اشعر برائحة الخيبة تملأ عقلي، وانأ أشاهد المفسدين واللصوص، يملئون الساحة، فلم تتم إزاحة اغلبهم، بل بقي الأمر على ما هو عليه، مما أنتج لحد ألان كم من المشاكل، فالمفسد طبعه ارتكاب الخطيئة، لا تسمو روحه أبدا، يرتاح بفعل الخطايا، والتي تحيط بقلبه، فالرائحة الكريهة لا يبدل قبحها ألف نوع من العطور، فالذي يجري في الوطن الفلسطيني من فساد في بعض وزاراتنا ومؤسساتنا الوطنية، لم نسمع به حتى في قصص ألف ليلة وليلة أو السندباد البحري وغيرها من القصص الخالية التي أخذت بعقولنا عندما كنا صغارا ولم نعلم بأن هناك قصصاً حقيقية سوف تأخذه عندما نصبح كبارا، ففلسطين الوطن المنهوب والمطمع به بكل للكلمة من مقاييس ومعاني، هذا الوطن الذي قدم التضحيات تلو التضحيات من أجل الوصول به لمصافي الدول المتقدمة الأخرى ينهشه المفسدون ويستولون على خيراته ويقضون على مكتسباته.
إن الفساد الإداري والمالي في الوطن، أشبه ما يكون بالسوس الذي ينخر أينما حل وحط، ومن الصعب بل ومن المستحيل مكافحته إلا بأقوى الأدوية والعقاقير والمبيدات أو بالحرق إذا لزم الأمر، وهو الطريق والسبيل الوحيد للخلاص منه على قدر المعلومات التي عرفناها.
لا نبالغ لو قلنا أن قضية الفساد في الوطن الفلسطيني أصبحت من الكوارث الكبيرة والصعبة وهي بحاجة إلى جهد ورقابة وطنية حكومية وشعبية تشترك فيه كل الإطراف سواء هيئة مكافحة الفساد او هيئة الرقابة العامة او كافة المؤسسات الوطنية والشعبية التي تهتم بهذا الجانب، وذلك لوضع حلول واليات عمل حقيقية بعيدا عن لغة الشعارات أو أساليب الابتزاز، فلم يشهد تاريخنا الفلسطيني مسلسلا فضائحيا وبامتياز كما يشهده اليوم، فلا يمر يوم أو شهر على واقع الحياة المعاش في وطننا، إلا وكانت هناك فضيحة ماليه واختلاس أو رشوه أو تلاعب من احد المسئولين في الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية والوطنية.
إن مسلسل ملفات الفساد في وطننا اليوم، الذي يضرب أطناب مؤسسات ووزارات دولتنا العتيدة، ويضيف عبئاً كبيراً على كاهل المواطن المرهق أصلا من إرهاصات تدهور الوضع الأمني والخدمي والانقسام والاحتلال بشكل عام، فأصبحت هذه الظاهرة المتمثلة بالفساد مشكلة متوطنة وخبيثة على كل مستويات السلطة ليبقى هذا الملف يلقي بأسئلة عدة من شأنها أن تحفز على رفع قضايا ودعاوي، لما تتشعب فيه الارتباطات من شركات وشخصيات أسهمت وبشكل فاعل وكبير في ضياع وتسرب أموال هذا الوطن، ومنذ أن بدأت ظاهرة الفساد تتزايد تفشيا في شرايين الجسم الفلسطيني.
ما يشهده وطننا من هذه الظاهرة السرطانية الخطيرة، وعلى كافة مستوياتها وأنواعها، برزت بشكل واضح في الأعوام الماضية حيث بدد هؤلاء اللصوص والمفسدون موارد وخيرات ومساعدات الشعب الفلسطيني، بإمكانياتها المالية والاقتصادية والبشرية في حروب عبثية لا طائل منها وأصبحت ظاهرة الفساد المالي والإداري تبرز بشكل ملفت للنظر ويعزى سبب ذلك إلى ضعف مدخولات الفرد والموظف الفلسطيني وانخفاض قيمة العملة التي يتقاضاها الموظف او العامل الفلسطيني إمام العملات الأخرى وتدهور اقتصاد الوطن وانخفاض دخل الفرد بسبب انخفاض قيمة العملة حتى أصبح راتب الموظف الشهري يعادل ثلاثة دولارات تقريبا كما أن الفرد الفلسطيني قد استهلك جميع المدخرات التي يدخرها في سبيل سد احتياجاته المعيشية وخاصة في هذا الظرف المأساوي الحصار والإغلاق والانقسام بين شطري الوطن ووجود حكومتين هنا وهناك.
إن المهمة الرئيسية التي يتوجب على الحكومة معالجتها بحزم هي قضية الفساد الإداري فالفساد الإداري يعتبر بمثابة مرض السرطان الذي يصيب المفاصل الحكومية في وطننا، ولا يقل خطورة عن الاحتلال والاستعمار، وبعد إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، توقع المواطن بأنه تخلص من هذا المرض ولكن ما يؤسف له مازال السرطان يأخذ مجراه والمواطن في حيرة ويتساءل عن الحل والحلول ولا يزال متشائم بالمستقبل في ظل وجود هذا الفساد الخانق، وانأ أتساءل كسائر الموطنين متى نتخلص من هذه الآفة والمستفيدين منها على حساب الشعب الفلسطيني ومتى نشم رائحة النزاهة وعطر الإخلاص في مؤسساتنا ووزاراتنا وهيئاتنا ودوائرنا وسفاراتنا وقناصلنا، ولماذا يتلاعب البعض بأموال الفقراء والأيتام والأرامل وعوائل الشهداء والجرحى والمسحوقين من أبناء جلدتنا ؟ ألا يكفي ما رأيناه في صفحات تاريخنا من دمار وخراب وفقر، ولماذا لا يحس المسئولين بان هذه الأموال أمانة في أعناقه وأنها ملك عام ولا يجوز لهم سرقتها والتصرف بها بما تشتهي أنفسهم.
وعلى ضوء هذا فان الفساد أو ما يسمى بالفساد الإداري والمالي في القطاعات المختلفة، فعادة ما يكون التلاعب في أموال الجماهير من العيار الثقيل والمتلاعب يكون من المسئولين أو المتنفذين الكبار، فيحالون للقضاء بتهمة سرقة الأموال والعبث بالاقتصاد الوطني، لكن هذه السرقات ليس بالضرورة أن تنعكس على واقع المواطن بشكل مباشر، ففلسطين عانت من هذه الحالة على ضوء الطرح نفسه وحدثت سرقات من قبل مسئولين كبار فمنهم من استطاع ان يهرب خارج الوطن، ومنهم من قبض عليه وأحيل للقضاء رغم إننا نعلم ان هيئة مكافحة الفساد كانت في اغلب الأحيان مقيدة لأسباب عدة، وان يدها غير مطلق لها العنان بسبب الخصوصية في الوطن حيث الاحتلال الصهيوني وعدم التحكم في بعض المناطق الفلسطينية التي يديرها الحكم العسكري الإسرائيلي.
إذن كيف لنا ان نكافح الفساد الذي طال اغلب مؤسساتنا الوطنية في ظل تعطيل اغلب القوانين واعتكاف أعضاء المجلس التشريعي في بيوتهم، وانشغال الرئاسة في ملفات معقدة وصعبة وأولها الملف التفاوضي والسياسي، والذي أتعبها واخذ منها جل وقتها، نرى ان العلاج يكمن في نقطتين لا غير أولهما وهو اضعف الإيمان المؤسسات الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني بان يكون لهما دورا فعالا في توعية المواطن الفلسطيني من خطر الفساد الإداري والمالي وأبعاده الحقيقة على مستقبل الوطن، والتحرك بشكل جدي يخفف من هذه الظاهرة التي لا تقل في تأثيرها عن الاحتلال ولا نبالغ لو قلنا أيضا الإرهاب، وثانيهما تفعيل القوانين الرادعة التي تردع كل المفسدين دون رحمة أو شفقة وتشديد العقوبات الكفيلة بإيقاف هذه الظاهرة المستشرية في المؤسسات الوطنية.
نحن ندرك ان الحكومة عاجزة في الوقت الحاضر لذا نطالب مؤسسات المجتمع المدني وأئمة المساجد وخطباء المنابر ووسائل الإعلام ورجال الإصلاح ان تكون لهم وقفة شجاعة وتحرك سريع في هذا الاتجاه وإيجاد الحلول الناجعة لمحاربة الفساد ومساندة أجهزة الدولة في مهامها الوطنية، وعلى أحرار وشرفاء هذا الوطن الغالي ان يواجهوا الفساد من خلال قنوات النزاهة والشفافية وإصدار القوانين وتطبيقها على ارض الواقع لكي نعيد الأمور إلى نصابها الصحيح والبدء من جديد بفلسطين قوية تنموية.
علينا أن نلحق بالركب الاقتصادي العالمي والذي وصل مراحل من النمو والرقي بحيث أصبحت المسافة فيما بيننا شاسعة جدا، ولكي لا تتلاشى صور التقدم والنمو ويحل محلها التخلف والفقر والحرمان، وحتى نصل بوطننا وباقتصادنا إلى التنوع وإيجاد منابع اقتصادية متنوعة بعيدا عن أيدي المتلاعبين والمفسدين بكل مناحي حياتنا، ووفقا لأسس ومعايير محددة، وتوفير كافة السبل والإمكانات التي من شانها القضاء على أولئك المفسدين حتى وان كانوا في الهرم الأعلى من السلطة لاسيما وان هيئة مكافحة الفساد قد أدانت مسئولين كبار في الوطن الفلسطيني، وقدمت لنا نماذج صارخة على ما وصلت إليه حالات الفساد الإداري والمالي والأخلاقي في الوطن.
إننا نقف على مفترق طرق ولا سبيل لنا إلى الوقوف بحزم وقوة مع كل المفسدين فهم وبدون أدنى شك الوجه الآخر للاحتلال، فكلاهما يريد تدمير فلسطين والجماهير وعلى القوى السياسية والوطنية والإسلامية، أن تتعامل مع الوضع القائم تعاملا قانونيا لا سياسيا وإنهاء معانات الجماهير وفقا لما تتطلبه المصلحة العامة لكي يمنحوها الثقة والمصداقية لما تدعيه من أهداف وبرامج ولكي لا تتحول حياة جماهير فلسطين في المحصلة النهائية إلى سوق تتداول فيها عملة رديئة أحد أوجهها الفساد الإداري والمالي ووجهها الآخر فساد القيم والأخلاق والضمير.
هذه خطوات قد تبدو بسيطة وقد تكون بدائية بالنسبة إلى مجتمعات متطورة سبقتنا في محاربة الفساد بصورة عامة سواء كان إداريا او ماليا او اجتماعيا او أكاديميا او غيره، وهو فيما إذا ثبتت جريمة مالية او اقتصادية او غيرها على شخص ما فانه يصار إلى فضح اسمه وصورته في وسائل الإعلام ويحاكم علنا على ان لا يكون حارسا او شرطيا او موظفا بسيطا وإنما المقصود أولئك المفسدين وجرائمهم بملايين او مليارات الدولارات والهوامير والحيتان والقطط السمان ليكونوا عبرة لغيرهم وليردعوا بهذا العقاب آخرين قد تسول لهم أنفسهم سرقة قوت الجماهير واللعب بمصائرهم، والخوف من الأساليب الرادعة لتحقيق موازنة بين ان تسول للمفسد نفسه وبين الإحجام عن الخطأ وهو احد الطرق التي استخدمتها بلدان قبلنا.
وأخيرا علينا كلنا مسؤولية جماعية لكشف وإظهار هؤلاء المفسدون على شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام وأمام الملأ ليكونوا عبرة لغيرهم، وإذا لم نقف كلنا وقفة رجل واحد لردع هؤلاء الفاسدين، فسيؤمن هؤلاء، وديتهم إنهم سيتركون الوطن إلى منتجع غربي جميل وإذا لم يسعفهم الوقت للفرار للمنتجعات الغربية فالخيار عندها إما دول اوروبا او دول الخليج ويعيشوا عيشة السلاطين ويتمتعوا بأموال الغلابة والفقراء آمنا من أي عقاب أو ملاحقة أو فضيحة تلحق به.
بقلم/ رامي الغف