مدرسة الست فرحانة، هذا ما رسخ في ذاكرة سكان مدينة خان يونس عن المدرسة الثانوية للبنات وسط مدينة خان يونس، لم تتمكن الأسماء القديمة والحديثة التي أطلقتها المؤسسة الرسمية من اقتلاعه، وعجز الإنشطار الذي أصاب المدرسة بفعل تشييد مركز التدريب التربوي على جزء منها من التأثير عليه، بقيت المدرسة تحمل اسم مديرتها التي عملت فيها لعقود عدة، بدأت الست فرحانة مسيرتها في مجال التعليم في أربعينيات القرن الماضي، يوم كان المجتمع لا يرى في المرأة سوى ربة البيت التي تعكف على تدبير أعماله اليومية، بعد أن أكملت دراستها المسموح بها للبنات في خان يونس ذهبت إلى رام الله كي تكمل تعليمها، ومن ثم عادت لتبدأ مشوارها كمدرسة ما لبثت أن أصبحت مديرة للمدرسة.
الست فرحانة من الرعيل الأول للنساء اللواتي أشرفن على تعليم البنات في سنواته الأولى يوم كانت الفصول المدرسية من الطين، رافقتها في ذلك خيرية الفرا وزهرة الأغا وحياة ابو ضبة ورفيقة دربها سعاد الأعظم، كوكبة من النساء اللواتي كرسن حياتهن للنهوض بواقع التعليم، لم تكن الست فرحانة مجرد مديرة مدرسة صاحبة شخصية قوية يهابها الرجال قبل النساء، بل بجانب ذلك كانت بمثابة الأم الحنون للطالبات الحريصة عليهن، كانت بمثابة الحارس الذي لا يسمح للشباب من الإقتراب من أسوار المدرسة، وهي التي لوحت بعصاها في وجه جنود الاحتلال حين حاولوا اقتحام المدرسة، واصلت عملها بتفان مطلق إلى أن تقاعدت عام 1985 بعد أن أمضت في سلك التعليم ما يربو عن أربعة عقود.
رحلت الست فرحانة بهدوء عن عمر يناهز 93 عاماً أمضت جله في خدمة التعليم، وتركت بصماتها الواضحة عليه، لم تعط حياتها الشخصية القليل مما أعطته للتعليم، غيب الموت الست فرحانة دون أن يغيب من ذاكرة المدينة تاريخاً مشرقاً خطته في مجتمع كان يناصب العداء لتعليم الفتيات.
إن غاب عن المؤسسة التعليمية على مدار السنوات السابقة تكريم هذا الجيل من رائدات التعليم في خان يوس، وإن لم تحفظ المؤسسة لهن فضلهن على أجيال متعاقبة من الفتيات اللواتي تقلدن مواقع مهمة في منظومة العمل الفلسطيني، فالمؤكد أن سكان خان يونس يحفظن لهن هذا الفضل، وما فعله المجتمع المحلي حين منح المدرسة اسم مديرتها إلا تكريماً منه لعطائها وإخلاصها، وشتان بين التكريم الرسمي الذي يبقى محصوراً في أروقة ضيقة، والتكريم الشعبي الذي يتمدد في المكان وتتناقله الأجيال بما يتضمنه من احترام وتقدير.
د. أسامه الفرا