قراءة في الحراك السياسي والرسائل العسكرية المتبادلة

بقلم: عبد الرحمن صالحة

مضى عام على عدوان غزة 2014م وقد استطاعت المقاومة والشعب الفلسطيني أن يترجما نصراً مميزاً أفتك بالعدو الصهيوني وأثخن فيه، ومن قبل خاضت المقاومة الفلسطينية حربين 2008م و2012م، وفي عام 2013م دخلت المنطقة في صراع تشكيل المحاور الإقليمية التي فاحت رائحتها ودخلت (إسرائيل) على خط التحالف مع الأنظمة العربية المعادية للمقاومة من أجل القضاء على المقاومة الفلسطينية حتى وصل بها الأمر إلى درجة التنسيق مع الاحتلال ليصرح نتنياهو بالقول:( نشارك مصر ودولا كثيرة حربها ضد الإرهاب الإسلامي) وحاولت بعض الأطراف تلطيخ سمعة المقاومة من خلال إشراكها إعلامياً فيما يحدث على أرض سيناء من مواجهات بين الجيش المصري والجماعات المتواجدة هناك، وقد برزت بعض المؤشرات والملامح للمقاومة فأدركت من خلالها أن رأسها هو المطلوب لتصفيتها خلال هذه المرحلة الحرجة التي تعدُّ إعصاراً يطوف في المنطقة. لقد واجهت المقاومة مخططات التصفية بذكاء وشجاعة وإدارة الدفة بحنكة باستخدامها استراتيجية رد الفعل الطبيعي اتجاه حماقات (إسرائيل)، واستخدام تقنية الوقت والصبر الجميل مع بعض الأنظمة العربية المعادية لها من أجل فكفكة الأزمة والمخطط التصفوي، ولم تنجر نحو استفزاز هنا وآخر هناك. اليوم تدرك المقاومة كما يدرك أي عاقل أن الحرب الأخيرة ليست سوى حلقة من سلسلة وطالما هناك تمسك بمسار المقاومة المسلحة في قطاع غزة فإن المواجهة محتومة بينها وبين الكيان الإسرائيلي وقد تكون في أي وقت ولعل ما يحدث في الضفة يعطي المقاومة في غزة درسا مهما: هو استمرارها في تطوير قدراتها كي لا تذبح كما تذبح الضفة.

أعتقد مثلما تعتقد نسبة كبيرة من الشعب الفلسطيني أن ما يجري من لقاءات بين خالد مشعل وبلير المبعوث السابق للجنة الرباعية الدولية تثير الشكوك وتضع علامات استفهام، لأن طوني بلير رجل ماكر ومراوغ ويعمل ضمن أجندة خاصة لخدمة (إسرائيل) وبعض الأطراف الدولية من أجل إبقاء أوضاع قطاع غزة تراوح مكانها حتى لا تتولى أطراف أخرى إدارة هذا الملف وتكون قادرة على إنجازه وإحراج (إسرائيل). إن هدف بنيامين نتانياهو من مساعي بلير هو إشعار المفكرين والأجهزة ومراكز الدراسات الإسرائيلية بإنه يقوم بتطبيق توصياتهم له بالانفتاح على قطاع غزة، كما أنني أعتقد أن إستراتيجية نتانياهو تجاه غزة في الوقت الحالي تسير نحو عدم الالتزام بوجود ميناء أو مطار والاكتفاء بضخ البضائع عبر المعابر التي تربط القطاع (بإسرائيل) وهذه آلية يرى من خلالها نتانياهو أنه يحاصر حركة حماس ولا يحاصر أهل غزة وهذا يعني إدارة للحصار المفروض على قطاع غزة، وفي ظل الحراك الدبلوماسي والسياسي المتذبذب بين الفينة والأخرى فإنّ المقاومة منذ انتهاء الحرب الأخيرة لم تلفتت إلى هذا الحراك ولا إلى تلك المساعي الجارية واستمرت في بناء قدراتها وتطويرها تحت الأرض وفوقها وفي الجو وفي البر، ولعل من أبرز ثمار الجهد المتواصل من المقاومة ابتكار صواريخ جديدة و تمكّنُ كتائب عز الدين القسام من الاستيلاء على طائرة استطلاع إسرائيلية من نوع “skylark1″، لتدخلها في خدمة منظومتها القتالية، وبعد شعور(إسرائيل) بالنكسة جراء هذا التطور، استبقت (إسرائيل)  إعلان كتائب القسام عن اسقاط الطائرة بنشر تحقيقات مع فلسطيني اعتقلته من قطاع غزة، وقالت إنه أدلى باعترافات بوجود تقنية ومنظومة إيرانية لدى القسام تمكنها من الاستيلاء على طائرات الاستطلاع. إن تفسير الموقف الإسرائيلي من نشر المعلومات التي أدلى بها المعتقل الفلسطيني جاءت من الداخل الإسرائيلي على لسان المحلل( إرون بن ياشاي) حيث عد هدف إسرائيل الأول من تلك المعلومات هو محاولة نتانياهو سدّ الطريق أمام حماس بعد محاولة الانفتاح عليها أوروبياً أما الهدف الثاني فهو منح الكيان شرعية دولية في أية مواجهة محتملة قادمة بينما الهدف الثالث هو التحريض على  الاتفاق النووي  الغربي الإيراني من خلال إدعاء دعم ايران لحماس. وبموازاة تطور المقاومة قدراتها القتالية فإنّ جيش الاحتلال يراقبها بعين من القلق ويعد للمعركة المقبلة ضدّ المقاومة حيث يقول مصدر عسكري في جيش الاحتلال " نحن نتابع بقلق ما يجري خلف الحدود في غزة وما يجري تحت الأرض ونحن نعلم جيدا مدى خطورة الوضع ونعلم أن حماس والجهاد يستعدان للمعركة القادمة". وفي خطوة وصفها الخبراء في الشأن العسكري الإسرائيلي بغير المسبوقة كشف قائد أركان جيش الاحتلال غادي آيزنكوت عن استراتيجية جيشه القادمة وفقاً لخريطة التهديدات التي تتعرض لها والتي يقف على رأسها منظمات إسلامية كحزب الله وحماس وتنص استراتيجية غادي آيزنكوت العسكرية الجديدة على السعي إلى حسم المعارك ضدّ المنظمات الإسلامية كحماس وحزب الله وتتويجها بالانتصار وإملاء شروط إنهاء القتال بالإضافة إلى التقليل من الضرر الذي قد تتعرض له الجبهة الداخلية وخلق واقع أمني أفضل بعد المواجهة يصعب على الخصم ترميم قوته العسكرية. وحتى نحوصل المشهد الحالي وما ينتظرنا في المستقبل سواء تم الاتفاق على التهدئة بين المقاومة و(إسرائيل) أو لم يتم الاتفاق، أعتقد أن المواجهة المحدودة ينظر إليها الجيش الإسرائيلي بعدم القيمة ولا تحقق الأهداف، بينما الاجتياح الشامل لغزة يحتاج إلى دفع ثمن باهض، بالتالي تبقى الحرب الخاطفة والمؤلمة التي تركز على ضرب القدرات العسكرية والبشرية للمقاومة هو الخيار المفضل لدى الجيش الإسرائيلي، إذا ما تدحرجت الأمور الى حرب بين المقاومة الفلسطينية و( إسرائيل) وفي المقابل رغم التطور الذي تشهده بنية المقاومة حالياً فإنّها ترى بعدم العودة إلى مواجهة عسكرية مفتوحة مع إسرائيل إلا إذا امتلكت سلاحا يردع الطيران الحربي الإسرائيلي، وهذا لا يعني تخلي المقاومة عن الخيار العسكري.

بقلم/ أ. عبد الرحمن صالحة