القائد او المسؤول فرد من الشعب يؤثر في سلوكه وله دوره المركزي فيه، باعتباره اقدر من يمثله ويحرك فيه فاعليته ويبلور اهدافه ويوجهها الوجهة التي بها تؤكد ذاتيته، يحافظ على كينونته وتماسكه ، علما ان الاصل في القيادة انها بالاختيار او الانتخاب الحر وتقوم على مبدأ المشاركة في اتخاذ القرارات بين القائد والشعب.
بوسعي أن أوجه انتقادا ، ليس للشعب ، انما للقادة والمسؤولين ، لأقول لهم لقد استخففتم بالشعب ، نتيجة اخطاء ، اهمها بعد القائد والمسؤول عن الشعب وعدم الأخذ برايه والاستماع اليه ، لم اجد مسؤول مركزي اراد ان يتجول في مخيم دون همروجه ليستمع الى الشعب ومعاناته ، حتى لو انتقده الشعب ، فيتقبل النقد بروح عالية وحتى يبقى الشعب ملتصق بقيادته ، فهذه الكلمات ليست مبالغة، ولا استخداما متماديا للكلمات، فالشعب الذي تعود في السابق قبل الاجتياح الصهيوني على زيارة قادته وفي مقدمتهم الرئيس الشهيد ياسر عرفات والامناء العامون للفصائل ، لم يعد يجد قادة بمستوى تواضعهم ، بل البعض يأتي لحضور الاحتفال والمهرجان ، والبعض يعيش في المخيم نتيجة عدم قدرته على شراء شقة او بيت خارج المخيم ،والبعض الاخر لم يسأل ، فهذا واقع مظلم ،وهنا أتساءل إن كان يحتاج ، لإضاءة الكثير من اللمبات، بسبب قلة النور، لكي لا نكون ركنا مظلما في المخيم عنوان الثورة والمقاومة ، نقول لهم ان ما نراه هنا ليس بركن مظلم طبعا، إنه ركن مليء بالضوء، مليء بملايين الأضواء، وإن شمسنا قوية، وعلى الأخص شديدة الحرارة، وفكرة ما زلت تمشي في ازقة المخيمات، إن هذه الشمس رغم شدة الحرارة، كانت شديدة الإشعاع.
وبما أنني شخص متفائل، أفكّر بأنه يمكن لقيادة ملتحمة مع شعبها ، رغم الأخطاء المرتكبة، ان تواجه كل ما يحاك من مؤامرات تستهدف القضية الفلسطينية وان تحقق اهدافها من خلال الاستماع الى اراء الشعب باعتباره صاحب المصلحة الوطنية العليا وبذلك يمكن ان يتم تحرير الارض والانسان وتحقيق الديمقراطية والعدالة.
من هنا اقول ليس بوسع اي قائد او مسؤول ان يبرز على نحو انفرادي ، وأن يفعل شيئا بدون العودة الى التشاور مع هيئاته القيادية ، وانا اقول كل من لا يحمل فكرا ثوريا لا يمكن ان يكون في موقع المسؤولية لانه بالفكر الذي هو أقوى من السلاح ، والعلم هو الأداة الأروع في حياة الانسان، لانني اتحدث في ظل حالة التناقض التي نراها بين نظرية علمية ومعتقد ديني.
لقد درسنا نحن ذلك وبعض الأمور الأخرى، والتي من غير المناسب شرحها في هذه اللحظة، أذكر ذلك فقط لكي أقول أنه بدون ثورة فكرية بمواجهة قوى الظلام ، بالغة العمق، سيظل الظلم وعدم المساواة قائما ،والنظريات في القيادة كثيرة، هناك قادة او مسؤولون يتصفون بصفات جسمية وعقلية وانفعالية واجتماعية بالنسبة للمواقف ولكن هم بواد والشعب بواد اخر ، وهناك قادة متواضعون هم اقرب الى الجماهير، وهؤلاء هم الاقدر على التواصل .
وامام كل ذلك نرى ما تقوم به بعض حركات الاسلام السياسي من قبل دعم عصابات ارهابيه وتكفيرية لا تمت للدين بصلة بل تهدف الى خدمة مخطط رهيب يستهدف تدمير وتفتيت
المنطقة وعرقلة نضال ومستقبل القضية الفلسطينية ، بمساهمة الاخوان المسلمين والتيارات الدينية المتطرفة وبرعاية النظام الرأسمالي العالمي والامبريالية الامريكية والقوى الرجعيه من ارتكاب افظع المجازر بحق الشعوب العربيه ، مما يستدعي من القائد والمسؤول في كافة الاحزاب والقوى الوطنية و الديمقراطية والتقدمية العمل على تعزيز دور الشباب من اجل مواجهة هذه الهجمة التي تريد القضاء على فكرنا الثوري وعلى مستقبل اجيالنا التي يجب ان تكون بوصلتها فقط فلسطين القضية المركزية للامة العربية.
فالعلاقة بين القائد والشعب بمقتضى ما سبق، يجب ان تكون علاقة تبادل وتواصل ومشاركة، فليس هناك قائد بدون شعب، كما ان الشعب لا بد له من قيادة، ومن هنا جاءت الضرورة ان يتشارك الاثنان في المسؤولية والواجبات، هذا شأن القوى الوطنية والديمقراطية، على عكس القيادات الدكتاتورية التي مناطها القسر والقمع والإملاء وكبت الحريات وحرمان الشعب من حق ابداء الرأي.
وفي ظل هذه الظروف اتذكر جيدا زيارات قادة مناضلين كانوا دائما على التصاق برفاقهم في كل المواقع ومع جماهير شعبهم يستمعون للمواطن قبل المسؤول وخاصة الرفاق القادة الشهداء طلعت يعقوب وابو العباس وسعيد اليوسف وغيرهم من القادة ، ومن اجل تعزيز علاقة القائد او المسؤول كان بعد العودة لاسم جبهة التحرير الفلسطينية انشأ مدرسة الكادر السياسي والحزب في بلدة شملان بجبل لبنان عام 1978 ، والتي من خلالها كان هناك إنتاج فكري سياسي تشهد له وثائق وأدبيات جبهة التحرير الفلسطينية ، حيث احدثت مدرسة الكادر أثر نوعي في عقول وقلوب كل كادر في الجبهة الذي خضع واستفاد من هذه الدورات التي لا تقل اهمية عن دورات الكمسمول السياسي في الدول الاشتراكية نتيجة المحاضرين الذين كانوا من كافة احزاب حركات التحرر فيها ، والتي اعطت سلوك رفاقي للكادر وتواضعه الثوري ومصداقيته مع الجماهير وإخلاصه المطلق للمبادئ والقيم التي استفاد منها ، عبر اندماجه الواعي بحاضر ومستقبل قضيته وشعبه ، فهذا الفكر للقائد او المسؤول يجسد الانتماء للشعب والفقراء هذه الجماهير التي قدمت اغلى ما تملك في سبيل فلسطين تستحق منا ان نقدم لها ما نملك او نستمع منها لارائها ومواقفها وملاحظاتها، فهي صاحبة المصلحة الأولى في التحرر والتقدم، وهي أيضاً روح المشروع الوطني الفلسطيني وأداته الثورية الوحيدة، لذلك كله، فيجب علينا ان نحرص على العلاقة معها ونعمل من اجل اخراجها من أزمتها صوب نهوضها ، بما يمكنها من أن تتحدى هذا الواقع الفلسطيني المهزوم والمأزوم، وتشق الطريق صوب المستقبل، فالرؤية واضحة للعدو الصهيوني وكل القوى المتأمرة على الشعب الفلسطيني .
ان على القائد او المسؤول ان يسعى من اجل التخلص من كل مظاهر الترهل ، وان يعود الى قاعدته الشعبيه رغم كل ما نراه من أزمات أو تراجعات مؤقتة، وعلى القوى والفصائل ان تشكل رافداً نوعياً متميزاً في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني، يتوازى مع ما نعتقده أنها تمثل اليوم أحد مكونات الوعي السياسي والاجتماعي للشعب، وبذلك تكون اصبحت وفية لكل الشهداء الذيم ضحوا من اجل الحرية والعودة وتقرير المصيرواقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس .
لهذا نطلق صرخة واضحة لأن بعض الإسلام السياسي من خلال عصابات لا تمت للنضال الوطني ولا للشعب الفلسطيني وهي عصابات متطرفة وظلامية تريد اخذ بعض المخيمات الى المكان المجهول كما حصل في مخيم اليرموك ، حتى تبعد الشعب الفلسطيني عن الأهداف المنشودة بمواجهة المشروع الصهيوني.
ختاما : لا بد من القول أن الوفاء للشعب من قبل القائد والمسؤول تتطلب منه النزول الى القاعدة الشعبيه دون زيارة رسمية او احتفال او مهرجان او دعوة شخصية ، باعتبارها صاحبة المصلحة الوحيدة في هذا الصراع ضد التحالف الامبريالي الأمريكي الصهيوني، وفي الدفاع الحقيقي عن أهدافها الوطنية المشروعه فهذا الدور للقائد او المسؤول سيكون مثلا رائعا في إقامة العلاقة مع الشعب وطريقا وحيدا صوب تحقيق المستقبل المنشود.
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي