دانات الكيان كاذبة… يقتلون القتيل ويمشون في جنازته!

بقلم: فايز رشيد

اتصال بنيامين نتنياهو هاتفيا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، للتعبير عن إدانته لحرق الطفل الفلسطيني علي الدوابشة، ومن ثم وفاة والده بسبب الحروق (ومازالت والدة الطفل، وابنها الثاني ابن الأربعة أعوام يعالجان، وحالتاهما خطرة)، في هجوم نفذه مستوطنون على منزل العائله في قرية دوما شمال الضفة الغربية المحتلة، ووعده باجراء تحقيق، كما تصريحه بأنه أوصى الأطباء بفعل المستحيل من أجل إبقاء باقي أفراد العائلة أحياء.

كل ذلك هو محاولة صهيونية لتبريد ردود الفعل الفلسطينية والعربية والإنسانية على الجريمة الصهيونية البشعة. لقد (دان) نتنياهو في وقت سابق الهجوم الذي قال إنه "عمل إرهابي"، وجدد إدانته للهجوم خلال اتصاله بعباس، وفق مكتبه ووكالة الانباء الفلسطينية (وفا). من ناحية ثانية زار رئيس الكيان رؤفين رفلين جرحى العملية الإرهابية الأخيرة، ومن قبل كان قد زار مدينة كفر قاسم، في إطار مراسم إحياء الذكرى الـ58 لمجزرتها، على أيدي الجيش الإسرائيلي، وراح ضحيتها 49 شخصا. بالمناسبة، ألقى رفلين خطابا، اعتبر فيه المجزرة"جريمة بشعة" رافضا الاعتذار عنها. الصهاينة كانوا قد أحرقوا الطفل محمد أبو خضير في يوليو 2014، حيَا، وكانوا قد قتلوا الطفل محمد الدرة في حضن والده، وهناك الكثير من الحالات المشابهة الأخرى.

الغريب، أن الإعلام الصهيوني يُروّج لقرار حكومته الأخير: إمكانية اعتقال المتطرفين اليهود بموجب قوانين الاعتقال الإدارية (من مخلفات الانتداب.. يمكن اعتقال المشكوك فيه لمدة غير محددة)، كما يروّج لبحث أجهزته الأمنية عن"المجموعات الإرهابية" لاعتقال الخطرين منها. الأغرب أيضا، أن ذات الإعلام يفبرك مسرحية من مسرح "اللامعقول" من خلال الإيحاء بأن إرهابها يستهدف أيضا إرهاب السلطة "الديمقراطية"الحاكمة في تل أبيب"، ذلك "من اجل تقويض سلطتها وإقامة نظام جديد يقوم على الشريعة اليهودية تصوروا بربكم. دعوني أذكركم بما نشرته صحيفة "فولكسكرانت"الهولندية في 26 نوفمبر 2010، في مقابلة لها مع المخرج الهولندي جورج سلويتسر، وتناقلته في ما بعد وكالات الأنباء من أنه "شاهد بأم عينيه ارييل شارون، وهو يقتل بمسدسه طفلين فلسطينيين، على مدخل مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان عام 1982"، ودور هذا الجزار الفاشي في مجزرة صبرا وشاتيلا. حرّي القول أيضا: إنه في اليوم التالي لإشعال الحريق المقصود في بيت سعد الدوابشة، أقرت الحكومة الإسرائيلية بناء 340 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، ورصد 90 مليون دولار لتوسيع الطرق الالتفافية بين مستوطنات الضفة الغربية. وهناك الكثير من الوثائق والأحداث التي تؤكد تسهيل الحكومات الإسرائيلية لمستوطنيها وسفاحيها، ارتكاب كل أنواع الجرائم بحق الفلسطينيين والعرب، ومنها، مساعدة الحكومة الإسرائيلية لكل المنظمات الإرهابية لارتكاب جرائم القتل والمذابح بحق الفلسطينيين، مثل حركة "دفع الثمن" التي استهدفت حرق كنيسة الطابعة منذ شهرين، ورفض نتنياهو إدانتها ووضعها في قائمة الإرهاب، حث العديد من الجمعيات الاستيطانية في الكيان وفي الخارج، وتحديدا في الولايات المتحدة، بالتبرع لدعم بناء المستوطنات وتمويل الإرهابيين الذين يقترفون الجرائم بحق الفلسطينيين، فإلى جانب الميزانية الكبيرة التي تخصصها إسرائيل لمستوطنات الضفة الغربية، ولتهويد المدينة المقدسة والاستيطان فيها ومحيطها سنويا والبالغة 600 مليون دولار، إضافة إلى ما تقدمه كل من الوكالة اليهودية، المنظمات الصهيونية المختلفة، الكيرين كايمت وغيرها من الهيئات غير الحكومية، هناك الدعم الصهيوني من الرأسمال الصهيو- مسيحي، والرأسمال اليهودي الذي يقدر بمئات الملايين من الدولارات سنوياً، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الملياردير الأمريكي اليهودي الصهيوني رون لاودر تبرع لمشاريع تهويد القدس وبناء مستوطنات في كافة أنحاء الضفة الغربية، وعلى مدار الثلاث سنوات الأخيرة، بمليار ونصف المليار دولار، الملياردير اليهودي أهرون بيزوفيتش تبرع بمليار دولار، الملياردير ايرفنج موسكوفيتش تبرع بـ5 مليارات دولار، فهو يمول لوحده أحياء استيطانية بكاملها.

جزء كبير من هذه المساعدات يذهب إلى المنظمات الإرهابية مثل:"حنينو"، "تمرد"، "شباب التلال" وغيرها. كم من جريمة اعتداء حصلت على فلسطينيي 48 ولم يفعل الشاباك شيئا لاعتقال مرتكبيها، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، الاعتداء على محمد منصـــور من مجد الكروم، عماد شرخ من اللد وغيرهما، وإن ننسى لا ننسى يوم الارض واستشهاد 6 من أبناء شعبنا وجرح المئات.

لقد وافق المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية يهودا فانيشتاين، على المصادقة على طلب جهاز الشاباك باعتقال ثلاثة شبان متطرفين، من بينهم مردخاي مئير (حفيد الفاشي مئير كاهانا)، أفيتار سلونيم، وهو من سكان مستوطنة معاليه أدوميم، ومعروفٌ عنه التطرف والعدوانية، وهو متهمٌ بالقيام بأعمال إرهابية ضد فلسطينيين عديدين، ومئير إيتينغرالمتهم بحرق مقدسات مسيحية وإسلامية.. صحيح، تم اعتقالهم لكن صورهم وهم يضحكون في سجنهم تعني الكثير… وكالعادة تم إطلاق سراحهم جميعا، ذلك وفقا للناطق الرسمي باسم الشاباك.

سيعتبر القتلة "مجنونين" ولن يرفع عليه حتى القلم، هذا ما قاله والد الشهيد محمد أبو خضير قبل يومين، حينما سُئل أين وصلت قضية ابنه الذي أحرقه مستوطنون قبل عام بعد اختطافه وقتله. آخر جلسة عقدت في هذه القضية كانت في منتصف يوليو الماضي، وحاول فيها الوالد الاعتراض على ما قاله الجناة،، لكن القاضي ألزمه الصمت 20 جلسة محكمة تم عقدها، وفي كل مرة يجري التأجيل لسبب تافه. متوقع أن يكون قرار القضاء الصهيوني براءة القتلة، والشواهد من التاريخ كثيرة: الضابط شيدمي الذي نفذ قرار الحكومة بارتكاب مجزرة كفر قاسم، أدين بغرامة مالية قدرها قرش واحد، منفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي، كان مختلا عقليا، وجرى تسفيره إلى بلده أستراليا معززا مكرما، وكذلك مرتكب حرق منبر صلاح الدين في المسجد الأقصى فهو "مجنون". إن قتل الفلسطينيين بالنسبة للعقيدة الصهيونية جائز، فوفقاً لهذا التراث (يجوز قتل العربي من دون سبب، وذلك لمجرد القتل)، ويجوز أيضاً (قتل النساء الفلسطينيات بمن فيهن الحوامل حتى لا ينجبن أعداء لإسرائيل)، ويجوز (قتل الأطفال الفلسطينيين فهم عندما يكبرون سيلحقون الأذى ببني إسرائيل).

في سفر إشعيا، تقرأ: "ليمت جميع الناس ويحيى إسرائيل وحده"، "يرفعك الله فوق جميع شعوب الأرض، ويجعلك الشعب المختار"، و"يقف الأجانب يرعون أغنامكم، أما أنتم – بنو إسرائيل- فتدعون كهنة الرب تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتآمرون". لم تقتصر الأصولية اليهودية التاريخية السابقة على تحريف التوراة والتلمود على أيدي زعماء الطائفة من الحاخامات، الذين أنكروا على اليهود الحق في كل أنواع التعليم (باستثناء التلمود والصوفية اليهودية)، وإنما أيضا بفتاوى للحاخامات تخرج وتندرج على ألسنتهم في القرن الواحد والعشرين، فـ"قتل اليهودي جريمة كبرى وواحدة من أسوا ثلاثة خطايا"، وحين يكون الضحية غير يهودي يختلف الوضع كلياً، فـ"اليهودي الذي يقتل غير يهودي يجب ألا تعاقبه أي محكمة"، "أما التسبب بموت غير اليهودي، فليس خطيئة على الإطلاق". (من يريد الاستزادة في دعوة هؤلاء إلى قتل غير اليهود فليقرأ كتاب المؤرخ المتوفى إسرائيل شاحاك بعنوان "الديانة اليهودية، التاريخ اليهودي، وطأة ثلاثة آلاف سنة"، وكتب معينة.. لأرنولد توينبي، ايتيل مينون، ايلان بابيه، روجيه غارودي، آرثر كوستلر، نورمان فلينكشتاين وغيرهم كثيرون). لكل ذلك نرى المذابح العديدة الصهيونية للفلسطينيين والعرب، بدءا من مجزرة دير ياسين عام 1947 مرورا بمجازر: كفر قاسم، الطنطورة، السموع، قلقيلية، الحرم الإبراهيمي، بحر البقر، دفن الجنود المصريين أحياء في رمال سيناء عام 1967، قانا الأولى، قانا الثانية، مجزرة الصنايع في بيروت عام 1982، مجزرة صبرا وشاتيلا، وغيرها، مرورا بقتل محمد الدرة وحرق الطفل محمد أبو خضير حيا، وصولا إلى الجريمة الحالية.. والحبل على الجرار، هل قدر الفلسطيني أن يظل يُغتال.. مقاوما، رضيعا، امرأة، شابا وشيخا، صحافيا، شاعرا أو كاتبا؟ ماذا فعل الرضيع علي ليُحرق؟ ومن قبله محمد أبو خضير ومحمد الدرة؟ هل قدر الفلسطيني أن يظلّ وقودا للموت؟ ندرك تماما أننا ومنذ ما قبل نكبتنا أصبحنا في حالة استنفار على درجة قصوى.. مشاريع شهادة متحركة، في الوطن الفلسطيني أو حيث اللجوء في الشتات. ندرك أن يدي هذا العدو المجرم المابعد فاشي تخطط لاغتيالنا مقاومين وشعبا، وإن اختلفت طريقة القتل ندرك أننا ومنذ جرى زرع هذا الكيان النازي على أرضنا الفلسطينية – العربية – الكنعانية، أصبح لقاء الفلسطيني بالفلسطيني يتم فقط.. في حضرة الموت لست أغالي فيما اقول، إنه جزء من الحقيقة المتلازمة اللصيقة بين الفلسطيني والموت. الفلسطيني يعشق الحياة مثل كل الآخرين..لكن العدو سيكون في أشد حالاته امتعاضا صباح كل يوم يولد فيه طفل فلســـطيني، ولأننا نعشق التحدي وإمعانا فيه.. أنجب أسرانا المحكومون بالعديد من المؤبدات.. وهم في سجونهم وبطريقة لم يكن قادرا على ابتكارها سوى الأسير الفلسطيني، أطفالا. ولذلك يتمنون أن يصحوا يوما ويكون البحر قد ابتلع غزة وكل فلسطيني حتى لو كان في المريخ.

نعم كشعب مقـــاوم نحـــب الحياة لكننا نعشق الموت عندما يكون طريقنا الوحيد للحياة.. لحياة ابنائنا..أحفادنا.. أجيالنا الفلسطينية القادمة.. لن يُنهونا ولن ننتهي فنحن كالعنقاء ننبت من بين الرماد..فحيث يحل الفلسطيني.. يحل النماء.

٭ كاتب فلسطيني

د. فايز رشيد