خطاب السيد نصرالله في انتصار تموز شكل نقطة ارتكاز

بقلم: عباس الجمعة

كل من دخل وادي الحجير ، أدرك معنى ودلالة الشعار الذي حددته قيادة "حزب الله" للاحتفال السنوي التاسع لمناسبة الانتصار التاريخي في حرب تموز العام 2006،ففي وادي الحجير لا تزال رائحة التراب على بكرها رغم السنوات وصفحات البطولة المتتالية من بوابة جبل عامل، كل شيء ينذر بذلك وينبئ بذلك، والنصر نصر لبنان والعرب منذ أن استضاف الوادي العنيد عباءات رجال عاملة وقياداتهم الزمنية والروحية في 24 من نيسان العام 1920، وخَطّوا بحبر العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين وثيقة إعلان مقاومة المحتل الفرنسي والتمسك بخيار الدولة العربية.

كلمة سماحة السيد حسن نصرالله الامين العام لحزب الله في ذكرى انتصار تموز تشكل نقطة جوهرية ، حيث ان تحذيره حول المخطط المرسوم لتقسيم المنطقة وتجزئتها يتطلب وقفة من الجميع ، وخاصة في ظل المشهد السياسي الدولي و ما يجري اليوم على الساحة الدولية والإقليمية ، وعلينا أن نقول بصراحة أن ما قبل الاتفاق النووي التاريخي يختلف عما قبله ومحور المقاومة بات أقوى وأكثر قدرة على رسم سياسة عالمية جديدة، حيث يفرض هذا المحور معادلات جديدة وعمليات الفرز جديدة.

ونحن اليوم نشهد سقوط للمشروع الإخواني والقوى الارهابيه التكفيرية في المنطقة رغم تصاعد جرائمها بحق الشعوب العربيه ، وخاصة ان اصحاب المشروع التآمري من قوى امبريالية وصهيونيه ورجعية بعد أن شاهدوا نتائج ما آلت إليه أهدافهم الاستعمارية في أجنداتهم التي تراجعت نتيجة صمود محور المقاومة .

ونحن اليوم امام ذكرى انتصار تموز نؤكد بان المقاومة التي نجحت بعد صمود ثلاثة وثلاثون يوما في حرب تموز فرضت معادلة جديدة عن إمكانية انتصار الإنسان على الة الحرب، وتفوّق الإرادة القتالية على التكنولوجيا العسكرية المحصنة بالمدرعات والمحمية بالطائرات والمدعومة بالبوارج، ، ولم تحقق قوات العدو الصهيوني أي هدف من أهداف الحرب على لبنان في تموز،.

وعليه فإن المقاومة نجحت في إقامة توازن رعب مع العدو الصهيوني على الرغم من تواضع إمكانياتها، و تمكنت المقاومة عبر الصواريخ من هزيمة إسرائيل في العمق، وقدرت الخسائر الإسرائيلية بملايين الدولارات.

ومن هنا فإن انتصار المقاومة في تموز كان انتصاراً حقيقياً انتصر فيه نهج على نهج، ومفهوم على مفهوم، نهج المقاومة على نهج التسويات، ومفهوم الصمود على مفهوم الاستسلام، وتأكدت إمكانية الانتصار، وذلك من خلال صياغة استراتيجية جديدة تفرض اعتماد طرق جديدة غير تقليدية في مواجهة قوات العدو المعتمدة على تزويد الولايات المتحدة لها بأحدث أدوات الفتك والدمار.

ان هذه الاستراتيجية التي اعتمدها حزب الله والمقاومة الوطنيه ، هي نتيجة تعميم ثقافة مقاومة شاملة، عسكرية وسياسية واجتماعية، تخلق الإرادة الفاعلة، والقدرة المحسوبة، والوعي الموضوعي لطبيعة الصراع وآليات إدارته، عبر القراءة الموضوعية والتأمل الواعي للدروس التي رافقت الانتصار، وحينما لا يستطيع العدو أن يهزم الوعي الوطني والقومي والوعي المقاوم بكل ما يمتلك من جبروت وقوة عسكرية وإعلامية وسياسية، يتحول هذا الإخفاق إلى انتصار لثقافة المقاومة، وثقافة الاستقلال التي تصنع المنعة والقوة للشعوب.

امام كل ذلك نقول ان خيار المقاومة لم يكن وليدة الصدفة، بل هو فعل واع لكل شعب يقع عليه الظلم ويجد أرضه محتلة وحقوقه منتهكة، والمقاومة الوطنية اللبنانية كانت نتاج إرادة شعب رفض الاحتلال، ولذلك استطاعت المقاومة بمواجهتها للعدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف عام 2006، رغم فارق القوة ورغم كل ما أوقعته آلة الحرب الصهيونية من قتل وتدمير في مدن لبنان وقراه ، لتؤكد مع ذكرى انتصار وصمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ، أن توقع الهزيمة بجيش قيل ذات يوم إنه لا يقهر، لكنه بدا، أمام ضربات المقاومة، أوهن من بيت العنكبوت، كما وصفه السيد حسن نصر الله.

ورغم كل محاولات تشويه ماحققته المقاومة، من انتصار في لبنان وفلسطين، فقد كان انتصار تموز هزيمة استراتيجية لمشروع الفوضى الخلاقة الامريكي وللمشروع الاستعماري الارهابي التكفيري ، التي تم جمع إرهابييها من شتى أصقاع الأرض، ودفعها إلى سوريا والعراق وسيناء وليبيا بهدف تغيير بوصلة الشعوب العربيه عن فلسطين القضية المركزية للامة العربيه ،وفي محاولة لتفتيت الدول وكياناتها الوطنية وصولا الى تقسيمها وتجزئتها وفق ما عملت فيه الماكينة الإعلامية الضخمة على تسويق مشروع الفتنة .

لهذا فان انتصار تموز اللبناني الفلسطيني افشل محاولات القوى المعادية التي حاولت تشويه المقاومة إعلامياً, لكن البوصلة كانت واضحة لدى المقاومة فالهدف الوقوف بوجه المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة ، الرامي لتفتيت المنطقة عبر الفتن الداخلية واللعب على وتر النزعات الطائفية والمذهبية.

ومن موقعنا لا بد لنا ان نحيّي أولئِكَ الذين صنعوا انتصار المقاومة في تموز بالدم والتضحيات الجسام قرابين عطاء على مذبح الحرية والتحرير، نحيي الشهداء والجرحى والمعتقلين والأسرى من تحرر منهم ومن ينتظر والى كل المقاومين المؤمنين بالبندقية أو بالموقف والكلمة والفكر والإبداع والفن وإلى كل جندي مجهول في عملية تحرير الأرض، وكل من وقف وساهم في نشر ثقافة المقاومة كونها ثقافة حياة لا ثقافة موت كما يظن البعض، وخاصة من يواجهون ما هو سائد من تخلف و قهر اجتماعي واستبداد، وفقر، وحدود مصطنعة، واحتلالات، باتت لا تعد ولا تحصى، من بغداد إلى سوريا و لبنان ومصر وصولا إلى فلسطين الشاهدة الشهيدة، التي صرخت وبأعلى صوتها... فليرحل المحتل.

صحيح ان ما نشهده اليوم في فلسطين الشهيدة و الضحية نتيجة التآمر والتخاذل ، ونتيجة المشاريع التي لا تعد ولا تحصى، وفي زمن الاحتلال والعدوان الغدّارِ، الا ان إرادة الصمود والقتال والتضحية لدى الشعب الفلسطيني ستكون اقوى من كل مشاريعهم وعدوانهم، وان اسرئيل ليست عصية على الإنكسار وهي التي ذاقت مرارة الهزيمة في لبنان في العام 2000

وفي تموز عام 2006 ، وفي فلسطين بقطاع غزة عدة مرات ، فان المقاومة تبشرنا بهزيمة المحتلين وبعصر فلسطيني وعربي قادم لا محال .

ختاما : نقول ان خطاب السيد حسن نصرالله يشكل في هذه المرحلة نقطة تحول مهمة على المستوى القومي حيث يجسد العنوان والقضية في ليلنا العربي الدامس المثْـقل بالهموم والمتخم بالنكسات والمفتوح على عذابات الأرض وآلام الغربة، والتشرد، فهذه المقاومة اعادة للامة العربيه ماضاع منا قبل سنين طويلة جداً تلك الكرامة بهذه الانتصارات التي نحن في وقت أحوج ما نكون فيه لتعزيز وحدة الموقف الفلسطيني والعربي وانهاء الانقسام وتوحيد الجهود ، حتى تكون فرحتنا بهذه الانتصارات هي فرحة لكافة الشعوب العربيه واحرار العالم .

بقلم / عباس الجمعة

كاتب سياسي