الآثار الاقتصادية المُتوقعة لإنشاء الممر المائي في قطاع غزة !!

بقلم: حسن عطا الرضيع

يتفاءل الكثيرون في قطاع غزة بإحداث تحسناً ملحوظ في الوضع الاقتصادي و المعيشي, إذا حدث تخفيف للحصار أو رفعه بشكل كامل وفتح المعابر وتشغيل ممر مائي يربط قطاع غزة بموانئ قبرص التركية الفقيرة وغير المُهمة قياساً بالموانئ العالمية في منطقة الشرق الأوسط؛ نفس هذا التفاؤل قد ساد الأراضي الفلسطينية وتحديداً قطاع غزة مسبقاً, حينما تم ذكر مشاريع اقتصادية ستغير خريطة غزة وتجعلها سنغافورة العرب , ويتكرر ذلك مع الحديث عن أي مشروع للسلام الاقتصادي يُعقد أو يتم التجهيز له بناءاً على المتغيرات في المحيط العربي وما يُخطط له متخذي أروقة القرار السياسي والاقتصادي في إسرائيل, تنوعت تلك المشاريع والمبادرات الفردية أو المؤسساتية الدولية, ولكن تتراوح جميعها وتقع ضمن مشاريع السلام الاقتصادي غير المتكافئة والتي لا تؤدي لتحسن اقتصادي أو تعجيل عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأراضي الفلسطينية, وهذا ما شهدته الأراضي الفلسطينية خلال العقدين السابقين, بدءاً بمشروع شيمعون بيريز للشرق الأوسط الجديد, والذي ينص على ضرورة وجود اقتصاد إقليمي مستقر ضمن ما يُسمى بمصطلح العولمة الإسرائيلية والتي تهدف للسيطرة على الدول العربية بشتى الوسائل ومنها الاقتصادية والتي أختصرها شيمعون بيريز في كتابه " الشرق الأوسط الجديد" الصادر عام 2003, والذي يهدف للاستفادة من رخص الأيدي العاملة العربية واتساع حجم الأسواق العربية مما يتيح لإسرائيل زيادة معدل الدخل والوصول باقتصادها إلى وضع التشغيل الكامل التي تفتقر إليه في ظل ضيق حجم السوق المتاح وذلك من خلال التكامل بين العقل اليهودي المبدع " العبقرية اليهودية" ور أس المال العربي والعمالة الرخيصة في الشرق الأوسط, ولاحقاً مشاريع بيل كلنتون وجون كيري, و بلير للسلام الاقتصادي والمشروع الألماني الذي ينص على التهدئة مقابل التنمية الاقتصادية؛ أو بالأحرى تهدئة طويلة الأمد مقابل تحسناً طفيفا في أداء الاقتصاد الغزي وتحقيق نمواً عابراً سرعان ما يتهاوى ويتلاشى كغيره من معدلات النمو التي كُبحت جماحها بسبب الهيمنة الإسرائيلية وقوة تأثير الأوضاع الأمنية غير المستقرة على الاقتصاد بغزة , والسنوات السابقة تؤكد فشل كل مشاريع السلام الاقتصادي؛ ولكن في ظل توقيع اتفاق إنشاء الممر المائي بغزة رغم أنه حق للفلسطينيين ووجوده سابقا ضمن اتفاقية أوسلو وعلى شكل أوسع وجود ميناء بحري مستقل , و سواء تم ذلك باتفاق مع حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة والتي تركت الحكومة الفلسطينية لحكومة التوافق الوطني برئاسة رامي الحمد الله في أبريل 2014, أو بدون اتفاق وبقي بيد الاحتلال الإسرائيلي, فإن هناك تحسناً سيطرأ وسيكون عابراً, ويبقى النمو في الناتج محدوداً و لن يستطيع تلبية احتياجات الغزيين حتى وإن رافق ذلك رفعاً للحصار وعمل الآلاف من العمال في إسرائيل ( أغلقت إسرائيل في العام 2005 سوقها أمام العمالة من قطاع غزة وبذلك فقد عشرات الآلاف أعمالهم مما زاد الوضع تعقيداً وشل الاقتصاد بغزة), ونظرا لعدم وجود معلومات كافية عن هذا الاتفاق, فإن ما يمكن أن يوفره من فرص عمل لا تزيد عن بضع آلاف, ورغم الأهمية الاقتصادية لعملهم إلا أن التحسن والتعافي الاقتصادي لن يكون كبيراً, والسبب الرئيسي هو أن فرص العمل التي سيوفرها الممر المائي وإمكانية إعمار قطاع غزة هي بالآلاف وستكون مؤقتة ولن تستمر بالنمو الطردي, وستكون أقل من العدد الكبير للداخلين بسوق العمل, مما يعني وجود تشوه في سوق العمل , تشوهاً يتعمق ويعتبر الأسوأ في المنطقة حيث تنامت الاختلالات البنيوية في هيكل الاقتصاد بغزة مما استعصى ذلك وجود حلول آنية أو على المدى المتوسط والطويل, إضافة أن وجود قرابة 200 ألف عاطل عن العمل نصفهم من خريجي الجامعات زاد المشكلة الاقتصادية تعقيداً , وعلى الرغم من الزيادة السنوية للنفقات الحكومية وتزايد المنح إلا أن ذلك لم يؤثر في الأداء الاقتصادي والسبب هو أن اقتصاد غزة يحتاج لنمو في الإنتاج وخلق للدخول وليس خلقاً للوظائف , كذلك فإن هناك مشكلة رئيسية لا زالت تتعمق بقطاع غزة وهي عدم وجود إنتاج وطني, والاعتماد المتنامي على الاستهلاك الممول من دافعي الضرائب بالغرب, وتبعية غير متكافئة وعلاقات غير ندية مع اقتصاد المركز المتطور وعدم ملائمة السياسات الاقتصادية المنتهجة مع السوق الإسرائيلي ومع دخل واقتصاد إسرائيل, فمثلا متوسط الدخل الفردي في قطاع غزة يقترب ويزيد أحياناً عن 1000 دولار, في حين أن متوسط الاستهلاك الفردي في غزة يفوق 1300 دولار سنوياً أي أن الاستهلاك يساوي 130% من حجم الناتج , والخطورة تكمن في أن مصادر النمو في الناتج هي الاستهلاك وحجم الطلب الكلي والممول من دافعي الضرائب في الدول التي تقدم منحا ً ومساعدات للسلطة الفلسطينية والتي فاقت أل 20 مليار دولار في 21 عاماً سابقة, إن مثل ذلك لن يحدث تحسناً وأي نمو ممكن أن يحدث سيستحوذ عليه فئة معينة ستزيد ثراء وغني مقابل فقر مجتمعي يتزايد في شكل خطير يهدد بنية المجتمع المائل مع الوقت لحالة من اللا عدالة واللا إنسانية, و لا يمكن لاقتصاد لا يوفر إنتاج زراعي يلبي احتياجاته الضرورية رغم وجود الإمكانيات لذلك, والتراجع في النمو الصناعي والارتفاع في الاستهلاك من بناء اقتصاد يوفر أدنى مقومات الحياه والرفاه, وفي الختام فإن المطلوب سياسات اقتصادية ناجعة ولكن ستصطدم بوضعين خطيرين؛ هما عدم الاستقرار السياسي والأمني وعدم جدوى السياسات الاقتصادية ووجود انقسام سياسي يدخل عامه التاسع, وبالتالي فإن أي حل في ظل تلك المتغيرات سيكون عابراً ومؤقتاً وإبر تحذيرية ولن تضيف أي سياسة اقتصادية من ذلك للإسلام خردلة, ولكن يمكن التخفيف من كارثية الأوضاع , ويبقى كل ذلك مرهونا بقرار سياسي وبأفق وطني لا زال مفقوداً , وبين ذاك وذاك تبقى آهات وعذابات أل 1.8 فلسطيني في غزة مرهونة لحفنة رثة من أباطرة الانقسام والباحثين عن مزارع كبيرة من البقر الحلوب ويتسابقون على أفضل ما يجب أن تؤكل منه الكتف!!
أما ما تريده إسرائيل من عقد اتفاقات للتهدئة طويلة الأجل مع غزة مقابل تخفيف أو رفع الحصار وإنشاء ممر مائي بإشرافها بشكله المباشر أو غير المباشر من قبرص التركية,هو تحقيق أهداف سياسية أخرى ترافق الأهداف التي حققتها مع بدء الانقسام السياسي, ويكمن الهدف الرئيسي في تحييد غزة من الصراع الديموغرافي وفصلها بشكل تام عن الضفة الفلسطينية المحتلة, وبذلك تُقتل أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية على حدود الخامس من يونيو للعام 1967م, أما إيرادات السلطة الفلسطينية من غزة ستتراجع, وبالتالي وجود إمكانية قيام الحكومة الفلسطينية بإتباع سياسات تقشفية للحد من عجز الموازنة , والمتضرر الأول الفقراء وذوي الدخول المحدودة والمتوسطة والثابتة ونسبة كبيرة من موظفي الجهاز الحكومي أما إسرائيل فإنها ستحقق مكاسب جمة تتمثل في تحصيل ضرائب كضريبة القيمة المقاصة تفرض على تنقلات وبضائع تدخل قطاع غزة, وتشديد الحصار عبر المنفذ المائي واعتباره هدفا لأي عملية عسكرية قادمة كما دمر سابقا الميناء ومباني الواحة والمطار, كونه لا يختلف عن معبر بيت حانون إيرز , وكذلك استمرار الاستيطان في الضفة الغربية ومصادرة المياه والأراضي وإمكانية زيادة عدد المستوطنين لقرابة المليون مستوطن (يبلغ حاليا عدد المستوطنين بالضفة الغربية 750 ألف مستوطن) , ونهب ما تبقى من غاز بحر غزة, إضافة إلى تعميم أوضاع جديدة مُصطنعة تتمثل في تخصيص المنافع وتعميم الخسائر , حيث أن إسرائيل كاحتلال رابح, قد حقق مكاسب ومنافع اقتصادية بلغت حوالي 22 مليار دولار في الفترة 1986-1967 , وتزايدت تلك المكاسب في ظل حكم السلطة الفلسطينية وأكثر في ظل الانقسام السياسي لتبلغ سنويا قرابة 7 مليار دولار, وسيحقق الاقتصاد الإسرائيلي إضعاف ذلك في ظل عملية الفصل التام بين أطراف الأراضي الفلسطينية والتي سُتخلي إسرائيل من مسؤولياتها تجاه الفلسطينيين, وفي الختام فإن الكثيرون يتفاءلون بإمكانية تخفيف المعاناة عن أهالي غزة, ولكن لن يكون ذلك بتعزيز الانقسام والفصل شبه التام وإضعاف المشروع الوطني, بقدر ما يكون بالوحدة الوطنية وبناء اقتصاد منتج قوامه العدالة الاجتماعية ومقاطعة إسرائيل على كافة الأصعدة , والعمل على إيجاد استقلالية للقرار السياسي والاقتصادي للفلسطينيين, والذي لم يتحقق حتى هذه اللحظة , وإن ذلك مرتبط بالخروج من حالة صمت القبور التي تعيشها الأحزاب الفلسطينية العاملة في الأراضي الفلسطينية إضافة لحالة الخمول اللا مبرر لجموع المستقلين والمثقفين والكتاب والأكاديميين الذين لم يتطرقوا للأوضاع الكارثية التي تعاني منها قطاع غزة .

بقلم/ حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي