مع اقتراب بداية العام الدراسي في مختلف المدارس، بما في ذلك مدارس وكالة الغوث، يمكن ملاحظة حالة التوتر والغضب والخشية السائدة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين حيثما وجدوا، وخاصة اولئك الذين يعتمدون في تعليم ابنائهم على مدارس الوكالة.
وحتى لا نغرق في التفاصيل، فانه يمكننا التأكيد على ان ما هو معلن وبشكل قطعي، ان هنالك ازمة حقيقية تعيشها وكالة الغوث تتعلق يالتمويل، حيث ما زالت عاجزة عن توفير المبالغ اللازمة لتمويل العام الدراسي القادم، وهي تحتاج الى مبلغ مئة مليون دولار من اجل البدء بالعام الدراسي الجديد، وإلا فان امكانية تأجيل افتتاحه تبقى واردة حتى اللحظة الاخيرة.
هذه اصبحت معلومات متوفرة لدى الجميع، وليس مجرد تحليل أو تكهنات، فوكالة الغوث حتى تاريخه تعجز عن توفير المبلغ المطلوب للبدء بالعام الدراسي، ذلك ان الدول المانحة والتي هي بشكل اساس "اميركا وكندا والاتحاد الاوروبي" ليس لديها الاستعداد للمساهمة في تمويل العجز، عدا عن ان استراليا التي تساهم سنويا بمبلغ عشرين مليون دولار افادت بانها لن تقدم اية مبالغ اضافية.
موضوع وكالة الغوث يعتبر من اكثر المواضيع خطورة وخاصة إذا ما تم ربطه بحق العودة للاجئين، بالإضافة إلى ان هذه المؤسسة الدولية تعتبر أحد أهم الشهود على المأساة الفلسطينية، المتمثلة بالنكبة، ومسؤولية دولة العصابات عن ذلك.
وكالة الغوث هي التي يقول عنها ايلان بابه في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين"، انها شكلت مشكلة حقيقية لدولة الصهاينة، وان القادة الصهاينة للدولة "الوليدة" حينئذ، حرصوا أشد الحرص على ألا يكون اي من موظفيها ممن شهد "فظائع هتلر ضد اليهود" وذلك حتى لا يقوم هؤلاء بعقد مقارنات بين ما "قامت به القوات النازية، وبين ما كانوا شهودا عليه في المأساة الفلسطينية".
حل مشكلة التمويل للعجز القائم، وبرغم انه مسؤولية دولية، خاصة في ظل ما نراه من هدر لمليارات الدولارات على حروب لا تهدف سوى الى القتل والدمار، تتطلب من الجماهير الفلسطينية بسكل عام والمتضررين بسكل خاص، الخروج الى الشوارع من اجل الاحتجاج والتظاهر والضغط المتواصل، من اجل ان يتحمل العالم مسؤولياته.
ان الدعوات التي يطلقها البعض عن فتح للمدارس بالقوة، او التعليم المجاني للطلاب من قبل متطوعين أو سواهم، لن يكون هو الحل، لا بل ربما يسهم في تعقيد المشكلة من خلال الايحاء للعالم بان اللاجيء الفلسطيني اصبح قادرا على القيام بما تقوم به الوكالة، وهذا الحل في الحقيقة سيكون ردة فعل "عصبية" لن تستمر طويلا، ذلك ان المعلم بحاجة الى "راتب" وهو ان صمد شهرا فلن يصمد الشهر الذي يليه، وان صمد لشهرين، فلن يصمد لثلاثة اشهر.
مشكلة وكالة الغوث هي مشكلة حقيقية يجب التعامل معها بكل مسؤولية، وسوف يكون لها انعكاسات اكثر خطورة ليس فقط على الخدمات الاخرى، لا بل على وجود الوكالة نفسها وهذا يعني فيما يعنيه انهاء وكالة الغوث كشاهد حي على الماساة الفلسطينية.
ان التعامل مع هذه القضية يجب ان يرتقي الى حجم الخطورة التي تمثلها، ويجب النأي والابتعاد عن اصدار البيانات الفارغة والكلمات النارية والشعارات الرنانة، هذه الصفة التي نتصف بها كشعب فلسطين ربما أكثر من كل شعوب الارض قاطبة، وهذا يأتي بتقديرنا من خلال الخروج بمظاهرات عارمة الى الشوارع، ومحاولة ايصال الصوت الاحتجاجي الى مكانه الحقيقي والمتمثل في دولة الصهاينة وكل الدول الراعية لها منذ نشأتها إضافة الى الدول العربية والسلطة الفلسطينية التي لا بد لها من القيام بكل ما تملك من قوة للضغط على الامين العام للقيام بدور أكثر فاعلية، وبكل ما يلزم من اجل تجنيد الاموال الضرورية لحل القضية والبدء بالعام الدراسي في موعده المقرر.
رشيد شاهين
10-8-2015