من الواضح انه بعد توقيع الإتفاق النووي الإيراني بين طهران والمجموعة الدولية (5 + 1)،ومن خلال اللقاءات المكثفة والزيارات في أكثر من بلد ولبلد،والتي تشارك فيها الأطراف الدولية والإقليمية والعربية المشتبكة والمتصارعة على المصالح والنفوذ والمكانة في المنطقة،روسيا ومعها ايران وسوريا وحزب الله وأنصار الله اليمنية وامريكا ومعها "اسرائيل" وتركيا والدول الخليجية وبالذات السعودية وقطر والإمارات يضاف لهم مصر،هناك حراك جدي صوب الحلول السياسية في المنطقة،من خلال ما يجري طرحه من مبادرات لحل الأزمات الأساسية في سوريا واليمن على وجه الخصوص،يلي ذلك العراق وليبيا.
هذه الحلول ما كانت ممكنة لو إستطاعت امريكا والمروحة الواسعة من حلفائها وعبر القوة العسكرية وادواتها الإرهابية والتكفيرية التي قدمت لها كل مقومات الدعم عسكرياً ومادياً وبشرياً ولوجستياً وإستخباراتياً "القاعدة" ومتفرعاتها من "داعش" و"النصرة" و"جيش الفتح" وغيرها من الجماعات الإرهابية أن تحقق أهدافها،اما وقد جرى توقيع الإتفاق النووي الإيراني بعد حصار ممتد لأكثر من (35) عاماً،وصمود سوريا في وجه الحرب الكونية التي شنت عليها،وعدم قدرة السعودية وعاصفتها المسماة ب"الحزم" على هزيمة أنصار الله "الحوثيين" وفرض قيادة يمنية بديلة عليهم تدار من قبل السفير السعودي في اليمن،وبداية خروج وتمرد الجماعات الإرهابية على مشغليها بحيث باتت تشكل خطراً على البيئة والحواضن التي وفرتها ودعمتها،ولعل التفجير الإرهابي في أحد جوامع مدينة أبها السعودية أمس الخميس،وقتل وجرح عدد كبير من المصلين اغلبهم من قوات النخبة السعودية، يدلل على ذلك بالممارسة العملية،ولذلك شهدنا إستدارات وتبدل في المواقف من قبل السعودية وتركيا على وجه الخصوص من تنظيم" داعش"،لكي تنخرط في الحرب على الإرهاب،والذي قالت سوريا بأنه لا حلول سياسية بدون توافق دولي على محاربة الإرهاب،والتراجع والتغير في المواقف السعودية والتركية الحاصل،وإن كان غير مبني على قناعات ولكل منها اهدافها ومصالحها من هذا التراجع،فتركيا تريد من خلال موافقتها المشاركة في الحرب على "داعش" خلط الأوراق،وإتاحة الفرصة لها في ظل الموقف الدولي ضد الإرهاب،لكي تمارس تصفية حساباتها مع الأكراد.
هذه الحركة السياسية والمحادثات والزيارات واللقاءات المكثفية،والتي جمعت وزير الخارجية الأمريكي كيري مع قادة مجلس التعاون الخليجي في الدوحة،وكذلك اللقاء الأمريكي – الروسي- السعودي في الدوحة،واللقاءات الإيرانية –السورية – الروسية في طهران، ومباحثات وزير الخارجية الروسي وليد معلم مع نظريه العماني بن علوي في مسقط،والجولة المرتقبة لوزير الخارجية الإيراني للمنطقة وشمولها لسوريا ولبنان والعراق،والحديث عن مبادرة ايرانية لحل سياسي للأزمة السورية،تحت سقف الرئيس السوري بشار الأسد،والتشاور بشأنها مع مصر وقطر وتركيا لحشد التأييد لها ورفعها لمجلس الأمن الدولي للمصادقة عليها،وما سبق ذلك من لقاء على درجة عالية من الأهمية،تمثل بلقاء رجل سوريا القوي ومسؤول مخابراتها علي المملوك مع ولي العهد والدفاع السعودي في الرياض،وغيرها من الزيارات والتحركات الدولية والإقليمية والدولية،كلها تقول بأن تداعيات ونتائج شديدة الأهمية ستترتب على مثل هذه اللقاءات والزيارات والحركة السياسية النشطة.
قوى العدوان والمشاريع السياسية المستهدفة للمشروع القومي العربي والأمة العربية،وحلقاتها المركزية سوريا والعراق ومصر،بالتقسيم والتجزئة والتفتيت والتذرير والتفكيك وإعادة التركيب للجغرافيا العربية على أساس التخوم المذهبية والطائفية،وخلق الكيانات الإجتماعية الهشة الفاقدة لإرادتها السياسية وقرارها وغير المتحكمة بخيراتها وثرواتها..الخ،ناهيك عن أدخال المنطقة العربية في حروب التدمير والإنهاك الذاتي،فشات في مشروعها،وباتت على قناعة تامة بأن فرص الحسم العسكري لأي من الأزمات القائمة،من ليبيا وحتى اليمن غير ممكنة،وانه لا مناص من سلوك طريق الحوار والتفاوض كسبل ممكنة لحل ومعالجة الأزمات القائمة،وفي مقدمتها الأزمة السورية.
نحن اذاً نستطيع توصيف المرحلة القادمة إستناداً لذلك على انها مرحلة التهيئة وخلق البيئة للحلول السياسية،وهذا ما كان ممكناً تحقيقه قبل توقيع الإتفاق النووي الإيراني،وتحقيق الجيش السوري لإنجازات ميدانية وعسكرية،وصمود الحوثيين،وتقدم الجيش العراقي والحشد الشعبي نحو مواقع "داعش"،يضاف لذلك بأن الإرهاب بات معضلة حقيقية للمجتمع الدولي،وبدأ يخرج عن سيطرة مشغليه وحاضنيه،بل وجه لهم ضربات في العصب،للسعودية الحاضنة والمنتجة والممولة له،إستهداف قوة النخبة السعودية في أبها من خلال تفجير إنتحاري في أحد الجوامع التي تأمه للصلاة،اختطاف جبهة النصرة لعدد من المرتزقة الذين دربتهم امريكا من ما يسمى بالجيش الحر في سوريا،وإستهداف "داعش" لتركيا بالتفجيرات.
لا اعتقد بأن سوريا ولا جماعة أنصار الله في اليمن "الحوثيين"،ستقبل بأي حل سياسي لا يحترم ولا يلبي إرادة وطموح شعبها،فما عجزت قوى العدوان عن تحقيقه في المعكرة والميدان،لن تستطيع إنتزاعه بالتفاوض،فسوريا في أحلك المراحل التي مرت بها رفضت التفريط بحقوقها وسيادتها الوطنية والمساومة عليهما،وكذلك هم أنصار الله،فلا قبول لأية حلول سياسية تؤمن مصالح العدوان والمعتدين.
خلاصة القول نقول، أن حروب المنطقة وصراعاتها، قد أنهكت الجميع واستنزفت قواهم ومواردهم، وقادتهم بعد طول وقت وعناء وأثمان مكلفة، إلى استخلاص الحاجة للبحث عن حلول سياسية وبدأت مسيرة التدحرج صوب الحلول السياسية،وثمة تداعيات شديدة الأهمية ستنتج عن التحركات واللقاءات والزيارات المكثفة،والتي في بعضها جمعت ألد الأعداء،وخصوصاً بعد نجاح روسيا في جمع رجل المخابرات السوري القوي علي المملوك مع ولي العهد ووزير الدفاع السعودي في الرياض.
بقلم/ راسم عبيدات