هل يقبل المجلس الوطني الفلسطيني على نفسه أن يكون تيساً مستعاراً؟ هل يرتضي أن يكون محللاً، يختلي بالقضية الفلسطينية ليلة واحدة، يقضيها في فنادق رام الله بعد حصوله على التصريح من المخابرات الإسرائيلية، ليسلم مصير القضية الفلسطينية بعد ذلك إلى يد طليقها؟
المجلس الوطني الفلسطيني الذي بادر مؤسسوه إلى عقد أولى جلساته في القدس سنة 1964، بهدف الكفاح المسلح، وتحرير فلسطين، على أن يجتمع مرة كل سنتين، المجلس الوطني هذا يغيب عن الساحة، ولا تسمع له صوتاً منذ سنة 1998، حين التئم على عجل في مدينة غزة، ليستمع إلى خطاب الرئيس الأمريكي كلنتون الذي جاء ليشهد التصويت على تغيير بنود الميثاق الوطني التي تتعارض مع بنود اتفاقية أوسلو.
سبعة عشر عاماً تم فيها التعامل مع المجلس الوطني الفلسطيني بصفته جسداً محنطاً لا يمتلك لنفسه ضراً ولا نفعاً، سبعة عشر عاماً لم يستشر خلالها المجلس الوطني في أي قرار سياسي فلسطيني، ولم يبد المجلس الوطني رأياً باتفاقية "واي ريفر" سنة 1998، ولم يناقش الموقف السياسي الفلسطيني بعد انتهاء المرحلة الانتقالية من اتفاقية أوسلو سنة 1999، ولم يطلع المجلس على أسباب فشل مؤتمر كامب ديفيد سنة 2000، ولم يتخذ المجلس قراراً بشأن انتفاضة الأقصى، ولم يغضب المجلس الوطني لاقتحام الجيش الصهيوني مدن الضفة الغربية، وللمجزرة التي اقترفها في مخيم جنين، وغاب المجلس الوطني عن الفساد الإداري والمالي الذي أسفر عن بناء جدار الفصل العنصري بالأسمنت الفلسطيني، وفق تقرير المجلس التشريعي في حينه، ولم يتحرك المجلس الوطني كل الزمن الفلسطيني الغبي الذي كان فيه أبو عمار محاصراً في المقاطعة من قبل شارون، وكان محمود عباس يلتقي في قمة العقبة مع الصهيوني شارون والرئيس الأمريكي بوش وملك الأردن بتاريخ 4/5/2003، تلك القمة التي تعهد فيها محمود عباس بوقف الانتفاضة، وتعهد شارون بوقف الاستيطان.
سبعة عشر عاماً غاب فيها المجلس الوطني في ظل أحداث جسام عصفت بالقضية الفلسطينية، ومن ضمنها تصفية الشهيد أبي عمار، وتولي السيد محمود عباس الرئاسة، ليشرف بنفسه على تصفية انتفاضة الأقصى دون أن يستشير المجلس الوطني الفلسطيني، الذي ظل غافلاً رغم الانفلات الأمني الذي عصف بغزة بعد الانتخابات التشريعية، ورغم حالة الانقسام الفلسطيني، وما تلاه من انعقاد لمؤتمر أنابولس سنة 2007، ومن ثم استئناف المفاوضات مع الإسرائيليين، وما تلى ذلك من حروب إسرائيلية ضد سكان قطاع غزة، لقد أغمض المجلس الوطني عينيه عن ألاف الشهداء والجرحى، ولم يعقد جلسة للرد على تهويد القدس، واستحواذ المستوطنين اليهود على معظم أراضي الضفة الغربية، ولم يعقد المجلس جلسة رغم الذي حل بمخيم نهر البارد في لبنان، وفي مخيم اليرموك في سوريا.
اليوم يفكر السيد محمود عباس أن يدعو المجلس الوطني للانعقاد في مدينة رام الله كما يقول عضو اللجنة التنفيذية المجدلاني، رام الله دون غيرها، لأنها الوطن المحرر، ونسي الرجل أن تنسيق وصول أعضاء المجلس الوطني سيتم من خلال المخابرات الإسرائيلية التي سمحت للعضو فلان أبو فلان من الساحة اللبنانية، أن يشارك في الجلسة التي عقدت بمن حضر سنة 2009، ورفضت حضور العضو فايز أبو شمالة من ساحة قطاع غزة، فعن أي استقلالية لقرار المجلس الوطني تتحدثون؟
إن دعوة المجلس الوطني للانعقاد قبل انعقاد الإطار القيادي الذي تم التوافق عليه، هي دعوة لحركة حماس ولحركة الجهاد الإسلامي ولباقي قوى المقامة في الساحة الفلسطينية للبحث عن شرعية جديدة تنسجم مع واقع المقاومة، شرعية لا ترتبط بشرعية السيد محمود عباس التي سيفصل فيها قرارات المجلس الوطني العتيق على مقاس مفاوضاته المقدسة.
وإذا كان الهدف من دعوة المجلس الوطني للانعقاد هو تجديد شباب الشرعية، فإن الأولى هو تجديد شباب المجلس الوطني نفسه، حتى يقدر على تجديد شباب القيادة.
د. فايز أبو شمالة