي على الفيس بوك والتي رافقها الكثير من التعليقات ومنها الساخرة والتي تعني أن جُل تفكير الغزي اليوم هي في كيف يخرج من تلك الأزمة؛ تقول تلك القصة أن شاباً يبلغ من العمر 25 عاما ويعيش بغزة , ومع شدة موجة الحر وانقطاع التيار الكهربائي , خرج كغيره من آلاف الشباب إلى الطرقات والمفترقات والكفتريات, وعندما وصل لمفترق الشجاعية وسط مدينة غزة ( وهو المكان الأكثر اكتظاظا بالفقراء والمارة والهاربين من أزمة انقطاع التيار الكهربائي) سأل هذا الشاب شيخاً ومحاضراً جامعياً؛ عن أن الشيخ عبد القادر الكيلاني قال سابقا أن إطعام جائع خير من بناء ألف جامع, فأجابه الشيخ نعم صحيح وإطعام شخص فقير خيراً عند الله من كساء الكعبة بالحرير, فقال الشاب لقد هرمنا شيخنا وأنزفنا الفقر والجوع وقلة فرص العمل وأرهقتنا البطالة وتزايدت أعباءنا أكثر مع انقطاع التيار الكهربائي, فما هو الأفضل للسلطة والحكومة الفلسطينية أن تنفق 80% من موازناتها على بند النفقات الجارية أم تفكر جدياً بإعادة النظر بالموازنات والاهتمام بقضايا التنمية الاقتصادية ومنها بناء محطة لتوليد الكهرباء تنقد حياة 1.8 مليون غزي من تلك الأزمة والتي أدت لتراجع الإنتاج المحلي, وأحدثت كساداً في العديد من الأنشطة الاقتصادية وزادت الأوضاع سوءاً وتعقيداً, فقال نعم بل أن ذلك ضرورة وأولوية ؛ ولكن لا زالت سياسات الحكومة غير راشدة ولم تولي اهتماما واضحا لمشاريع التنمية الاقتصادية, وهذا يتضح من خلال المؤشرات الكلية في قطاع غزة ومنها أن ارتفاع الناتج المحلي بغزة وارتفاع النمو في سنوات الضياع الثمانية وارتفاع الإنفاق الحكومي لم يرافقه تحسن في الاقتصاد ولم ينعكس في مستويات المعيشة؛ ويعود ذلك لسياسات الحكومة غير الكفؤة والتي لم تهتم بالبعد الاجتماعي والتنموي لكل سياسة تتخدها ( في الفترة من 2007-2013 بلغ عدد موظفي الحكومة المقالة بغزة 38911 شخص منهم 19844 موظف مدني و19067 عسكري), كما أن الانقسام السياسي رافقه تفاقم مثل تلك الأزمات؛ هذا الرد زاد من حيرة هذا الشاب, وقال وبكل غضب وسخط " متى وثقتكم بالساسه ولقد ولدتهم أمهاتهم أوغاداً ورأسماليين متوحشين", كذلك هناك نكثة تحاكي أزمة الكهرباء وهي أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قام برحلة لصيد العصافير والحمام في مدينة بيت لاهيا شمال غزة؛ الغنية بالأراضي الواسعة والمياه العذبة والحمضيات والفراولة: وعندما قام عرفات باصطياد حمامة الكل بدأ يصفق ويكبر " الله أكبر, أبو عمار صياد ماهر , قائد وزعيم وصياد ماهر يا لها من معجزة تضاف لمعجزات وكرامات رئيسنا وحبيبنا أبو عمار" , وفجأة طارت الحمامة, فقال مرافقي ياسر عرفات : سبحان الله وتبارك الله؛ الحمامة تطير وهي ميتة!, واليوم وبعد 21 عام من تلك الحادثة المشهورة في غزة , تتكرر نكثة تم تداولها على الفيس بوك والتي تقول أن نواب المجلس التشريعي ومؤسسات المجتمع المدني وشركات القطاع الخاص في غزة قد اجتمعوا اليوم بغزة لحل مشكلة الكهرباء محاولين التخفيف عن كاهل الرعية في غزة وتحديداً مع التوقعات القائلة أن هناك اشتداد لموجة الحر الأسبوع القادم بدرجات عالية, اجتمعوا بمبنى التشريعي وتحت قبته وكغيرهم من العامة تم الاجتماع والكهرباء قاطعة وعلى نور الشمع؛ وأثناء الاجتماع ؛ صرح أحد النواب أن حل أزمة الكهرباء هي مسألة وقت وسيقوموا بحلها بشكل جذري؛ تفاجأ الصحفيون أن هناك صوتا عاليا مصدره المايك والمراوح اللي طلعوا شغالين, فقالوا هل الكهرباء واصلة أم قاطعة, قائلين نحن نزلنا خبر بوكالات الأنباء مفاده أن نواب ومؤسسات غزة مجتمعين دون وجود كهرباء والعالم مهتم بذلك ويشيد بتواضع مؤسسات ونواب الشعب الفلسطيني, فرد النائب الغزي والذي يتجول كغيره من النواب يوميا بسيارة فاخرة في شوارع يسكنها جموع من الأسر الفقيرة والمهمشة " سبحان الله المروحة والمايك شغالين والكهرباء قاطعة, استبشروا خيراً أهلنا بغزة, فالحل بات قاب قوسين أو أدنى, الحل مسألة وقت ", فتوكلوا على الله , لن تغرق غزة بعد اليوم ما دام نوابكم وأحبابكم يسعون لإنهاء هذه الأزمة, وما جرى اليوم أكبر دليل على أن النور سيكون طريقكم!!
بقلم / حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي_غزة