حذرت في اكثر من مقالة سابقة،بأن ما يجري من حركة سياسية ولقاءات مكثفة بين حماس ومبعوث الرباعية الدولية السابق "بلير" وبمشاركة فاعلة من اطراف عربية وإقليمية في مقدمتها (قطر والسعودية وتركيا) وجهات دولية كالرئيس الأمريكي السابق كارتر وامين عام الأمم المتحدة "بان كي مون" ووزير خارجية بلغاريا وغيرهم وموافقة دولية من امريكا واسرائيل،الهدف منها بالأساس ضرب وحدة المشروع الوطني الفلسطيني،تعزيز وتكريس حالة الإنقسام والإنفصال،بما يضمن إقامة حالة كيانية فلسطينية محدودة الإستقلال في قطاع غزة،وبموازاة يجري العمل على ايجاد صيغة من التقاسم المدني الوظيفي في الضفة الغربية،مع ابتلاع كبير لمناطق(سي) التي تشكل النسبة الأكبر من مساحة الضفة الغربية،ويرافق ذلك إبتلاع كلي لمدينة القدس.
واليوم بدأت ملامح الصورة تضح أكثر فاكثر ولم يعد نفي قيادات حماس مجدياً أو مقنعاً،فقد كشف القيادي في حماس احمد يوسف بأن المفاوضات حول التهدئة طويلة الأمد بين "اسرائيل" وحماس بوساطة "السمسار" بلير،والذي طوال فترة وجوده في القدس كممثل للرباعية الدولية،كانت مواقفه "اسرائيلية" اكثر من القيادات الإسرائيلية نفسها،قد قطعت شوطاً كبيراً وأن هناك شي ما يتبلور بشكل نهائي سيتم الإعلان عنه قريباً،ولهذه الغاية والهدف،أشارت مصادر صحفية إلى أن بلير كان قد التقى خلال الأسابيع القليلة الماضية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي،ورئيس جهاز مخابراته العامة اللواء خالد فوزي،ومستشار الملك الأردني للشؤون الأمنية الفريق أول فيصل الشوبكي،وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان،إضافة إلى عدد من المسؤولين الإسرائيليين في مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
و"حماس"" في سياق تبريرها لهذه المفاوضات والإتفاق المتبلور بأن السلطة الفلسطينية بسلوكها وممارساتها ونهجها هي من دفعتها لمثل هذا الخيار،حيث حكومة الوفاق الوطني المتشكلة،لم تقم بأي جهد جدي وفعل حقيقي على صعيد حل الأزمات والمشاكل الكبيرة في القطاع اقتصاديا واجتماعيا،ناهيك عن أن المعابر لم تفتح والحصار لم يرفع والإعمار دوران عجلته بطيء جداً وأزمة رواتب موظفي حماس ال(40) ألف بقيت على حالها،وبالتالي كل هذه الظروف والمعطيات تفاقم من ازمات سكان القطاع وتفتح الطريق نحو قيام حالة من الفوضى والجريمة المنظمة،وهذا يفاقم من ازمة "حماس" المالية ويهدد سلطتها ودورها ونفوذها.
"السمسار" بلير وهو يقود مثل هذه المفاوضات،ما يهمه بالأساس مصلحة اسرائيل،فهو يعتبرها فوق أي مصلحة اخرى،ودائماً كان يتحدث حول الأمن الإسرائيلي،أما من هم واقعين تحت الإحتلال ويتعرضون لأبشع انواع القهر والظلم والعدوان،والذين تتفاقم مأساتهم بسبب ما زرعته حكومة بلير لكيان غاصب على أرضنا وحساب شعبنا،فهؤلاء لا يهمه مصيرهم ولا معاناتهم،ولا ينظر لها من باب حقهم في العيش بحرية وكرامة في وطن مستقل،بل من باب تحسين شروط وظروف حياتهم الإقتصادية تحت الإحتلال كقضية انسانية وليس وطنية وحقوق شعب بإمتياز،والجميع يعرف بأن بلير اول من زار احدى البلدات الإسرائيلية التي سقط فيها صاروخين فلسطينيين متضامناً،حيث قتل واصيب عدد من المستوطنين كرد على عدوان اسرائيل على قطاع غزة،في وقت كانت فيه طائرات الإحتلال تقتل العشرات من اطفال غزة،والذي اعتبره هذا "السمسار" حق لإسرائيل بالدفاع عن نفسها في وجهه "الإرهاب" الفلسطيني،وكذلك في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة،طالبه بلير بعدم ادانة اسرائيل واتخاذ قرارات او عقوبات بحقها بسبب جرائمها بحق اطفال ونساء وشيوخ غزة واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً.
السلطة الفلسطينية نتيجة لإنسداد افاق الحلول السياسية وتعنت وتمادي حكومة الإحتلال اليمنية المتطرفة في صلفها وعنجهيتها ومشاريعها الإستيطانية وتنكرها لحقوق شعبنا الفلسطيني،ورفضها لتقديم أية تنازلات جوهرية من اجل تحريك المفاوضات،وما تمر به السلطة من أزمات اقتصادية وقيادية وإنقسام وشيوع الفوضى والفلتان ومأسسة الفساد،كلها شكلت عوامل ضاغطة على السلطة الفلسطينية وقياداتها من اجل اتخاذ خطوات وقرارات تجاه تغيرات واسعة في القيادة الفلسطينية لمواجهة مثل هذه الأوضاع والتطورات،والحديث والمصادر الصحفية تقول بان هناك تغيرات كبيرة في القيادة الفلسطينية سيقدم عليها الرئيس فلسطيني عباس في شهر ايلول القادم،ولكن ما اخشاه بان تلك التغيرات،تعيد انتاج الأزمة السياسية ،وتكون التغيرات في الإطار الشكلاني،ليس أكثر ولا أقل،فكما حصل قبل فترة ،والحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية،وقد قلت في مقال سابق لا "حكومة وحدة وطنية في الأفق"،وأرى ان الأولوية لإنهاء الإنقسام على تشكيل حكومات،حيث ولدت حكومة معدلة،مهما كانت مهنية او كفاءة من إنضموا إليها،فهي لن تساهم في "فكفكة" و"لحلحلة " المشاكل الكبرى،بدون برنامج سياسي متوافق عليه وطنياً من قبل كل مركبات ومكونات العمل الوطني والسياسي الفلسطيني.واليوم والحديث يجري عن تغيرات واسعة في القيادة،وكأن الشعب الفلسطيني "عاقر"،فعلى الصعيد الحكومي نفس الوجوه،اللهم يجري تحريكها وتبادل الأدوار والحقائب فيما بينها،فهي "جهبذية" وألمعية،وليست مسؤولة عن أي فشل او قصور او عدم إنجاز،بل من يتحمل المسؤولية هو الشعب..؟؟،وكذلك في عملية التغيير من يقودون او من يفوضون بالتحضير لعملية التغيرات المطلوبة، هم صالحون لكل شيء وقدراتهم خارقة قادرون على كل شيء،ولا ينجزون أي شيء.
ما هو مطلوب؟؟؟،هو وقفة جدية ومراجعة شاملة تطال كل شيء،ولا احد فوق المحاسبة او المساءلة،فيما وصل اليه المشروع الوطني الفلسطيني،اما مسألة تغيير "الطرابيش" والتدوير لمجموعة من الأشخاص تتربع على قيادة الشعب الفلسطيني وتغتصب إرادته وقراره، فلا اعتقد بأن ذلك سينتشلنا من الكارثة التي نحن فيها.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
15/8/2015
0524533879
[email protected]