لا شك أنك لن تنفعل بعد قراءة المقال أكثر من انفعالك قبله، ولن أزيح عن عيونك ستارا يحجب ما لم تره على شاشات الفضائيات أو الإنترنت، بل لن أزيد من عشقك للقدس فلا أعلم في قلوبنا مكاناً لعشقٍ أكبر، ولن تذرفَ الدموع على مسجدها المنكوب، ولن تسبّ الإحتلال ومن زرعه في أرضنا، أو صمت الحكام العرب وخذلانهم لكل ما يمس كرامة شعوبهم وحاضرهم ومستقبلهم فلم يعد في اللغة من شتيمة تصلح لما نحن فيه، فهل ستصلي ركعتين تدعوا فيهما لأهل القدس المرابطين في المسجد الأقصى وحوله، لا أعلم، لربما ستنشره على صفحتك أو تشير إليه لأحد اصدقائك وليتك تقرأه على أبنائك أو من لا يقرأ ويكتب من أهلك.
وكيف توقظك كلمات مسطورة، وقد سمعت صرخات أخوات خولة الّواتي يسهرن على حراسة أبوابه وأنت تغط في سبات عميق، يصدّون زحف عصابات منظمة تريد فرض واقع سيُلحق العار بكل المسلمين جيلا بعد جيل حتى يوم القيامة، لا سلاح لهم إلا الرباط والتكبير، وأنت تصرخ " الله أكبر" إعجابا بساقطة أبدعت في العري والمجون، ورأيت رجال القدس يرابطون في ساحاته ومصلّياته محاصرين من آلاف المستوطنين الحاقدين والجنود المسعورين، وأنت تنتظر برنامجا ترفيهيا أو مسلسل "باب الحارة" بل "حارة اليهود"، يُمنع المصلون من شد الرحال إليه حتى صارت الصلاة فيه أمنية تنبض في قلوب أكثر من جيل حيٍّ ولا تجد الأمر يستحق التأمل والتفكير إلا في تحميل المسؤولية للغير، يُعلَنُ بوقاحة عن جمعيات غاية أملها أن تهدم الأقصى وتقوم بفعاليات تستفز النبي في مرقده وأنت تحلل الأحداث بالحكمة والكلام اللين.
أحقا كان عمل المبضع في جسد الخليفة أهون من أن تنتزع القدس من أرض الإسلام، وأن جيش الخلافة ما تنازل عن القدس إلا حفاظا على المسجد الأقصى والمقدسات، ثم ندم البعض فعادوا ليستشهدوا على أبوابها بدلا من عار التخلي عنها، أحقا ثارت كل فلسطين قراها ومدنها حين تطاول الإنجليز والصهاينة على حائط البراق فاستشهد في الأحداث أكثر من 130 رجلا ونفذ حكم الإعدام على الزير وحجازي وجمجوم في الثلاثاء المشؤوم 17-حزيران-1930، وما تسلمت إسرائيل القدس حين النكبة إلا على طبق الرعب على العِرض والنّفس بعد دير ياسين، ورغم الحرب والكوارث إلا أن الأقصى بقي مطمئنا بين أهله ولا يحلم بأن يسلّم للعدو كما حدث في عام 67، ورغم الخيانة إلا أن أهله أحاطوا به وتعاهدوا على الذود عنه بالغالي والرخيص فيتركه موشي دايان بأيدي العرب مرغماً، وظل محصناً برجاله كريماً بمكانه والناس يقظة لا تنام عنه، تزمجر بإضراب عام 84 إذ خطا على بلاطه حرس الحدود الإسرائيلي، وبانتفاضة عام 87 وثورة عام 2000، ثم رجال لا زالوا هناك على أبوابه مستعدون لدفع ثمن الإنتماء إليه أرواحهم وكل غالٍ ورخيص يقودهم شيخ الأقصى رائد صلاح.
" الأقصى في خطر لأن البعض قبلوا أن يفاوضوا عليه وقبلوا أن يساوموا عليه، وبمجرد أن قبلوا أن يكون الأقصى على طاولة المفاوضات،هذا يعني أنهم يمكن أن يفرطوا فيه أو في بعضه " ،حقا شيخ كمال الخطيب، والمصيبة أننا نتعامل مع أمة لا تعترف بعهد أو ميثاق و ترى أن أي تفاوض وسيلة لغنيمة بلا مقابل، وتحقيق نصر بلا حرب، وحركات يمينية متطرفة، تسير على خطة محكمة نفذوا منها الكثير وتساندهم على تنفيذها حكومات ومنظمات رسمية وغير رسمية، كان آخر جزء فيها شتم النبي على أبواب الأقصى أمام الكاميرات ،ثم يستضيف الإعلام الرسمي الشاتمين ليؤكدوا أنهم غير نادمين ومؤمنين بحقهم في تدنيس المسجد في أي وقت واستفزاز المسلمين بكل مقدساتهم، وها هم لم يجدوا في أمة المليار من يحتج بمظاهرة أو اعتصام أو تصويت بطرح الثقة عن حكوماتهم التي لم تقم باحتجاج أو استدعاء سفير أو تحرك آليات عسكرية، لا سمح الله!!!، بل بثورة تقلب نظاما لا يحترم دين شعبه ومشاعره، كيف ذلك، والأمة تنظر إلى القدس كميراث سلّم لابنٍ فاسقٍ، إن حفظه ما سألنا وإن ضيّعه شمِتنا وفرحنا أنه لم يضع على أيديها.
بالقدس رجال ارتبطت حياتهم بالمسجد الأقصى، حملوا مسؤولية الدفاع عنه قبل أن يحملوا أول حقيبة مدرسية، ونساء ينظرن إليه كل صباح قبل أن يطمئنوا على اطفالهم الرضع، تغفل ألسنتهم عن الدعاء لأبنائهم لكن لا تغفل عن الدعاء له، وهناك أيتام بفلسطين حرموا من زيارته والدفاع عنه وهو في قلوبهم، وقيادة تتعاطى المفاوضات كالهيروين، فلا سبيل للحياة بدونها ولو كممت الأفواه واغتصبت الأرحام وضيعت الأموال.
من لا يرى خلال الغربال أن المؤامرة أحكمت ولم يبق من خيوطها إلا الاستيلاء على القدس والتخلص من المسلمين فيها وهدم المسجد أو تحويله إلى كنيس يرتع فيه اليهود ومن هاودهم، وتحويل المصليات إلى حظائر للخنازير والأبقار، وأن انتظار صلاح الدين ليحررها ونحن راقدون في البيوت نتابع الأحداث على التلفاز أو الإنترنت غاية تضحيته وجهاده، فلينتظر سؤال ربه القدوس عن المقدسات، وليكتب بيده حكم التاريخ بأننا الجيل الذي ضيع القدس بلا مقاومة أو دماء.
أسامة نجاتي سدر