حقوق الإنسان ذلك المفهوم الذي يحمل في طياته الكثير من المعاني والمفاهيم التي تعمل دول العالم على المناداة والتغني بها و تطبيقها في عالم الواقع الإنساني والبشري حيث أصبح العالم اليوم يقوم على صراع المفاهيم والقيم التي تؤتي ثمارها في بناء الدول وتقدمها وإصطفافها في أوائل المتحضرين .
لا تخلو القوانين الدولية ومعاهداتها من نصوص وبنود قانونية تحث على إحترام حقوق الإنسان ومحاولة إلزام الدول توفيرها لشعوبها بالإضافة أن دساتير الدول وقوانينها الداخلية كثير منها أولى بنود إفتتاحيتها تنص على الحقوق والحريات الإنسانية الواجب من السلطات توفيرها واحترامها لمواطنيها .
في عالم التنمية العلاقة طردية ما بين إلتزام الدولة في توفير حقوق الإنسان لمواطنيها وبين إرتفاع منسوب التنمية لديها وتقدمها نحو الحضارة والمدنية فالإنسان هو العنصر الأول والأساس في التنمية الفعلية وهو المحور الذي يدور حوله مدى تطور الدولة وسيرها نحو الرقي والتمدن ولا يمكن لأي دولة أن تصطف في أوائل صفوف التقدم دون أن تبذل جهدها في إطلاق قدرات الإنسان وطاقاته وحشدها وإستثمارها الأمثل في سبيل بلوغ غايات التنمية الفعلية ومراميها
إذا نظرنا للفارق بين الدول المتقدمة في العالم اليوم والدول التي تسمى بالنامية أو المتخلفة نعلم أن الفارق بينهما هو الإهتمام بالإنسان وحقوقه وحرياته فالدول المتقدمة أصبحت لديها عملية التنمية شيء أساسي وتلقائي وتتسارع نحوه في قفزات كبيرة جدا حيث أصبحت هذه أيدلوجيتها الفكرية التي تربي أجيالها عليها وتدرب مؤسساتها وأفرادها على إحترامها والعمل على توفيرها بالمقابل نرى الدول المتخلفة إنحصرت في قوقعة الجهل والتراجع وتعميم الفساد والتناحر الداخلي والفوضى وعدم إحترام أي مبادئ حقوقية وواجبات فالإنسان وحجم الإهتمام به وتنمية قدراته وإستغلال طاقاته وإبداعه وتوفير ما يلزم لأجل إستثماره نحو التقدم والتطور للدولة هو أساس التنمية الفعلية .
وعندما يكون الإنسان مهمشاً مضطهدا محروما من أبسط حقوقه لا ينتظر منه أن يكون له دور فعال في التنمية الفعلية حيث أن الدور الذي يسعى أن يلعبه في مجتمعه أن يكون مشاركاً منتجاً فعالاً يسمع صوته ويؤخذ بأفكاره وهذا لن يكون دون إتاحة الفرصة له بإطلاق قدراته وتأهيله التأهيل النوعي والجيد لاكتساب المعرفة والمهارة وزيادة رصيده منها بصورة مستمرة لذا من الواجب أن تتوفر له حقوق المواطنة التي تقرها الدولة وتجعل لديه شعورا أنه جزء من كيانه ومجتمعه الذي ينتمي إليه ولا يكون هناك تعارض وتناقض ما بين ما تقره القوانين من حقوق وحريات وما يمارس ضد الإنسان المواطن على الواقع وإلا فقد لديه روح الإنتماء والسعي نحو الإنجاز والعطاء وبحث عن نفسه ليفرغ طاقاته في مواقع أخرى إما بالتفكير بالهجرة لدولة تحترم الإنسان وإبداعاته أو الانعزل عن المشاركة المجتمعية لينشغل بأموره الخاصة واللامبالاة لما يدور حوله .
في منظومة الحقوق الإنسانية أهم الحقوق الإنسانية التي يجب أن يعمل على توفيرها بالإضافة إلى الحقوق والحاجات الأساسية التي تشكل كرامة الإنسان وأساس وجوده من توفر المسكن والعمل الملائم والصحة والرعاية اللازمة والإحساس بالأمن والغذاء السليم فلا يقل عن أهمية هذه الحقوق حق الإنسان أن يتمتع بالقدر المناسب من الحرية والتعبير عن الرأي والمساواة والعدل بين الجميع وأن يسمح له بالمشاركة وصنع القرار وتولي مناصب القيادة والمشاركة في العمل السياسي والحزبي وأن يوفر له التعليم المستمر والمناسب مع قدراته ومهاراته وميوله وتوفير الموارد التي تسهل عليه متابعة وتطور العلم وأن يوفر له ما يلزم لتطوير البحث العلمي والتفكير العملي والتربية المتفتحة التي تشجع على التعبير المستقل وكل ما يساعد على إحترام العقل ونمو أفكاره وتنوعها وهناك حقوق تقرها بعض الدول لمواطنيها تذهب لأبعد من ذلك حيث تلزم بتوفير الرفاهية والإستجمام لمواطنيها وتقديم الخدمات المجانية والدعم المادي من مخصصات تصرفها الدولة لمواطنيها حسب أوضاعهم الإنسانية والإجتماعية وحق في توفير بيئة نظيفة وصحية خالية من التعرض لأي أمراض أو تلوث والحق في عدم الإزعاج وتوفير الهدوء والسكينة للمواطنين والبنية التحتية المتطورة التي تسهل للمواطن حركته ومعيشته وغير ذلك من حقوق وضعتها الدول المتقدمة التي أدركت أن الإنسان لديها أهم إستثمار تصارع به الدول الأخرى المتطورة .
كلما زاد الوعي لدى الدولة في أهمية دمج الإنسان المواطن وإستثماره في تطوير مؤسساته وأركان مجتمعه كلما إرتفع منسوب الإهتمام بهذا الإنسان وسعت نحو إبداع الطرق والوسائل والأساليب التي تستفز طاقاته نحو التفاعل الإيجابي في المجتمع فالعملية مشتركة ما بين المواطن ودولته فلا يمكن أن تنجح دولة في بناء ذاتها دون إستغلال مواطنيها ومهاراتهم الشخصية وكذلك العكس فبناء الأيدولجية الفكرية داخل الدولة التي تقوم على أن توفير الحقوق و الحريات سواء كانت سياسية ، إجتماعية ، فكرية هي أساس مقومات البناء والتطور ما يولد عقلية جمعية لدى أفراد الدولة بالإنتماء والتفاعل كأساس للمساهمة في البناء مما ستقود حتماً للعدالة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والفكرية وغيرها المنشودة للدولة المتحضرة .
لن تنجح الدولة في مضمار التطور والتقدم إلا إذا فرضت ظروف وجودها وتطورها الإقتصادي والإجتماعي والسياسي والقضائي وغيرذلك كأسلوب للتعامل حيث يمكن لكل فرد أن تستغل طاقاته لأبعد الحدود من خلال توافر الحرية والمبادرة والتفكير المستقل وعدم الخوف من العقاب والملاحقة وإتاحة الفرص للجميع والرضى عن العمل وإعطاء العقل دور المحاكمة بموضوعية وسيادة المساواة والعدالة بين الجميع وتمايز الأفراد فيما بينهم حسب المهارات والقدرات والإنجاز بعيداً عن المحسوبية والوساطة والتخلص من جذور الفساد وإقتلاعه من مؤسسات الدولة وأفرادها حتى يسير الجميع في بوتقة العمل الوطني والتنموي الموحد .
ولا يتوقع من الدول التي تقوم على الإستبداد والظلم وملاحقة مواطنيها وحرمانهم من أبسط الحقوق والحريات الإنسانية وتغرقهم في دوامة الجهل والتخلف والبطالة والفقر ومستوى متدني من التعليم وموارده والرعاية الصحية الفقيرة وخدمات إجتماعية لا ترتقي لمستوى لائق لكرامة الإنسان أن تلاحق سلم التقدم والتطور بل ستبقى غريقة جهلها وتخلفها وتبع لغيرها وعرضة لمن يستغل ثرواتها وأفرادها ولا يعمها إلا الفوضى والطبقية والعنصرية والسطحية في التفكير والنمو وسيادة الفساد والجريمة وتشتت وحدتها وإنكسارها وضعفها وغير ذلك مما يبدد طاقاتها ويهدر وجودها ونموها نحو التدني المستمر للهاوية .
بقلم/ آمال أبو خديجة