عام جديد أخر يعود به أكثر من مليون طالب مدرسي إلى مقاعدهم بعد عطلة صيفية قضيت بين اللعب والمرح وراحة العقل من ضغوطات الدراسة ليعود بطاقة متجددة للتلقي والتعلم ومنهم من يحمل بين سرائرة فرحة العودة للمدرسة وصف جديد و إقبال على تلقي العلم ومنهم من يسكنه الضيق لعبء الدراسة والتعلم وثقل ما فيها من مسئوليات .
لا بد أن وزارة التربية تضع خطتها السنوية نحو التطوير لتحسن العملية التعليمة ولا بد من أن مدير المدرسة ومدرسيه أيضا يضعون خططهم للتطوير والتحسين في الأداء وتحقيق الأهداف ولكن التساؤل المهم " هل مخرجات التعليم لدينا في مدارسنا تتجه نحو الجودة المطلوبة والمتناسبة مع تكاليف التعليم و التخصصات المطروحة في السوق مستقبلاً ؟ .
إن النظرة الفاحصة للواقع يرى أن هناك تغير جذري في مفهوم التعليم ومدى قيمته في حياة الناس أو النظرة الخاصة للتوجه إليه حيث في الغالب أن الطالب يذهب لتلقي تعليمة من أجل ضمان مستقبله وتحصيلة للمكانة الإجتماعية والوضع المادي الذي يؤمن له الحياة الكريمة وأيضاً المعلم يؤدي مهمته في غالب الأحيان كوظيفة يكسب منها رزقه ويؤدي واجبه وما يلقى عليه من مهام ومسئوليات إتجاه عملية التدريس حيث أن أغلب فكره يدور حول ما إن كان راتبه سيؤمن له أخر الشهر أو سيوفي بتوفير الحاجات الضرورية والمسئوليات الأسرية .
و إذا أردنا أن نصل لتجارب الدول المتطور والمتحضرة وحجم ما تنفق من التكاليف والجهود على العملية التعليمة وخاصة في مراحلها الأولى نقتنع أنه لا بد أن نغير نظرة أطفالنا وكبارنا ومسئولينا التربويين وغيرهم إتجاه أهمية التعليم في حياة الإنسان والمجتمع حيث لا يربط فقط في لقمة العيش والمستقبل الأمن بل ينظر إليه أنها عملية مستمرة على مدى حياة الفرد ووجود المجتمع الذي يسأل الجميع عن مساهمته في تطويره وبنائه ونمائه نحو الأفضل والتحضر .
وحتى نؤدي هذه المهام ونغير هذه النظرة لا بد من إعادة تقيم العملية التعليمة والتربوية واستحداث الأساليب الفعالة لتنمية التعليم وتطويره ويكون ذلك بدراسة معمقة للواقع على مستوياته المختلفة والتطورات الحاصلة فيه والمتغيرات لمعرفة كيف يتم إستحداث أساليب أو تطويرها خاصة في ظل هيمنة التكنولجيا بأنواعها المختلفة على مركز العقل البشري منذ مراحل الطفل الأولى حتى شيخوخته .
من أولى أهداف التطوير في العملية التعليمة التربوية أن يتم تغير معتقدات الناس حول أهمية الجدية في التعليم واستمرار وجوده في حياتهم حيث يبدأ ذلك بمراحل الطفولة الأولى التي يبدأ فيها الطفل خطوات حبوه محاولا إستكشاف الأشياء وتلمسها وتحسسها حتى يدركها ويميزها عن غيرها فعندما نربي الأجيال على الحرص الدائم للبحث عن المعلومة الجيدة واستغلالها بما ينمي الفكر والعقل ويطور الأداء ويحسن الإنتاج على مستوياته بالإضافة إلى ترقية النفس وتهذيبها ورفعة الروح وسكونها من خلال ما يزرع فيها من قيم تتعلم وافكار جديدة تغذيها كما يغذى الزهر جميل الرائحة بمائه دائما، كما نخرج المعلم والمربي الحريص على أدائه في العملية التربوية وتقديم أفضل الطرق لإيصال المعلومة لطلبته وذلك منبعه من مفهوم الجدية في طلب العلم و تقديم التعلم فيحرص على أن لا يهمل دوره مهما كانت ظروفه الواقعية لا تلبي حاجاته المادية أو المعنوية وذلك من الإيمان العميق بأهمية العلم لمجتمعه .
إن للعلم قداسة ومكانة منبعها الدين حيث كما يستفاد به في الدنيا يعود أثره الطيب بالخير أيضا على الفرد في الأخرة فإن ربطنا هذا المفهوم في عقلية الطفل بدأ من أسرته ومدرسته ومجتمعه فيرى أن إقباله على العلم هو اجب وفرض ديني قبل أن يكون واجب دنيوي سيكون ذلك أكثر تأثيرا في تفعيله نحو التعلم الدائم والإبداع في تقديم أفضل ما لديه من أفكار وأداء .
كما تحرص الحكومة من خلال موازنتها على توفير موارد مادية كافية وتتناسب مع حجم التطور المطلوب كل عام للمسيرة التعليمة فلا تجعل حظ هذه المسيرة من الدعم المادي منه القليل لتوفير الحاجات والمتطلبات المساندة لعملية التعليم والتعليم حيث توفر البيئة المناسبة داخل المدارس التي تساعد الطلبة وتشجعهم على الإقبال على المدرسة وكذلك تشجع المعلم .
إن الدولة التي تبني منظومة تربوية تعليمة قوية لا بد أن تحظى بالمكاسب الكثيرة من وراء ذلك وانعكاس ذلك على نموها في كافة المجالات ويرتقي بها نحو التحضر والتمدن فالعقل البشري هو أهم ما يستثمر به سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع فلا بد من توفير كافة الإمكانات المساعدة على نمو ذلك العقل بطريقة مبدعه ودائمة العطاء والتفكير والإنجاز وذلك يكون من خلال التعليم التفاعلي الدائم ما بين الفرد وبيئته التي تعطيه بقدر ما يعطيها من فكره وإبداعه .
أهم الأهداف الذي يسعى إليها في التعليم أيضاً أن يُفعل الطالب في تعلمه فلا يكون مجرد المتلقي من معلمه ومن عليه واجب الحفظ والتذكر وقت الإمتحان ثم ما أن يغادر قاعته يكون قد تبخر من ذاكرته القريبة دون تثبيت للمعلومة وتركيزها في السلوك والأداء والفهم والتحليل .
لذا من واجب المربين والمعلمين أن يحرصوا على إستحداث الأساليب التعليمية الحديثة التي تفعل عقلية الطالب وتدمجه في العملية التعليمة بحب وتشويق بعيدا عن الروتين والملل والإرهاق للعقل بالعلومات والكتب والكراسات المثقلة على أكتافهم وأن ينتقي الأسلوب الذي يجد أنه تناسب مع طلبته وسرع من التفاعل حيث يصبح الطالب من يقدم في أغلب الأحيان المعلومة والأفكار لا أن يتلقاها فقط .
بقلم/ آمال أبو خديجة