في ضوء هذه التطورات الراهنة ، التي تعيشها القضية الفلسطينية نتيجة المؤامرات ، ومن اجل مجابهة ووقف آثارها ومفاعليها الخطيرة على حاضر ومستقبل قضيتنا ونضال شعبنا ، في ظل حالة الانقسام الفلسطيني الكارثي التي تطل فيها عوامل اليأس والقلق والخوف ، وفي ظل تصاعد الارهاب الصهيوني الاستيطاني بحق الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس، اضافة للحصار المفروض على قطاع غزة ، وصولا الى مؤامرة تقليص خدمات الاونروا للاجئين ، لهذا نتساءل امام كل هذه الظروف اين نحن مما يجري كشعب ومنظمة وفصائل وقوى وسلطات ، لماذا حالة التراجع والعجز في مواجهة المخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية ، وذلك انطلاقا من أن الحديث عن التمسك بالثوابت الفلسطينية، أو الحديث عن مستقبل المشروع الوطني أو النظام السياسي والدولة المستقلة، لن يكون له أي معنى ايجابي، دون وجود برنامج وطني يكون برنامج الاجماع الوطني، وخاصة في ظل تصاعد الأصوليه ومنطلقاتها الدينية في المجتمع الفلسطيني.
وامام الظروف الدقيقة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وخاصة بعد الجرائم المتواصلة بحقه من قبل الاحتلال وقطعان مستوطنيه الارهابيين والتي ادت الى حرق عائلة دوابشه ومن ثم إقدام عصابات المستوطنين بدعم قوات الاحتلال الصهيوني على تدنيس المسجد الاقصى ، وكتابة شعارات معادية للعرب والمسلمين على جدرانه ، كل ذلك يؤشر إلى أن الإرهاب الصهيوني هو إرهاب دولة وقد وصل الى مرحلة خطيرة لا يمكن السكوت عليها، فإن هذه الجرائم النكراء دليل آخر على أن العدو الصهيوني يعمل جاهدا على تنفيذ خططه ومخططاته التوسعية، واستكمال تهويد مدينة القدس والمسجد الأقصى في ظل صمت عربي ودولي ، امام هذه الجرائم البشعة التي تكشف عن خطورة وجود المستوطنات والمستوطنين في الأرض الفلسطينية المحتلة ، وأن مهمتهم علاوة على اقامة المستوطنات واحتلال الاراضي الفلسطينية، هي ترهيب المواطنين الفلسطينيين وترويعهم ودفعهم الى مغادرة وطنهم.
أن صمت المجتمع الدولي على جرائم الاحتلال المتكررة و الممنهجة بصورة متصاعدة وشبه يومية ، بدءا من الاستيطان وجرائم التطهير العرقي ، واستباحة المقدسات ، واقتلاع الأشجار، والجرائم اليوميه بحق الاسرى والاسيرات وصولا الى جرائم الحرق والقتل الذي يندى لها جبين الانسانية ، يجب على العالم وكافة القوى الحية بأن لا تمر جرائم العدو دون عقاب، فكفى ادانة واستنكار ، لان ما يجري اصبح واضحا للجميع ان هذه الجرائم مستظلا بـ(الفيتو) الأميركي الذي يحميه من ملاحقة القانون الدولي، وان الانحياز الامريكي لكيان العدو اصبح ايضا واضحا للجميع ، وان ما يتعرض له الشعب الفلسطيني هو ارهاب دولة ، يفرض على المجتمع الدولي أن ينهض بمسؤولياته لحماية الشعب الفلسطيني من ذلك الإرهاب الممنهج ، والذي يهدف بالدرجة الأولى الى ترويع الشعب الفلسطيني ودفعه الى مغادرة وطنه كما حدث في العام 1948.
من هنا لم يعد مفهوما، ولا مقبولا العودة الى مسار المفاوضات ما دام العدو نفسه ، فان موقف الولايات المتحدة الأميركية هو المسؤول الأول عن استمرار الاستيطان والتهويد، والمسؤول عن غطرسة العدو لا بل ووقاحته ، فلو كانت واشنطن جادة في تحقيق السلام العادل والشامل لما تجرأ العدو على الاستمرار في الاستيطان وتهويد القدس والاقصى واستمرار المستوطنين بجرائمهم .. ولما تجرأ على انكار الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني والاصرار على نفيه في أربعة رياح الأرض. مجمل القول: لا سلام مع الاستيطان، ولا سلام مع تهويد القدس واستباحة الاقصى واستمراره لاعتقال اكثر من ستة آلاف اسير واسيرة ، وإن الرد المناسب على استمرار هذا الوباء هو التمسك بخيار المقاومة بكافة اشكالها ، ورفع ملف الاستيطان إلى الأمم المتحدة، ما دامت فلسطين اصبحت دولة عضوا، لوقف هذا العدوان وحماية الشعب الفلسطيني والأرض والمقدسات الفلسطينية من الاحتلال والارهاب .
وفي ظل خطورة هذه الاوضاع ، اقدمت وكالة "الأونروا" على مجموعة قرارات مجحفة تمس بمجملها حقوق أساسية للشعب الفلسطيني والموظفين تحت مبرر وجود أزمة مالية خطيرة تعاني منها، حيث تحاول من خلال ذلك افتعال أزمة جاري توظيفها سياسياً لابتزاز أبناء شعبنا والضغط عليه من أجل قبوله بتنازلات وحلول سياسية هدفها الأساسي إنهاء مهمة الوكالة بشكل تدريجي، وتصفية قضية اللاجئين للأبد ، باعتبار ان شعبنا أللاجئ هو الضحية الاولى لشطب حق العودة ، رغم ما يعانيه من مأساة واوضاع ويتجرع الموت في كل لحظة على امل العودة، الا ان ارادة الشعب الفلسطيني ستكون بالمرصاد لهذه المؤامرة الجديدة ، لان لا حل شامل للقضية الفلسطينية الا بعودة اللاجئين الى الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها ، وهذا حق مقدس وتاريخي ولا يسقط بالتقادم، وهو ايضا حق فردي وجماعي في آن واحد، ومحور الصراع بين الفلسطينيين والعدو الصهيوني.. واية محاولة لشطب هذا الحق سيكون مصيرها الفشل الذريع لأن اضرارها وتداعياتها الخطيرة ستصيب الشعب الفلسطيني والدول المضيفة للاجئين، والتي ستتضرر مصالحها الحيوية في هذه الحالة، ما يستدعي اتخاذ موقف فاعل وحاسم لافشال هذه المؤامرة الخطيرة التي تنذر بمخاطر جسيمة على المنطقة كلها.
من هنا نرى الامل الآخر الذي كان سيبقى معقودا على القوى الملتصقة بالشعب ، لاننا نعلم ان الاحداث العربية الاليمة المتفجرة منذ فترة في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن، تبدو على علاقة وثيقة بعملية إطالة اجازة قضية فلسطين، نتيجة المؤامرة الامبريالية الاستعمارية الصهيونية الرجعية التي تدعم قوى الارهاب التكفيري الذي يرتكب افظع المجازر بحق الشعوب العربيه ، لهذا نرى اهمية ان يجترح شعب فلسطين بكل تجمعاته، المعجزة المقاومة، واعادة قضية فلسطين الى واجهة الاهتمام العربي والدولي .
من هذا المنطلق فإن دعوتنا مرهونة بالفعل من اجل اخذ دور وتأثير واستنهاض الطاقات و قراءة للوحة السياسية الفلسطينية الراهنة ، وهذا يحتاج إلى الخروح من النفق المظلم ، فالقضية الفلسطينية، بحاجة الى سياسة واضحة ، لا سياسة الترقيع والتخفي وراء الأيديولوجيات والشعارات ، أو المراهنة على أطراف خارجية ،الحقوق الوطنية المسلوبة لن تعيدها واشنطن ولا الرباعية فعلى الجميع اعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني والتمسك بخيار المقاومة وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وبالتضامن العالمي ، وكل ذلك يحتاج الى تعزيز وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة الأخطار والتهديدات والضغوطات التي تهدد القضية الفلسطينية بالتصفية، كما يتمثل بدور ومكانة منظمة التحرير كإطار جامع وممثل وحيد للشعب الفلسطيني، ودور مؤسساتها، وكذلك النهوض بدور فصائل العمل الوطني على اختلاف توجهاتها، ووضع آلية لصنع القرار الوطني يتيح المشاركة والمساءلة والمحاسبة، وتطوير دور وتأثير الرأي العام في التعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني بمكوناته المختلفة وتطلعاته الوطنيه.
لذلك فاننا نتطلع الى تعزيز العلاقات الفلسطينية الايرانيه ، لما للجمهورية الاسلامية في ايران من دور هام على مستوى المنطقة وعلى مستوى احتضانها للقضية الفلسطينية ، فيكفي ان نسجل بكل اعتزاز موقف الامام الخميني رحمه الله الذي قال اليوم ايران وغدا فلسطين لدى استقباله الرئيس الرمز ياسر عرفات ، واعلانه اخر جمعه من شهر رمضان يوم للقدس العالمي، اضافة الى دعم ايران لقوى المقاومة والشعب الفلسطيني، ودورها على المستوى الاقليمي والدولي ، فنحن نتطلع الى تطوير العلاقات بين فلسطين وايران وعلاقاتها مع الفصائل الفلسطينية وتأثيرها ايضا في ملف المصالحة الفلسطينية ،اضافة الى ضرورة تطوير هذه العلاقات في كافة المجالات السياسية والتبادل التجاري والثقافي والتعليمي بين الجامعات وتطوير كافة أشكال العلاقات الثنائية.
ختاما : نحن نتطلع الى اهمية المراجعة وضرورة الفعل المباشر مع المجتمع والالتحام بقضاياه، وتأطير الجماهير وتحريك الشارع في مسيرة النضال الوطني، والتركيز في المرحلة الراهنة على بناء وتطور المجتمع والتمسك بثوابت برنامج الإجماع الوطني ، باعتبار ان تحقيق هذا الهدف السياسي الوطني ، فقضية فلسطين هي ليست قضية الفلسطينيين فحسب بل قضية الأمة العربية ، وهناك قناعات أكثر بعدالة القضية و بحتمية الإنتصار ، وهذا يجب ان يشكل رافدا مهما في مسيرة النضال حتى تحرير الارض والانسان .
بقلم/ عباس الجمعه