منذ أكثر من عامين وماكنة الإعلام الخليجي القطري- السعودي- الإماراتي والتركي والإسرائيلي والفرنسي،ومعها المعارضات السورية المختلفة تكفيرية وعلمانية، لم تكف عن بث أكاذيبها وسمومها عن بوادر تغير في الموقف الروسي تجاه حليفها الأسد،وأن رحيل الأسد بات وشيكاً،وتعقد اللقاءات والمؤتمرات لبحث ترتيبات ما بعد الأسد في سوريا،وحاولت تلك الدول وخاصة السعودية وقطر تقديم رشاوي مالية وإقتصادية للقيادة الروسية بمليارات الدولارات من اجل تغيير موقفها وتخليها عن الأسد،واكثر من ذلك وعود بحفظ المصالح الروسية في سوريا،واستمرت تلك الأبواق في نشر الأكاذيب والدعايات المغرضة حتى بعد لقاء وزير الخارجية الروسي لافروف مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في موسكو مؤخراً،وفي المقابل كانت ماكنة الكذب التركي تبث أكاذيبها حول الموافقة الأمريكية على إقامة منطقة حظر جوي في الشمال السوري،او ما يسمى بالمنطقة العازلة في الأراضي السورية،أي اقتطاع جزء من الأراضي السورية ومنع الطيران السوري من التحليق فوقها،لكونها تقع في مرمى صواريخ الباتريوت الأمريكية المنشورة على الحدود التركية – السورية،وتركيا سعت لتوريط أمريكا والغرب الإستعماري عسكرياً في سوريا منذ بداية الأزمة السورية،بحيث يخدم هذا التوريط مصالحها في إستقطاع جزء من الأراضي السوري،وكذلك القضاء على الجماعات الكردية وبالذات حزب العمال الكردستاني،وبما يمنع نشوء أو قيام دولة كردية،ولكن الإدارة الأمريكية كانت تسارع الى نفي موافقتها على اقامة مثل هذه المنطقة،لأن الموافقة الأمريكية على إقامة تلك المنطقة له تداعيات إقليمية ودولية كبيرة،وفيه خطر كبير على المصالح الأمريكية يطال أوكرانيا وجورجيا وأفغانستان وغيرها من المناطق الأخرى.
صفقة السلاح الروسي لسوريا ليست فقط لها معنى ودلاله عسكرية،لجهة تحديث السلاح السوري،وإستخدامه في تحصين قوة النظام السوري،وإسترداد الجغرافيا التي سيطرت عليها العصابات التكفيرية والإرهابية،وتشكيل عامل ردع جدي لمن يريد التطاول على سوريا وسيادتها الوطنية والعبث بجغرافيتها تقسيماً وتركيباً.
صفقة السلاح التي اشتملت على أحدث مقتنيات الترسانة العسكرية الروسية وخاصة الطائرات النوعية ميغ (31) وصواريخ الكورنيت،التي لعبت دوراً كبيراً في المجزرة المرتكبة بحق الدبابات والمدرعات الإسرائيلية في حربها العدوانية التي شنتها على لبنان وحزب الله تموز/ 2006،وخاصة مجزرة وادي الحجير،التي ألقى منها سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله خطابه الأخير في ذكرى نصر تموز،بل هي تحمل رسالة سياسية واضحة يجب أن تقرأ في كل عواصم "التهويش" الكلامي والكذب بأن روسيا تقف الى جانب حليفها الأسد،وهي تعتبر سوريا منطقة نفوذ استراتيجي لها غير قابلة للتفاوض،وبأن سوريا والأسد هم جزء من الحل وليس جزء من الأزمة،والأولوية يجب أن تكون لكل دول العالم، هي الحرب على الإرهاب وتنظيماته التكفيرية "القاعدة" ومتفرعاتها من "داعش" و"النصرة" و"السلفية الجهادية" وغيرها، التي باتت بمثابة السرطان الذي يهدد تفشيه بخطر جدي على السلم والأمن العالميين،وبعد الحرب الكونية العدوانية التي تدخل عامها الخامس على سوريا،فإن الجيش السوري راكم من التجارب والخبرات الشيء الكثير الذي يمكنه من محاربة تلك الجماعات الإرهابية والتكفيرية وإلحاق الهزيمة بها،ولذلك هو يستحق أن يسلح بأحدث الأسلحة من أجل إجتثاث هذا الخطر الداهم.
الرسالة الروسية وصلت لتلك العواصم،ولتقول لهم تخلوا عن أحلامكم ومناوراتكم واكاذيبكم،فروسيا خيارها سوريا والأسد،ولا حل سياسي للأزمة السورية بدون الأسد ،بل وتحت سقف الأسد.
في الوقت الذي كان يجري فيه الإعلان عن صفقة الأسلحة الروسية لسوريا،كانت تركيا التي أراد"خليفتها" الجديد أن يحقق نصراً يمكنه من أن يحقق فوزاً مستحقاً في الإنتخابات التركية القريبة،حيث فشل في تشكيل حكومة تركية جديدة،كان يريد أن يقيم المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية،ويوجه ضربة قاصمة للأكراد كعقاب لهم على المشاركة الواسعة في الإنتخابات،وما حصلوا عليه من مقاعد،ساهمت في عدم حصوله على الأغلبية المطلقة،ولكن يبدو أن الهزائم تلاحق هذا الطاغية المتهور، تزامن الإعلان عن الصفقة مع قرار دول رئيسية في حلف "الناتو" سحب منظومة الباتريوت المرابطة على الحدود السورية التركية... ألمانيا والولايات المتحدة ستسحبان بطاريات الصواريخ الخاصة بكل منهما، ولن تمددا لها بعد انتهاء المهلة المقررة.
إعلان سحب الباتريوت يعني عملياً نعي منطقة الحظر الجوي التي أراد الأتراك من خلالها إدارة عملياتهم وتآمرهم على سوريا،بتقديم الدعم والحماية للجماعات المسلحة التي يقومون بزجّها داخل الأراضي السورية،وبما يعني المس بالسيادة الوطنية لسوريا،والسعي لتقسيم جغرافيتها،وإستخدام ذلك في أي عملية تفاوضية لحل سياسي في سوريا،والهدف الاخر هو سحق الجماعات الكردية وبالذات ،حزب العمال الكردستاني،فهذا يمنح حكومة أردوغان فرصة لفوز مستحق في الإنتخابات المبكرة القريبة،ولعلنا نعي جيداً اكاذيب أردوغان عن موافقة حكومته للدخول في حرب على "داعش" والإقتراب من الموقف الأمريكي،فالهدف ليس "داعش" بل شن حرب مفتوحة على الجماعات الكردية مستغلاً التوافق الإقليمي والدولي في أولوية الحرب على الإرهاب على أي أولويات أخرى،ولكن أحلام أردوغان تبخرت،حيث القرار الأمريكي – الألماني بسحب بطاريات الباتريوت،ورفض الخطة التركية لسحق الأكراد.
أمريكا تعي جيداً بأن موافقتها على منطقة الحظر الجوي، يعني مخاطر حرب شاملة ستدخلها سورية بكلّ قوتها، ويدخلها معها حزب الله، وتكون «إسرائيل»مرماه، وستدخلها لاحقاً إيران، ولا ضمانات ألا تدخلها روسيا بشكل أو بآخر
وهنا تخشى الولايات المتحدة أن يتكرّر السيناريو الكوبي اذا ما أقدمت على تأمين غطاء جوي لمرتزقة دربتهم في المنطقة لفرض هذا الحظر الجوي بالقوة، بفشل هؤلاء المرتزقة في تحقيق نصر عسكري وهو أمر تضعه الولايات المتحدة في حساباتها، فشل سيقود إلى التدخل الروسي المباشر في صلب المعركة الدائرة في سورية في تكرار لأزمة الصواريخ الكوبية ورفع سقف الاشتباك الحاصل مع الولايات المتحدة، انطلاقاً من الساحة السورية، ورسم معادلات جيوسترايجية أقلها إجهاض الدرع الصاروخية الأميركية انطلاقاً من الجغرافيا السورية .
أمريكا بسحبها لبطاريات الباتريوت تقول لحلفائها من أتراك و"اسرائيل" ومشيخات النفط والكاز،إنّ ما بعد التفاهم النووي غير ما قبله وإنّ زمن الحرب قد انتهى، فزمن حروب حلفاء أميركا هو زمن أميركي تحدّده ساعة توقيت واشنطن لا أيّ عاصمة أخرى، وعلى من يريد أن يفعل خلاف ذلك فليفعله من حسابه.
بقلم/ راسم عبيدات