نتانياهو وأوباما، لمن الغلبة؟

بقلم: فايز أبو شمالة

لم يكتف نتانياهو بما حققه من انتصارات مبهرة على الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن تواصل الاستيطان اليهودي، حين أعلن سنة 2010، وأثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل عن بناء 1600 وحده استيطانية في القدس، إذ لم يمثل الإعلان الإسرائيلي تجاهلاً للاعتراض الأمريكي على الاستيطان، بل مثل احتقاراً للسياسة الأمريكية، التي ستقف صاغرة أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية المعروفة باسم "إيباك"؛ المنظمة اليهودية التي تصدت لتصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين، وطالبت الإدارة الأمريكية باتخاذ جراءات فورية لإزالة التوتر في العلاقات مع إسرائيل، وقد تم لها ذلك، ليحقق نتانياهو نصراً ساحقاً بعد أن حققت إسرائيل ما طمحت إليه من مكاسب عسكرية ومالية وأمنية.
وانتصر نتانياهو على الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل الانتخابات الإسرائيلية التي جرت سنة 2012، حين قرر نتانياهو أن يزور أمريكا بدعوة من أعضاء الكونجرس الأمريكي الجمهوريين، رغم انف الرئيس الأمريكي المعارض للزيارة، وألقى نتانياهو كلمته المجلجلة ضد المشروع النووي الإيراني، وسط تصفيق أعضاء الكونجرس الأمريكي للزعيم اليهودي وقوفاً.
لقد صار اليهودي نتانياهو هو الآمر الناهي في السياسة الأمريكية، واقتحم حصون الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الدرجة التي دفعته إلى القول: لا أتذكر حالة تدخل فيها زعيم أجنبي في السياسة الأميركية الداخلية كما يفعل نتنياهو فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران".
فهل كان نتانياهو غبياً حين تحدى الرئيس الأمريكي في عقر بيته؟ وهل سيثير نتانياهو بتدخله المباشر سخط الأمريكيين على إسرائيل، ويؤثر على مستقبل العلاقة بين الدولتين كما قال رئيس دولة إسرائيل رؤوبين ليفن، وكما يتخوف من ذلك بعض السياسيين الإسرائيليين؟
من يدقق في مجمل الردود الأمريكية على تدخل نتانياهو في شئونهم الداخيلة يدرك ان المعركة في الكونجرس الأمريكي يقودها نتانياهو، وله فيها الكلمة العليا، وهذا ما استثار وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، الذي حاول أن يكسب تأييد الكونجرس الأمريكي الذي سيصوت على الاتفاق النووي مع إيران في 17/9 من هذا العام، ليقول: إن الدولار قد "يعاني" ولا يصبح عملة الاحتياط العالمي إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران.، ليضيف كيري بلغة الاستعطاف لأعضاء الكونجرس الأمريكي: إن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق سينال من قناعة الناس بالدور القيادي للولايات المتحدة ومصداقيتها.
مقابل ذلك، نجح اللوبي اليهودي في تمويل تحرك 700 ناشط يهودي يجوبون أرجاء أميركا ويطوفون على مكاتب أعضاء الكونغرس، لإقناعهم للتصويت ضد الاتفاق، بينما اقتصرت ردة فعل الرئيس الأمريكي على تحريك طاقم من مؤيديه إلى الفندق نفسه الذي يقيم فيه هؤلاء لعرض مزايا الاتفاق عليهم، مع تأكيدهم على سياسة أمريكا التي تتذلل لإسرائيل من خلال أحاديث الرئيس أوباما الذي قال: أنا ملتزم بأمن إسرائيل، وأنا أتعامل بجدية مع الأمر ولذلك في ولايتي توثق التعاون العسكري والإستخباري بيننا وبين إسرائيل أكثر من أي وقت مضى". وأضاف الرئيس الأمريكي: إن نتانياهو مخطئ في تعاطيه مع الاتفاق النووي وأتساءل: "ما هو السبيل الأفضل لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي؟ لقد كررت مطالبتي لنتنياهو وآخرين أن يعرضوا خطة منطقية ومعقولة تحقق هذا الهدف، وإلى الآن لم أتلق جوابا.
لقد واصل الرئيس الأمريكي أوباما توسله لليهود، حين التقى مع قادتهم، وقال لهم: إذا لم يقر الاتفاق، فسوف يتهمون أميركا بأنه يستحيل الوثوق بها. وستواصل إيران نشاطها النووي وحينها ستزداد الضغوط لتنفيذ عمل عسكري ضدها. وطهران لن ترد بمهاجمة واشنطن لكنها ستوجه صواريخ حزب الله إلى تل أبيب، وسيضربون دولاً عربية مجاورة، كما سيحاولون إرسال زوارق مفخخة نحو حاملات طائراتنا في المنطقة".
كل ما سبق من توسل أمريكي لم يشفع لرئيسها عند ملك إسرائيل وزعيمها القومي نتانياهو، فهو يعرف ما يريد من أمريكا، ويعرف نقاط ضعفها، لذلك فإنه يطالب بالمزيد من التنازل الأمريكي لصالح الخزينة الإسرائيلية وترسانتها المسلحة، وهو يمارس المزيد من الضغط في الملف النووي الإيراني ليحقق المزيد من المكاسب في ملف الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، وهو يدرك أن من خلفه منظمة "أيباك" اليهودية، ومن خلفه دهاء اليهود الذي يتمثل بزعيمهم "إيف فوكسمان" الذي رسم لليهود معالم الطريق بالفكرة التالية، حين قال:"لو جاء لي يهودي وسأل: ما العمل بشأن الولاء المزدوج؟
سأقول له: الأمر بسيط، نحن يهود أميركيون، وينبغي أن نفكر في ما هو في صالح بلدنا أميركا، ولما كان الاتفاق مع إيران سيئاً لأميركا. وكان بالصدفة سيئ لإسرائيل إيضاً. لذلك نحن ضد الاتفاق، وهذا لا يعني أننا توقفنا عن دعم أوباما".

د. فايز أبو شمالة