سياسة المشي على الحيل

بقلم: أسامه الفرا

الشاب الصيني "أسقر" استطاع أن يدخل موسوعة غينيس من خلال كسر أربعة أرقام قياسية تتعلق برياضة أو بالأحرى مغامرة المشي على الحبال على إرتفاعات شاهقة، ولعل البيئة التي نشأ فيها أسقر هي التي دفعته إلى هذه الرياضة المجنونة، فهو ينحدر من الأيغور وهي جماعة عرقية مسلمة تعيش في إقليم "شينجيانغ" شمال غربي الصين، والجغرافيا فرضت على هذه الأقلية أن تمارس طقوسها وكأنها تمشي على الحبل لتحافظ على التوازن بين ديانتها والبيئة المحيطة بها، ويعود تاريخ الرياضة لديهم إلى الأسطورة التي تتحدث عن الأشباح التي سكنت حديقة بلدتهم ذات الأسوار العالية، إلى أـن جاء من بينهم من مشي على حبل يمتد بين شجرة وسور الحديقة وانفض على الأشباح وخلص البلدة من شرهم، من هنا برزت أهمية رياضة المشي على الحبل "دواز" كما يطلقون عليها، وكون أسقر أمهرهم في تلك الرياضة فقد انتزع منهم لفب الأمير عن جدارة.
عادة يستعين من يخاطر بالمشي على الحبل بعصا يحفظ بها توازنه، وقد يتخلى عنها ليضقي على عمله المزيد من الاثارة والتشويق، ويبحث محترفوا هذه المغامرة عن كل ما من شأنه أن يجلب الإثارة لها، كما فعلت الفتاة الأمريكية عندما مشت على حبل وهي ترتدي حذاءاً بكعب عال.
العلاقات الفلسطينية مع المحيط العربي باتت تحكمها قواعد رياضة المشي على الحبل، إعتمدت الثورة الفلسطينية منذ إنطلاقتها قاعدة عدم التدخل في الشأن العربي الداخلي، ورغم تبنيها هذا المنهج إلا أن الأنظمة العربية عمدت مراراً على الزج بها في أتون خلافاتها الداخلية، اليوم باتت الخلافات العربية أكثر تعقيداً، وهي في طور إعادة تشكيل التحالفات من جديد، وفي خضم انشغال بعض الدول العربية بالصراع على الحكم وتحسب الأخرى من إنتقال الفوضى إلى عقر دارها، بات من الواضح أن التقارب الخليجي المصري يشكل مركزاً لحالة الاشتقطاب القائمة في المنطقة، ويبدو أن العلاقات لم تتأثر بالشكل الذي إعتقده البعض مع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز سدة الحكم في المملكة السعودية، لكن هذا لا يمنع من وجود إختلافات في وجهات النظر فيما يتعلق بالعلاقة مع ايران والصراع في سوريا.
الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية تؤرقها كثيراً القوة الإيرانية وبخاصة بعد اتفاق الأخيرة مع الغرب فيما يتعلق بملفها النووي، ويزداد قلقها من تغلغل النفوذ الإيراني في المحيط العربي، من هنا جاء التحرك على غير العادة لمواجهة النفوذ الإيراني في اليمن، ومن جهة ثانية لا تخفي سعيها الدؤوب لإسقاط النظام السوري، فيما مصر لا تريد للنظام السوري أن يخرج من المشهد، وهي في ذات الوقت لا تتخوف من القوة الإيرانية وتكتفي بتحصين ذاتها من تمدد النفوذ الإيراني، رغم ذلك من الواضح أن الحلف آخذ بالتشكل والتوسع ليضم الإردن والمغرب ويبقى الباب مفتوحاً أمام الدول العربية الأخرى.
من الطبيعي أن تسعى فلسطين لتوطيد علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية دون إستثناء، ومؤكد أن القطيعة مع اي منها يضر بالقضية الفلسطينية، لكن ما علينا أن ننتبه إليه أن كل خطوة نخطوها في ظل خارطة العلاقات المتشابكة في المنطقة، وبخاصة ما يتعلق منها بالعلاقة مع النظام السوري من جهة والعلاقة مع ايران من جهة ثانية، يجب أن تخضع لعملية حسابية دقيقة على قاعدة الربح والخسارة، لا يعني ذلك أن نبقى في مربع القطيعة معهما، وفي ذات الوقت لا نهرول تجاهما، لعلنا بحاجة اليوم لعصا التوازن ونحن نمارس سياسة المشي على الحبل دون أن نلجأ للمغامرة بكعب عال.

د. اسامه الفرا