بعد أن استعرض الرئيس الفلسطيني برفقة ضيفة الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" حرس الشرف وعزفت الموسيقى السلامين الوطنيين الأمريكي والفلسطيني يوم افتتاح مطار غزة الدولي، قص الرئيس "أبو عمار" برفقة ضيفه الشريط الأحمر إيذاناً بإفتتاح مطار غزة الدولي، لم يكتف يومها أبو عمار بقص الشريط كما هو متعارف عليه في مثل هذه المناسبات، بل عمل على قص قطع صغيرة من الشريط الأحمر وأهداها إلى ضيوفه الذين حضروا مراسم الإفتتاح، كأنه أراد بذلك أن يشهد قادة العالم على إفتتاح المطار وهو يضع بين أيديهم تذكاراً لذلك اليوم المشهود.
إفتتاح مطار غزة الدولي شكل عنواناً مهماً للسيادة الفلسطينية، شاءت الظروف أن أكون على متن أول رحلة للخطوط الجوية الفلسطينية القادمة من مطار جدة إلى مطار غزة الدولي، بعد أن أتممت الإجراءات المتعلقة بالسفر في مطار جدة جلست أنتظر موعد إقلاع الطائرة، انسلت الدموع وسط حالة من اختلاط المشاعر غير مسبوقة وأنا استمع للإذاعة الداخلية "تعلن الخطوط الجوية الفلسطينية عن قيام رحلتها رقم .. المتجهه من مطار جدة الدولي إلى مطار غزة الدولي وعلى المسافرين التوجه إلى بوابة رقم .."، كان حال لساني يقول لمن هم في مطار جدة أن تلك الخطوط الجوية لنا، وذلك المطار لنا، وأننا لن نعاني بعد اليوم اذلال الحدود، بعد ساعتين تقريباً حطت الطائرة الفلسطينية في مطار غزة وبعدها بدقائق معدودة وأنا أشق طريقي إلى المنزل تيقنت أن الحلم بات حقيقة وأننا بتنا أقرب من اي وقت مضى لتحقيق حلمنا بإقامة دولتنا المستقلة.
أليس من حقنا اليوم أن نتساءل كيف أضعنا ذلك؟، وإن قامت طائرات الاحتلال بقصف برج المراقبة وتركت أنياب آلياتها العسكرية تقطع مهبط الطائرات، ألم نقم نحن بالإجهاز عليه ونهب ما فيه وتحويلة إلى كومة من الركام؟، ألا يقودنا ذلك لعقد مقارنة بسيطة بين ما كنا فيه وما أصبحنا عليه؟، أليس من حقنا أن نتساءل اليوم عن الفرق بين المطار والممر المائي ضمن مفهوم السيادة من ناحية وطبيعة الخدمة المقدمة للمواطنين من ناحية ثانية؟.
اتخذت حركة حماس موقفاً معارضاً لإتفاقية المعابر عام 2005 رغم أن البعض من قادتها شاركوا في الإحتفالية التي أقيمت لهذا الغرض عند معبر رفح، إعتراض حركة حماس جاء بحكم ما تضمنته الإتقاقية من تواجد مراقبين من الاتحاد الأوروبي في المعبر بجانب الكاميرات التي ترصد وتنقل سير العمل في المعبر، لم تنظر يومها حركة حماس إلى تسهيلات السفر التي رافقت الإتفاقية، وما حملته من نقاط ايجابية بخصوص الميناء والمطار، فقط صبت جام رفضها المطلق للاتفاقية، وعبرت مراراً بعد سيطرتها على قطاع غزة بأنها لن تسمح بالعودة للعمل وفقاً للاتفاقية الموقعة في معبر رفح، والحقيقة لا يختلف إثنان من الشعب الفلسطيني عليها أهمية أننا نتمنى أن يكون معبر رفح فلسطينياً مصرياً خالصاً، لكن الأمور لا تأتي بالتمني.
اليوم كثر الحديث عن مفاوضات غير مباشرة يقودها توني بلير تتعلق بتهدئة تمتد لسنوات في قطاع غزة مقابل رفع الحصار وتشييد ممر مائي من قطاع غزة إلى قبرص، وإن كنا مع التهدئة قديماً وحديثاً كون قطاع غزة ليس بالدولة العظمى التي يمكن لها أن تحتمل حروباً بين عام وآخر، إلا أن الحديث عن الممر المائي يطرح جملة من التساءلات، حيث تشير التقارير إلى أن عملية التفتيش والمراقبة ستتم داخل المياه الإقليمية الفلسطينية، والتي في الغالب ستوكل إلى جهة دولية قد يتكفل بها حلف شمال الأطلسي، ولا نعرف على وجة الدفة هل ستتم عملية التفتيش والمرافبة بتواجد فلسطيني أم سيترك جملة وتفصيلاً إلى الغرب؟، هل يضفي النموذج المفترح شكلاً من أشكال السيادة الفلسطينية؟، والأمر الآخر هل تضمن الإتفاقية بألا تقوم قوات الإحتلال بعمليات إعتقال لفلسطينيين في عرض البحر أثناء رحلة ذهابهم أو إيابهم سواء داخل نقطة التفتيش أو خارجها؟، ألم تمارس قوات الإحتلال القرصنة تحت سمع وبصر العالم بأسره؟، وما الذي يمكن أن نفعله إن أقدمت على ذلك سواء داخل المياة الاقليمية أو خارجها؟،,
بالمقابل ألسنا بحاجة إلى تهدئة يستطيع شعبنا من خلالها التقاط أنفاسه ومداواة جراحه؟، ألم ينهك الحصار قطاع غزة وصرخ سكانه طويلاً دون أن يستمع لصرخاتهم أحد؟، ألم يدفع سكان غزة دون غيرهم ثمناً باهظاً لمناكفة حزبية بغيضة؟، ألم نسجل فشلاً ذريعاً على مدار سنوات عدة في تحقيق المصالحة وطي صفحة الانقسام؟، ألم تئن غزة طويلاً من التهميش وتكاسل في التعاطي مع مشاكلها المزمنة؟، هل مطلوب من غزة أن تتعايش مع الحصار والدمار وانقطاع التيار الكهربائي وتوقف عجلة إقتصادها وتضخم الفقر والزيادة المضطردة لجيش العاطلين عن العمل؟.
كتب الأخ غازي حمد مقالاً تحت عنوان "ما الذي أنجزه الفلسطينيون بعد 68 عاماً من الصراع؟"، دق من خلاله بجرأة جدران خزان القوى الفلسطينية من خلال محاكاة الواقع بعيداً عن الوقوع في براثن الشعارات الحزبية، مؤكد أنه لا يمكن لأحد إنكار أو تجاهل الإنجازات التي حققها شعبنا خلال مسيرته النضالية الأطول في التاريخ، ولعل السؤال الأكثر دقة لا يتعلق بما أنجزه الفلسطينيون بعد 68 عاماً من الصراع، بل ألم يكن بإستطاعنا أن نبني على الكثير من الانجازات التي حققناها على مدار 68 عاماً من الصراع لنقترب أكثر من الحرية والإستقلال؟، الحقيقة المرة أننا لا نجيد البتة الاستفادة من الانجازات والبناء عليها، سواء كانت إنجازات سياسية وقف العالم معنا فيها دون أن نتمكن من الاستفادة منها في تغيير معادلة الصراع، أو انجازات المقاومة التي كان بمقدور نتائجها أن تحسن كثيراً من موقعنا في الصراع، بات كل منا يمسك بمعول الهدم للآخر؟، لقد فقدنا الكثير من قوتنا عندما إعتمدنا المناكفة الحزبية بديلاً عن خلق حالة من التناغم المطلق بين مقدرات السياسة والمقاومة؟، وفي ظل ذلك ما نخشاه أن يأتي اليوم الذي تستعيد فيه إمرأة عجوز سؤال من سبقها "ليتهم قسموا" بصيعة أكثر مرارة مما كان عليه.