انحطاط التربية وانحدار التعليم !!

بقلم: عبد القادر فارس

مع بداية العام الدراسي الجديد , ومع تسلم الوزير الشاب الدكتور صبري ممدوح صيدم وزارة التربية والتعليم العالي , يأمل الكثيرون في حقل التربية والتعليم , وكذلك أولياء أمور الطلاب , أن يتم ادخال اصلاح حقيقي ومجدي على العملية التربوية والتعليمية , بعدما لمسنا من الوزير الجديد الجدية في ادخال التغيير المطلوب , بما في ذلك الوصول إلى إلغاء امتحان الثانوية العامة ( التوجيهي ) , وما يمثله من رعب للطلاب وأهاليهم , ولا تعكس نتائجه قدرات الطالب الحقيقية في الجهد والتحصيل .

كانت الكارثة التي لحقت بحقل التربية والتعليم في بلادنا , هو الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة , رغم محاولات القائمين ابقاء العملية التعليمية بعيدة عن التسييس والمناكفة , إلا أنه وبالشواهد والإثباتات والبراهين الملموسة , فإن التربية في مدارس قطاع غزة شهدت انحطاطا من القائمين على أمر التربية من المسؤولين ومن مديري ومديرات المدارس , وكذلك المعملين والمعلمات , وأنا في هذا المقال أريد أن أخصص مدارس البنات , نظرا لما يحدث فيها من تجاوزات تسيء للتربية والتعليم , وللتربويين والمعلمين قبل أي شيء آخر , قاصدا من وراء ذلك الإصلاح في العملية التربوية التعليمية , من إنسان عمل في مجال التربية والتعليم , وكذلك في مجال الصحة النفسية والمجتمعية , وأولا وقبل كل شيء والد وأب لطلاب ومدرسين وأساتذة يعملون الآن في حقل التربية والتعليم , واخيرا صاحب رأي.

فلقد كانت نتائج الثانوية العامة ( التوجيهي ) في هذا العام والأعوام التي أعقبت الانقسام , أضعف وأسوأ النتائج منذ قيام السلطة الوطنية في العام 1994 , من حيث نسبة النتائج , وكذلك درجات ونسب علامات الطلاب , غياب كبير للمدرسين أصحاب الخبرة , وتسلم المدرسين البدلاء المهمة , في هذه المرحلة المهمة , والسنة المهمة في عمر الطالب , والتي تنقله بعدها لدخول الجامعة , فكان الانحدار الكبير الذي وصل إليه مستوى التعليم , والضعف الذي لحق بالعملية التعليمية بشكل عام.

لكن الأسوأ من انحدار التعليم , الذي تم تلافيه لدى القادرين من أهالي الطلاب , باللجوء للدروس الخصوصية , رغم ما يرهق الأهالي من مصاريف في ظل الأزمة الاقتصادية القائمة , بفضل الحصار , وغياب الدولار والدينار .. والأكثر سوءا كان انحطاط العملية التربوية في المدارس , ومثالا لذلك العقاب الذي تمارسه بعض المديرات والمعلمات في مدارس البنات , التي تم " تأنيثها " , لأنه ليس من الأخلاق الإسلامية أن يمارس المدرس " الذكر " التعليم في مدارس البنات , وذلك بعد أن تم فرض الحجاب والجلباب على بنات الإعدادية والثانوية , لأن ذلك اختلاط ممنوع في عرف القائمين على العملية التربوية في غزة .. المهم ليس هذا الإجراء أو ذاك , بل ما يلحق إحدى التلميذات من عقاب , إذا ما تأخرت خمس دقائق عن موعد الدخول للمدرسة , فيكون العقاب الحرمان من الحصة الأولى بالإضافة إلى عقاب " إذلالي " من خلال الطلب منها أن تقوم بـ " تكنيس وشطف ومسح ممرات المدرسة " .. فهل هذا من التربية في شيء ؟! وشيء أخر يسمى" المناوبة " (سيئة الذكر) لطالبات المدارس الصغيرات , تكون لمرتين في الأسبوع , إحداها لنظافة الفصل الذي تدرس فيه الطالبة , والثانية لتنظيف المدرسة بأكملها .. ولو قبلت التلميذات القيام بمهمة " البواب أو البوابة " في تنظيف المدرسة خوفا من عقاب المديرة أو المعلمة , أو المشرفة التربوية .. فإن الأسوأ أن تقوم إحدى المعلمات بمعاقبة تلميذة لم تبلغ من العمر 12 عاما , لأنها لم تحسن الكنس والشطف والمسح , وهي الطفلة التي لم تمسك مكنسة في بيتها , ولم تتعلم بعد غسيل صحن واحد في مطبخ أمها .. والسؤال المطروح على القائمين على العملية التربوية : هل نحن نرسل أبناءنا وبناتنا لكي يتعلموا المنهاج المدرسي , أم لتعليمهم النظافة في المدارس من خلال عمليات " الكنس والشطف والمسح " ؟!.

بقلم/ د. عبد القادر فارس