نابلس وبوصلة المصلحة العامة

بقلم: أسامه الفرا

قبل أقل من ثلاثة أعوام إنتخب غسان الشكعة رئيساً لبلدية نابلس عبر إنتخابات يشهد القاصي والداني بنزاهتها، يومها حققت قائمته نجاحاً لم يكن يتخيله أكثر أعضائها تفاؤلاً، وطبقاً لقانون الهيئات المحلية فإن المجلس البلدي المنتخب يحق له ممارسة صلاحياته لدورة انتخابية مدتها أربع سنوات، حيث الانتخابات هي بمثابة عقد يبرم بين الناخبين والمنتخبين محدد المدة، والتي غالباً ما تتمدد الدورة الإنتخابية في مجتمعنا الفلسطيني تحت حجج واهية، ويبقى فيها المنتخب جاثماً فوق الصدور، حتى وإن أسقطنا بذلك دورية الإنتخابات كأحد ركائز العملية الديمقراطية.
قبل أن يتم المجلس البلدي المنتخب عقده مع ناخبيه اضطر إلى تقديم إستقالته تحت وطأة الاحتجاجات التي شهدتها مدينة نابلس، تلك الإحتجاجات التي جاءت على خلفية سوء توزيع المياة وإعتراضاً على قرار البلدية بإجبار المواطنين على تركيب عدادات مياه مسبقة الدفع، مؤكد أن الجماهير التي خرجت مطالبة بإقالة المجلس البلدي أقل بكثير ممن أدلوا بأصواتهم لصالح المجلس البلدي في الانتخابات الأخيرة، لكن الأمور لا تقاس على هذا النحو لمن يقدم المصلحة العامة على الخاصة.
ما حدث في نابلس يدفعنا للتوقف حيال التالي:
أولاً: أن الجماهير التي خرجت تطالب بإقالة المجلس البلدي لم تنتظر إنتهاء ولاية المجلس البلدي كي تعاقبه عبر صناديق الإنتخابات، بل أرادت أن تفسخ العقد المبرم بينها وبين المجلس البلدي قبل إنتهاء مدته، وهو حق يكفله روح القانون والفهم الحقيقي للديمقراطية.
ثانياً: إن كتاب استقالة رئيس وأعضاء المجلس البلدي المقدمة إلى وزير الحكم المحلي جاء فيه "نحن الموقعون أدناه رئيس واعضاء مجلس بلدي نابلس قررنا بالاجماع ان نتقدم اليكم باستقالتنا تفاديا لما قد يلحق بمدينة نابلس من أذى، متمنين على معاليكم السرعة في تشكيل لجنة استلام لإدارة بلدية نابلس"، ما حمله كتاب الإستقالة يدلل على الإنتماء الصادق لرئيس وأعضاء المجلس البلدي المنتخب إلى مدينتهم نابلس وفيه تغليب لمصلحة المدينة عما سواها من مصالح.
ثالثاً: إن تشكيل لجنة لتسيير أعمال البلدية برئاسة وزير النقل والمواصلات فيه مخالفة للمادة الخامسة من قانون الهيئات المحلية رقم "1" لعام 1997، والتي تشترط على رئيس البلدية التفرغ التام ولا يجوز الجمع بين رئاسة المجلس وأية وظيفة أو مهنة أخرى، ألم يكن من الأجدر أن يتم تعيين رئيساً متفرغاً للجنة تسيير أعمال بلدية نابلس خاصة وأننا نتحدث عن أكبر بلدية في الضفة الغربية، ولا يجوز لنا التملص من قبضة القانون تحت مفهوم رئيس لجنة تسيير أعمال وليس رئيساً للبلدية، وما أعرفه جيداً أن وزير الحكم المحلي "د. حسين الأعرج" صاحب التجربة الواسعة في الحكم المحلي يتحرك دوماً طبقاً للمسارات التي يحددها له القانون والنظام.
رابعاً: إن مبرر التعديل الوزاري الأخير لحكومة الحمد الله جاء بما يتناسب مع حجم التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني طبقاً لماصدر عن الحكومة، وقد أوضح رئيس الوزراء ذلك في أنه لا يريد للوزير في حكومته أن يحمل أكثر من حقيبة وزارية، فهل استطاع وزير النقل والمواصلات الذي دخل الحكومة في تعديلها الأخير أن يلتقط أنفاسه كي نلقي على كاهله بالإضافة إلى مهام وزارة النقل والمواصلات عبيء إدارة بلدية كبيرة بحجم بلدية نابلس؟.
الحقيقة أنني لم افاجأ باستقالة رئيس بلدية نابلس، حيث سبق لنا أن عملنا سوياً في الاتحاد الفلسطيني للهيئات المحلية وأعرف مدي حرصه على نابلس والسلم الأهلي فيها، وما حققه من إنجازات في مدينة نابلس لا يمكن التقليل من شأنها ولعلها هي التي تكفلت بإعادة إنتخابه رئيساً للبلدية في ظل مراكز القوى التي عملت على اسقاطه، فهل كان لرد الإعتبار لما أفضت إليه الانتخابات البلدية علاقة بما حدث في نابلس؟، على أي حال إن أخطأ رئيس البلدية في قرار عدادات المياة مسبقة الدفع الذي دفع الجماهير للمطالبة بإستقالته، فالمؤكد أن استقالته تسجل له لا عليه.

د. أسامه الفرا