جلّاب الكوارث لا يستقيل

بقلم: محمد أبو مهادي

آثم من يظنّ أن الرئيس محمود عباس ينوي أو يفكر في تقديم إستقالته من رئاسات المنظمة والسلطة وحركة فتح، فهو منذ سنوات يلوّح بهذه الورقة لإستكشاف مواقف الفريق الذي يعمل معه ولا يثق به، ولخلق حالة إعلامية تظهر زهده المصطنع في تولي هذه المناصب، وإخافة عدد لا بأس من عصابة المال السياسي التي تحيطه ويخرج بعضهم يعلن تمسكه بالرئيس عباس خياراً وحيداً لقيادة الشعب الفلسطيني، ويراهن على موقف دولي مساند له يخرجه من أزمته السياسية.
المتابع لسلسة الخطوات التي قام بها الرئيس عباس على المستوى الداخلي الفلسطيني منذ أن جاء إلى سدة الحكم حتى الآن، يجد أن الرجل قد أحكم قبضته تدريجياً على مفاصل النظام السياسي الفلسطيني، مسلحاً بقوى أمنية سخّر لها كل إمكانات السلطة ومواردها، بعد أن عطّل تماماً المجلس التشريعي الفلسطيني مستفيداً من حالة الإنقسام التي جرت في العام 2007، ثم إلتفت إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي إعترضت قواها في أكثر من مناسبة على جزء من الخطوات السياسية قام بها منفرداً دون العودة للمنظمة، ضارباً بعرض الحائط مواقف الفصائل المتحالفة فيها كما فعل عندما بدأ بالمفاوضات تحقيقاً لرغبة وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" دون أن توقف إسرائيل إستيطانها الذي كان شرطاً فلسطينياً، وذهب في تحدٍ آخر مع هذه الفصائل بالموافقة على مشروع مبادرة فرنسية لا تستجب للحد الأدني من الحقوق السياسية للفلسطينيين، بل كانت من أكثر المبادرات السياسية خطورة لو إستمرت فرنسا في عرضها.
لم يعجب الرئيس عباس البلاغ السياسي الصادر عن إجتماع المجلس المركزي التابع لمنظمة التحرير في الخامس من آذار 2015 ، وتأكيد اللجنة التنفيذية للمنظمة على ما جاء في هذا البلاغ، وترحيب كل القوى السياسية بهذا الموقف السياسي المتقدم عن موقف الرئيس عباس، الذي وضع قيداً على تصرفاته السياسية اللاحقة وإحراجاً له مع كل مطالبة تدعوه تنفيذ ما جاء فيه، أقلها قرار وقف التنسيق الأمني وأهمها التمسك المطلق بالحقوق والثوابت الوطنية غير القابلة للتصرف، إضافة للموقف من مسائل المصالحة والمقاومة الشعبية ومحكمة الجنايات الدولية وغيرها من قرارات مهمة جرى تعطيل تنفيذها من الرئيس عباس، الذي أدرك أن هناك مؤسسات للشعب الفلسطيني، ما زالت قائمة وتقرر خلافاً لرغباته، ينبغي الإجهاز عليها وتطهيرها من الأصوات التي تشكًل إزعاجاً له في مغامرات سيواصلها ويمهد لها الطريق.
تشكيل لجنة ثلاثية مصغرة لإعادة ترتيب أوضاع منظمة التحرير الفلسطينية عبر مجلسها الوطني تأتي في سياق خطوات التطهير السياسي التي ينوي محمود عباس القيام بها، لتفصيل قيادة جديدة مطواعة تعمل تحت إمرة الرئيس، دون أيّ إزعاج، ولقطع الطريق أمام أي عملية مصالحة بعد إبقاء حركتي حماس والجهاد الإسلامي خارج المجلس الوطني، كما إنها تعطيلاً حقيقياً لفرص إجراء إنتخابات المجلس الوطني في الأماكن التي يمكن إجراؤها، تزامناً مع الإجراءات التعسفية والخطيرة التي قام بها داخل حركة فتح، تفسح المجال لهيمنة ديكتاتور صغير لم يحقق أيّ إنجاز يذكر للشعب الفلسطيني أمام سلسة كبيرة من الإخفاقات والكوارث بفعل سوء إدارة البلد وغياب المسؤولية والحكمة في معالجة كافة قضاياها.
جلّاب الكوارث لا يستقيل، ولكنه يهدد بالإستقالة، واهماً أن سيلاً بشرياً سيخرج ليرجوه البقاء في الحكم، إنه يؤسس لحكم أبدي ستطرح بعده مسألة التوريث، وهذا ما يفسر تصرفات أبناءه وتدخلهم الفج في الحياة العامة والسياسية، دون أي حساب لشعب يمكن أن يعاقب أو قوى يمكنها أن تعترض، فقد وصل به الغرور للإعتقاد أنه يقود قطيعاً من الدهماء التي لا تفكر، بعد أن أشغل الشعب وفتح وكل الحركة السياسية بجملة أزمات تحتاج عدة سنوات من أجل تجاوزها.
الديكتاتور الصغير لا يفكر سوى بمنصبه والثروة المتراكمة جراء البقاء في هذا المنصب، لا تعنيه عذابات الناس في قطاع غزة، ولا جرائم المستوطنين في نابلس، ولا تدنيس المقدسات في القدس، قدماه لا تطأ أرض مخيمات جنين والفارعة وبلاطة الأمعري والجلزون وكل تجمعات اللجوء، وعيناه لا تبصران أبعد حدود المقاطعة، وأذناه لا تسمعان سوى همس رجال الأمن وبعض صعاليك السلطان، هو لا يندم ولا يراجع ولا يستقيل، إلى أن يطاح به وسط غضبة قريبة من جيل لم تلوّثه المرحلة، يقاوم من أجل مستقبل لا مكان فيه للعبيد.
بقلم: محمد أبو مهادي
[email protected]